ساحة الاعتصام.. حديقة خلفية للثورة السودانية

الخرطوم: عبد الحميد عوض

تحوَّل محيط مقرّ قيادة الجيش السوداني، حيث الاعتصام الذي أطاح بنظام الرئيس عمر البشير، لـ “حديقة خلفية سودانية”، ليس للتعبير عن مواقف سياسية تضغط تجاه إكمال شروط الثورة في البلاد، بل لمساحاتٍ تضج بالنشاط الثقافي والفني، ومختلف ضروب الإبداع.
(1)
أثناء التجوال في المكان، يمكن أن نسمع ونرى حلقة صوفية يتمايل فيها درويش هائم بحب الله والبلاد والحرية. وحينما تخطو خطوة أخرى، يتمازج ذلك الإيقاع الصوفي بنقائه وطُهره، مع إيقاعات شعبية أتت من بعيدٍ، من الشرق والغرب والشمال والجنوب. ومع تحرّكنا خطوة أخرى، تتناهى إلى مسامعنا مقاطع من أغنية فنان الشعب، الراحل محمد وردي، يُنشد: “أصبح الصبح ولا السِّجن ولا السّجّان باق”.
(2)
في مشهد آخر، نرى شباباً وقد طوّعوا الهيب هوب والراب، بكلمات سودانية تُمجِّد ثورتهم، وتُعرّض بنظام ورموزه التي كبتت صوتهم، وحبست إبداعاتهم 30 عاماً: “وحتسقط حتسقط ونعرِّس كنداكة”، ولن تمل التجوال هناك مطلقاً، فبإمكانك أن تلقي نظرة، أيضاً، على معارض الرسم والتلوين، نثر فيها فنانون شباب عصارة إبداعاتهم وشكّلوا لوحات أنتجوها في غمرة انفعالهم وسعادتهم بزوال حكم البشير.
(3)
في بضعة أمتار، فرش موافي يوسف، مُنسِّق فاعلية الشباك الأدبية، على أرضية ميدان الاعتصام، عشرات الكتب ليبيعها بأسعار زهيدة. يقول يوسف، في حديثٍ لـ(كوكتيل) إنّ الفكرة جاءت منه وزميلته إيمان مهدي بدوي، وتَهدف إلى بيع الكُتُب بأسعارٍ زهيدةٍ للجمهور في ساحة الاعتصام، وتشجيع الناس على فعل القراءة، وبإمكان المُعتصم أخذ الكتاب لقراءته داخل ميدان الاعتصام ومن ثَمّ إعادته، مُشيراً إلى أنّ لديهم نشاطات أخرى على هامش المعرض، منها قراءات شعرية، ووصلات موسيقية على العُود، وجلسات مُؤانسة مع عدد من الكُتّاب السُّودانيين، ومعرض تشكيلي ومعرض فوتوغرافي، وسبق لبعض الكُتّاب، قبل سنوات، أن نظّموا معرضاً للكتاب المفروش لبيع وتبادُل الكتب ووجدت الفكرة ترحيباً كبيراً ومُشاركة واسعة، لكن سلطات نظام البشير سارعت في منع مُواصلتها بالقوة.
(4)
في حديثه لـ (كوكتيل)، يقول الروائي منجد باخوس، إنّ الفعاليات الثقافية في القيادة العامة تمثل جُزءاً أساسياً من الحراك الثوري، وإنّهم منحازون للكُتّاب ويحتفون بفعل القراءة. يضيف: “نُحاول بعد ذلك تحرير الكتاب من القبضة العسكرية السابقة عبر فتح حوار بين الكُتّاب والقُرّاء، والتواصل مع الجمهور الثوري”، قبل أن يؤكد، من دون، تردد أن الكُتّاب جُندٌ من جنود الثورة المجهولين. يشير إلى أنّ الثورة القادمة هي الثورة الفكرية والاجتماعية والثقافية التي تحتاجها البلاد.
(5)
في مُحيط الاعتصام، أيضاً، هناك مساحات للراحة والمُؤانسة في مقاعد شعبية، تُوفِّرها بائعات الشاي اللائي انتشرن في المكان من دُون أن يصيبهن الخوف والقلق من مُطاردات الشرطة التي كانت تُصادر مُعدّاتهن التي يتكسبّن منها بموجب قانون سيئ السُّمعة يُدعى النظام العام.!
(6)
هناك أيضاً منابر للضحك والسخرية من دُون مسارح. وأسّس بعض العاملين في الدراما مسرحاً للجسد، في ما تحلّق المُعتصمون حول فرق تراثية شعبية عسكت تنوُّعاً ثقافياً كبيراً، أما الشاب مازن علاء الدين، فقد اختار لنفسه مُهمّة واحدة مختلفة، هي حمل لافتة صفراء، يطلب فيها فقط من المُعتصمين أن يبتسموا، ثُمّ يُوزِّع بسماته هو على الناس.
(7)
مجموعة من الشباب، أزاحوا ملامحهم الحقيقية ورسموا على وجوهم ما يُريدون، فيما عَمِدَ آخرون على توفير لعبة “الليدو”، بنسخةٍ ورقيةٍ، وأخرى على الهاتف النّقّال، وأنشدوا لحناً واحداً بكلمات دارجة: “يا زهقان لو قافلة معاك تعال ألعب”. ردّدوه بصورة جماعية؛ فشاركهم البعض لُعبة الليدو ولعبة الثورة في آنٍ واحدٍ، ويقول أحد المُشاركين، إنّ الفكرة بسيطة جداً، حيث يُصاب بعض المُعتصمين بالملل والإرهاق؛ فأردنا أن نُروِّح عنهم بلعبة الليدو.
أما نهى محمد إبراهيم، مُعلِّمة بالمرحلة الثانوية جاءت للاعتصام برفقة أسرتها، تقول في حديثها لـ (كوكتيل)، إنّ الاعتصام في بدايته كان منصباً على الهدف السياسي، لكن في الفترة الأخيرة تَحَوّل إلى مهرجانٍ ثقافي وفُرصةٍ لهم كأُسر للترويح، وأجمل مكان يتمنّى حتى الأطفال أن يوجدوا فيه ليلاً، ويعيشوا أجواءه السياسية والثقافية والفنية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.