محاولة لقراءة المشهد

أقاصي الدنيا || محمد محمد خير

شارك الخبر

توقفت عن الكتابة لأسبوعين حتى يتيسر لي الإلمام الدقيق بكل تفاصيل هذا المشهد، لأكون على مستوى هذا الحدث، بمنح كتابتي القدرة على الإضافة، وليس التجول حول الحدث دون الإمساك بالرسن.
لكي يكون الكاتب مضيفا لا بد له من تحديد مراكز القوى المعلنة والخفية التي ترسم المشهد، والواضح أن المراكز المعلنة هي الشعب وقواه السياسية في مواجهة سلطة المؤتمر الوطني السياسية، وقوة دفع الحركة الإسلامية في جوهرها الايديلوجي. أما المراكز الخفية فهي على التوالي المخابرات المركزية الأمريكية وأذرع الاتحاد الأوروبي ومخابرات دول المحور الإماراتي السعودي، ودور مصر المزدوج، إضافة للعنصر العسكري الحاسم الذي تشكل رأيه العام منذ عشية 22 فبراير حين طرح الرئيس الأسبق حلولا لا تنسجم مع عمق الأزمة من خلال إرهاصه بالتمسك بالرئاسة.
في تقديري أن قطاعا واسعا داخل اللجنة الأمنية، بكل مكوناتها العسكرية توصل إلى أن مجموعة من المطلوبات المُلحّة لن تتحقق في وجود الرئيس الأسبق منها تحقيق السلام وإيقاف الحروب ورفع اسم السودان من لائحة الأرهاب وتعافي الجنيه السوداني، وتحديد موقف واضح من الأزمة الخليجية. هذا هو التناقض الحيوي الذي ترسخ بعد خطاب البشير وتكوينه لحكومة محاصصة سياسية باسم الكفاءات .
كان لا بد للجنة الأمنية أن تتواطأ سرا مع الشعب وصولا للأهداف الاستراتيجية التي بات عصيا أن تتحقق على يد البشير، والتي تلقي ظلا سالبا على الأجهزة العسكرية لأنها هي التي سيقع على عاتقها التصدي لها، وهي ليست على استعداد لذلك، لذا اتجهت لعزله كرها على قاعدة (المال تلتو ولا كتلتو).
تحرك القوات النظامية لعزل البشير فيه مصلحة كبرى لها، وأول تلك المصالح انحيازها للشعب من جهة وتأمين وجودها المستقبلي وفرصتها في تحقيق سلام مع الحركات المسلحة دون وساطة أممية، وإنجاز البرنامج المشترك مع دول الاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة دون كوابح من الرئيس السابق. وعلى الصعيد الاستخباري الاستمرار مع أمريكا في مكافحة الإرهاب بسلاسة. وما يجدر ذكره هنا أن هذا الملف المهم يتطلب ضباط مخابرات إسلاميين في المقام الأول، لهم دراية بالتنظيمات الإسلامية وشفرتها السرية، وهذا ما يؤكد أن المخابرات المركزية الأمريكية، لم تكن بعيدة عن ما قامت به اللجنة الأمنية، إن لم نقل إنها قدمت بعض الخطط الفنية للوصول لهذه النهاية.
ربما ينهض السؤال المهم: كيف ينقلب جيش مؤدلج على الأيدولوجيا نفسها؟ وقبل الإجابة يحضرني بيت شعر عميق يقول :
سأقاتل الحجاج في سلطانه
بيد تقر بأنها مولاته
تعارضت رؤية الرئيس مع رؤية الأجهزة العسكرية المتاح لها التواصل مع الأجهزة النظيرة، وضاعت الأيدولوجيا بينهما، فالأجهزة لاذت بالبراغماتية، فيما استعصم الرئيس بشهوة الأيدولوجيا.
لا أريد الخوض في التسهيلات الكبرى، التي قدمها العسكريون للاعتصام، لأن ذلك ربما يقود إلى أن فكرة الاعتصام نفسها قدمها العسكريون أنفسهم، وعملوا على حماية الاعتصام حتى (تموا الشغل) .
حقق العسكريون عدة أهداف من أهدافهم المركزية، أولها التخلص من مركزية الرئيس وتجسير علاقات جديدة على صعيد المحافطة على كل الأجهزة وغسلها، تمهيدا لدورها الخارجي لكن التحدي الأكبر أن الثورة الحقيقية بدأت بعد عزل الرئيس!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.