بعد مقترحات الوساطةالمجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.. جدل المجلسين

الخرطوم: القسم السياسي

 

اقترح الوسطاء السودانيون الذين يسهلون المباحثات بين المجلس العسكري الحاكم والمتظاهرين تشكيل مجلسين انتقاليين يرأس أحدهما العسكريون ويشرف على المسائل الأمنية. وأعلن المجلس العسكري الانتقالي أنه سيقوم بتقديم رؤية متكاملة للفترة الانتقالية اليوم الاثنين، فيما قالت قوى الحرية والتغيير إنه لم يتم التوصل لاتفاق حول مقترح مجلس السيادة ومجلس الأمن والدفاع بعد، وأنهم مازالوا في انتظار توضيحات من لجنة الوساطة حول العلاقة بينهم ومهامهم وعلاقتهم مع مستويات الحكم الأخرى لتقوم بعد ذلك بدراستها والتشاور حولها وتقديم رؤيتها.

واقترحت شخصيات معروفة قبل يومين تشكيل مجلس السيادة من 7 مدنيين و3 عسكريين يضطلع بمهام غير تنفيذية، يرأسه عبد الفتاح البرهان ومجلس آخر للأمن بأغلبية عسكرية وتمثيل مدني محدود يختص بشؤون الأمن والدفاع يتولى رئاسته البرهان أيضا.

وبحسب تقارير صحفية، فإن المجلس العسكري وافق على مقترح اللجنة التي تضم رجل الأعمال السوداني أسامة داؤود والصحفي المخضرم محجوب محمد صالح والأستاذة الجامعية فدوى عبد الرحمن علي طه وآخرين، بينما قالت “قوى الحرية والتغيير” إنها عاكفة على دراسته.

في الأثناء، قال المجلس العسكري الانتقالي في السودان، إنه متفائل بالتوصل لحل عاجل مع قوى الحرية والتغيير التي تقود الاحتجاجات في السودان.

وقال المتحدث باسم المجلس العسكري شمس الدين كباشي، في مؤتمر صحفي، إنهم سيتقدمون برؤيتهم للمرحلة الانتقالية بشكل متكامل غدا الاثنين، مبديا تفاؤله بالتوصل لتفاهمات مع قوى الحرية والتغيير، قائلا: “هناك كثير من نقاط الاتفاق وبالتفاوض وبالحوار سنتجاوز النقاط الخلافية”، رافضا الخوض في التفاصيل والنسب.

في مقابل ذلك، قال القيادي في تحالف الحرية والتغيير عمر الدقير، الذي يقود التظاهرات، إن “هناك مقترحا (من الوسطاء) لتشكيل مجلسين، أحدهما يترأسه المدنيون والآخر يترأسه الجيش”. وتابع في مقابلة تلفازية أن “المجلس العسكري (الجديد) والذي (سيضم أيضا ممثلين مدنيين) سيشرف على المسائل المتعلقة بالمناحي الأمنية للبلاد”.

وأوضح أن “مهام عمل” كل مجلس لم تحدد بعد، كما أشار إلى أنه “لم يتم اتخاذ قرار بعد” بخصوص الاقتراح.

وأوضح الدقير أن الوسطاء، وهم مجموعة من رجال الأعمال والصحافيين والشخصيات البارزة في المجتمع السوداني، قدموا حزمة اقتراحات كبيرة تضم أيضا كيفية عمل الهيئات التنفيذية والتشريعية في مرحلة ما بعد البشير.

شروط التجمع
وجدد تجمع المهنيين السودانيين في وقت سابق التأكيد على إسقاط كامل للنظام يتبع ذلك مرحلة انتقالية تقودها سلطة مدنية توقف النزف وتضمد الجراح وتمهد لتحول ديمقراطي كامل.

وقال تجمع المهنيين في بيان صحفي إنه لن يقبل إلا بمجلس سيادي مدني انتقالي واحد بتمثيل محدود للعسكريين، بحيث تتلخص مهامهم في الأمن والدفاع، وجاء ذلك رداً على وساطة تقدم بها مجموعة من الوطنيين لأجل تجاوز الخلافات.

