اقاصي الدنيا|| محمد محمد خير

قراءة للمشهد3 حميدتي

شارك الخبر

قبل ثلاثة أعوام كنت أحادث أحد الأمريكيين المهتمين بملف السودان بحضور الدكتور عبد الله حمدوك بمقهى فندق راديسون بأديس، في إحدى جولات التفاوض الفاشلة. قال ذلك الأمريكي إن الولايات المتحدة لا ترغب في تغيير عنيف في السودان، ولا ترغب أيضا في أن يتحول الإسلاميون إلى معارضين للنظام الذي سيطيح بهم، عندها سألته: ماذا سيكون موقف حميدتي؟ لم يُجبني لكنه ابتسم ابتسامة واسعة حتى بانت سن ذهبية أسفل فكه، وكانت تلك أول مرة أرى فيها ذلك المعدن النفيس في فم أنجلو ساكسوني.
ها هو ترتيب ذلك الأمريكي يتحقّق، فالإسلاميون الآن وراء المشهد، لكنهم ليسوا في مخيم المعارضة، وحميدتي في صف الثورة.
هو الظاهرة السياسية الجديرة بالتأمل والتوقف عندها طويلا، لما ينطوي عليه من نوابض واستطاعات أشبه بالمعجزة، فهو الآن قوة عسكرية واقتصادية، صعدت لسدة القرار المركزي من الصحراء بالرجولة والدهاء، ولا يُنكر أحدٌ أنه من الهامش، وهو من يتطلع الاتحاد الأوروبي لشراكته الفاعلة في ملف الهجرة غير الشرعية، وهو المدعوم إماراتيا، والمرضي عنه من خادم الحرمين بوصفه العربي المنافح عن أراضي الرسالة، في وجه التغول الشيعي في مظهره الحوثي.
لم تحظَ أيُّ فاعلية سياسية في السودان من قبْل بمثل ما تساقط رطبا جنيا على حميدتي .
إذن، ما سيُقدِّم حميدتي من إسهام عملي يخترق هدا التوازن الحرج الذي ران بعد 11 أبريل؟
كمهتم بدارفور، لم يقتصر اهتمامي بالأزمة السياسية فقط، بل امتد للسيسيولوجيا من جوفها القبلي والاجتماعي وخصائص المجموعات السكانية والانتماءات المذهبية والسياسية على وجه التحديد. وأكاد أجزم بأن عرب دارفور البالغ عددهم ما يقارب الثلاثة ملايين، ليس من بينهم أكثر من خمسين أخٍ مُسلمٍ تربَّى في أسر الإخوان المسلمين، واستهدى بتعاليم البنّا منذ خمسينيات القرن الماضي حتى الآن؛ لذا أتوقَّع أن يفي حميدتي بوعده الذي أطلقه الأسبوع الماضي، بأنه سيُعيد كُلَّ الثروات المنهوبة وبالقانون، كما أن تحالفه الخارجي يفرض هذا الدأب .
على الصعيد الأهم، وهو السلام في دارفور، أتوقَّع أن تتغيَّر ميكانيزمات هذا الملف لتصبح حواراً دارفورياً دارفورياً، وسيكون حميدتي مركز هذا الحوار، باعتباره المركز ودارفور في آن معاً، وأتوقَّع أن يجد مُساندةً كبيرةً من الحركات التي وقَّعت وثيقة الدوحة، كما أجزم مُقدَّماً أن مني أركو مناوي سيكون ساعده الأيمن؛ غير أنني أتوقَّع أن تنحو العدل والمساواة منحىً مغايرا، وربما تطالب بإعادة منبر الدوحة .
وعلى ذات الصعيد، أتوقَّع أن يستعصم عبد الواحد محمد نور في ذات موقعه الرافض لكُلِّ مائدةٍ من السماء. غير أن هذا الموقف قد يتغيَّر بتغيُّر دعم المنظمات للنازحين الذين يدينون بولاء خاص له، وأتوقَّع منه أيضا موقعا مناهضا للعدل والمساواة إذا اختارت الاستمرار في الحرب، وهذا ربما يقربه للسلام، لكن من موقع رؤية أخرى سيطرحها لاحقا في ضوء اكتمال تفاصيل المشهد.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.