وأوضح التجمع في بيان أن مجموعة من السودانيين الوطنيين تقدموا بوساطة مع المجلس العسكري، مشيراً إلى أن هذه الوساطة وجدت موافقة جماعية من قوى الحرية والتغيير. وقال البيان إن مهام الأمن والدفاع تشمل فيما تشمل الأدوار المختلفة للمؤسسة العسكرية بما في ذلك إعلان الحرب والمشاركة مع الجيوش الأخرى وقضايا الحرب على الإرهاب أو مواجهة التطرف، وهذه كلها حزمة واحدة ينحصر دور المدنيين فيها في متابعة التقارير ووضع التوصيات، وهذا ما يحدده ويصيغه ويضبطه القانون. وأضاف البيان: “على العسكريين للقيام بهذا الدور أن يضعوا الموقف الوطني المطلوب لصيانة سيادة الوطن وكرامته”. وتابع البيان: “هذا هو موقفنا التفاوضي الذي يمكن أن يكون أرضية مرنة للتفاوض والاتفاق، وهو موقف ينبني على رؤية متبصرة لما يحيق بالبلاد”. ودعا البيان جميع جماهير الشعب السوداني للتمسك بأشكال الحراك السلمي الجماهيري كافة، مع ترتيب الصفوف وزيادة وتيرة العمل التنظيمي والاستعداد للاحتمالات كافة. وحث شركاء التجمع وكل الحادبين على مصالح الوطن وشعبه أن يتجنبوا طريق المزايدات وزعزعة صف الثورة بمواقف لا تخدم سوى القوى التي تتربص بالثورة وتسعى لإجهاضها قبل بلوغ مراميها وأهدافها التي ضحى من أجلها شهداء هم أكرم منا جميعاً ودمهم هو مقياسنا الذي لن نخونه أو نبدله بشيء.

واقترحت شخصيات معروفة قبل يومين تشكيل مجلس السيادة من 7 مدنيين و3 عسكريين يضطلع بمهام غير تنفيذية يرأسه عبد الفتاح البرهان ومجلس آخر للأمن بأغلبية عسكرية وتمثيل مدني محدود يختص بشؤون الأمن والدفاع يتولى رئاسته البرهان أيضا.

وترى المعارضة أن يتولى المجلس المشترك مهام السيادة والأمن والدفاع دون سلطات تنفيذية فيما يتمسك العسكريون بالحصول على صلاحيات تنفيذية بدعوى الحفاظ على الأمن والاستقرار. واقترحت قوى إعلان الحرية والتغيير مجلسا سياديا مكونا من 8 مدنيين و7 عسكريين وهو ما رفضه المجلس العسكري واقترح بدلاً عنه مجلسا مشتركا من 7 عسكريين و3 مدنيين.

رفض الشيوعي
أعلن الحزب الشيوعي السوداني رفضه مقترحا دفعت به لجنة وساطة من شخصيات محايدة لتقريب الشقة بين قوى “إعلان الحرية والتغيير” والمجلس العسكري الانتقالي بشأن تكوين مؤسسات الحكم الانتقالي، وتمسك بأن يكون مجلس السيادة مدنيا بالكامل.

وأعلن بيان للحزب الشيوعي وهو أحد أبرز أحزاب تحالف “إعلان الحرية والتغيير”، صدر السبت، رفضه القاطع لأي تمثيل عسكري في المجلس السيادي المقترح. وأكد انعدام الحياد في الصراع الدائر حاليا بين الثورة والثورة المضادة وأن لا مصلحة لأي مواطن خارج هاتين الكتلتين.

وأردف: “عليه فإن المشروع الذي قدمته لجنة الوساطة يفتح الباب أمام الثورة المضادة في محاولة شرعنة سلطة المجلس العسكري والمحافظة على مصالحها وتمكينها، ويصب ذلك في مصلحة مشروع الهبوط الناعم، الذي رفضه الشعب السوداني برفض طريق التبعية والتدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية.”
واتهم البيان ما سماه بقوى الثورة المضادة بالسعي لإجهاض “ثورة ديسمبر” والمراهنة على الانقلاب العسكري ومنحه شرعية رغم أنه غير معترف به من الثوار ولا إقليميا ولا دوليا.

وأضاف: “مجمل القول أن المجلس العسكري الحالي غير شرعي، ويجب عليه تسليم السلطة لقوى الحرية والتغيير -مجلسها السيادي المدني، ومجلس الوزراء والهيئة التشريعية المدنية”.

وتابع: “وجود أيٍّ من أعضاء المجلس العسكري في المجلس السيادي يضفي عليه صفة الانقلاب العسكري غير المقبول من الشعب السوداني، وكذلك من الاتحاد الإفريقي مما يؤدي إلى تطبيق مجلس الأمن والسلم الإفريقي لقرار تعليق عضويته في الاتحاد الإفريقي، ومنع السودان من المشاركة في أي نشاط من أنشطة الاتحاد الإفريقي، وهذا ما ترنو إليه بعض قوى الثورة المضادة المدعومة ببعض الدول العربية من أجل عزل السودان إفريقيّاً”.

وأكد الشيوعي تمسكه فقط بما تم التوصل إليه مع الحلفاء في قوى إعلان الحرية والتغيير بالالتزام بالإعلان الدستوري وعدم رئاسة أي رتبة عسكرية لمجلس السيادة المدني ولا مشاركة أعضاء المجلس العسكري في المجلس السيادي.

كما أعلن رفضه إنشاء مجلس دفاع عسكري للأمن القومي خارج المؤسسة المدنية كأحد مستويات وهياكل السلطة القادمة، باعتبار أن المجلس هذا هيئة يكونها مجلس الوزراء وتتبع له ويحدد مهامها وفق احتياجات الوطن.

موقف الشيوعي الرافض لمشاركة العسكر في مجلس السيادة لا يعبر عن مجمل قوى الحرية والتغيير، إلا أن هذا التباين بحسب قوى الحرية والتغيير أمر طبيعي لتكوين التحالف المعقد.

منصة التأسيس
قوى إعلان الحرية والتغيير سعت لإعادة ترتيب الأوراق بتقديمها مسودة دستور انتقالي تعمل على تعديل مسار المفاوضات مع المجلس العسكري، بالتركيز على تقديم التصور الآن هيكلا تنظيميا للسلطة في السودان والكيفية التي يتم بها تقسيم الصلاحيات والسلطات المختلفة بدلا عن نسب التمثيل.

الخلاف بين المجلس العسكري وقوى الحرية قام في الأساس على اختلاف التقديرات؛ ففي الوقت الذي ترى فيه قوى الحرية أن إدارة الفترة الانتقالية يجب أن تقوم على ميزان حجم التأثير في فترة إنجاز الثورة، ووفقا لهذا التقدير فهي الأحق بإدارة المشهد بعد أن ظل إعلانها مفتوحا أمام الجميع حتى إسقاط النظام، ولم تتقدم بقية القوى للتوقيع فيما أتت مشاركة العسكر متأخرة مما يعطيه حق المشاركة الرمزية.

المجلس العسكري في مقابل ذلك يرغب في إدارة الفترة الانتقالية وفقا لميزان قائم على حجم وقوة التأثير معتمدا على ركيزتين: الأولى ترتبط بقوة الأجهزة النظامية وثانيها تمثيل الغائبين من المدنيين غير المنضوين لقوى الحرية للتفاوض نيابة عنهم.

أدى التصور الأخير لمخاطبة قضايا غير جوهرية بالنسبة للقوات المسلحة بعد أن سعى المجلس العسكري لأداء دور المحاور نيابة عن المغيبين، وبعد التصعيد الأخير بين الطرفين بات التفاوض أثر جدية بطرح الصلاحيات على حساب الأنصبة.

وأبدى المجلس العسكري قدرا من المرونة في التعامل مع قوى الحرية والتغيير باعتبارها تمثل شريكا في عملية التغيير وإعادة ترتيب الأوضاع فيما تكفل فريق الوساطة بتقريب وجهات النظر وتيسير المحادثات لا سيما فيما يلي تمثيل المدنيين عبر مجلس السيادة وآخر للامن.
المحلل محمد عبد الحميد يرى أن التطورات الأخيرة أعادت الأمور إلى نصابها، مشيرا إلى أن قوى الحرية أبدت تقدما في موقفها، إذ أكدت أن مؤسسات السلطة الانتقالية ستكون بمشاركة الحركات المسلحة، كما أنها أكدت أن المشاركة في إدارة الفترة الانتقالية تشمل كل القوى التي ساهمت في إسقاط النظام، ولا تنحصر في الموقعين على الإعلان.

المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي شمس الدين كباشي، اعتبر أن مقترح قوى الحرية والتغيير بإعادة النقاش حول الهياكل والصلاحيات أعاد الأمور إلى الطريق الصحيح على الرغم من التأخير اللازم المحادثات.
المخرج للجدل يبدو مرتبطا بمناقشة المصالح الجوهرية للقوات المسلحة بدلا عن الحديث عن مصالح الآخرين، وتركهم للتفاوض المباشر مع قوى الحرية للبحث عن ضمانات لمصالحهم الجوهرية، وهو ما يقود لمخرج ثالث عبر تشكيل مجلس أعلى للأمن والدفاع يغلب عليه التكوين العسكري ويشترك فيه المدنيون ويختص بمناقشة القضايا الجوهرية للقوات المسلحة والأجهزة النظامية، ومجلس سيادة يغلب عليه المدنيون بمشاركة عسكرية يختص بمناقشة المصالح الجوهرية للمدنيين.

إعلان معظم قوى الحرية والتغيير عدم المشاركة في المناصب التنفيذية في الفترة الانتقالية أعطى بعض التطمينات للأحزاب من خارج قوى الحرية والتغيير، التي أكدت مؤخرا أن المشاركة في الجهاز التشريعي ستكون للقوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير والتي لم توقع دون إقصاء لأحد، بناءً على موقف أيدولوجي، ولكن وفقا للموقف من النظام السابق ودعم عملية الانتقال من نظام شمولي لنظام تعددي.
خلاصة القول: تبدو مؤشرات حدوث توافق بين المجلس العسكري وقوى الحرية أكبر من أي وقت مضى لا سيما في القضايا الجوهرية، فيما تبدو وثيقة “الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية” بحاجة لمزيد من النقاش والأفكار لتطويرها وتحقيق أكبر قدر من التوافق السياسي لإدارة الفترة الانتقالية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.