محمود حسن سوار الدهب

بدون ألوان وزخرفة (1)

شارك الخبر

نمسك بالقلم الذي ينابيعه الفكر، وساداته العقول الموسوعية الملهمة، ونطلق له العنان ما شاء الله له، رغم علمنا أنّ القلم كالماء يُمكن حبسه بإحاطته بالتراب والبناء بالحجر أو تغيير مَجراه أو حفظه داخل أحواض وسُدُود وحفائر وبطون الأودية، أما لجم القلم فهو نوعٌ من السَّراب والاستحالة، والقلم يستنهض ذاكرة التاريخ الوضئ ويُسيطر ثنايا الحاضر وينبِّه الشعوب والأمم لعدم الانزلاق في المَخَاطر والمُخَطّطَات العُدوانية التي ينسجها حوله أعداء الإنسانية والفطرة باختلاف تَخَصُّصاتهم الإجرامية، ويُعينهم في هذا المَنْحَى إبليس اللعين وشياطينه من الإنس، إنّ أكثر ما يكرهه الطُغاة ويخافون منه القلم وحُرية حامليهٌ ونقصد هنا حينما يمسك بالقلم أحد أربابه من الواثقين بعظمة الوطن وإنسانه، مُستمداً قُوته من مُعاناة أهله وأنفاسهم وقُوة البيئة والإنشاء والتنشئة وليس من الأقلام المُنافقة المُدجنة الموجودة في المَزاد العلني، العَاملة ضمن عُمّال بلاط الطُغاة المُستبدين. لا نُريد أن نكتب عن السُّلطة من المنظار الدستوري والتّشريعي والقانوني وما فيها من أركان الدولة ومُؤسّساتها والاختصاصات المُحَدّدة المُوزّعة بمُقتضى الدستور، وإذا نظرنا بعُمقٍ مَعرفي وشفافية.. وعلمياً أيضاً نجد أنّ بلدان العالم الثالث كلها، ونخص البلدان العربية بالتحديد لها دساتير قد تتفوّق على كَثيرٍ من الدُّول الغربية في تميُّز فصل السُّلطات والعدالة والحريات والتفتيت ومن ضمنها التّداوّل السَّلمي للسُّلطة، ودساتيرهم هذه كُتبت لتحفظ في رفوف الجهات الرسمية وللعرض الخارجي وهي عبارة عن تغطيات تمويهية وتلوين وزخرفة سياسية لإخفاء الأهداف الحقيقية الغاتمة القائمة، وفي كل الدول العربية وبقية دول العالم الثالث، خُبراء مُختصون باللعب بالدستور كيف ما هو مطلوب من السُّلطات العليا المُتحكِّمة وليس من رُوح الشعب، خُبراء الدساتير يقلبون المواد ويُفسِّرون ويطوِّعون قواها الصلبة لتصبح لقمة سهلة الابتلاع، ويُروِّضون الدستور كما تُروّض الخُيول البرية الجانحة، وتنزع أسنان الدستور في حالات كثيرة ويُحوِّلون التمساح (ورل)، ويزعمون أنّهم يُراعون المصالح العامة، ويرمون مُعارضيهم بأنّهم يبحثون عن مصالح خاصّة، ويخصون أنفسهم بحق الدفاع عن الوطن والقومية ومكاسب الشعب و… و… و.. إنهم كاذبون، إنّنا نعيش في عُصُور الظلمة وعلى رؤوسنا الباطشون، الطُغاة، البُغاة، البعيدون عن الفطرة الإنسانية وبعضهم ثعالب بشرية وأسوأهم المُتنكِّرون بأثواب الدين تمويهاً وتغطيةً لنفوسهم المريضة المُفترسة المُتوحِّشة، لا يُريدون أن يروا أمام أعينهم أو أسماعهم رجلاً وطنياً صادقاً أو حاملاً قلماً مُعبِّراً يُسطِّر بحُرية، أو مُواطناً يرفع مظلمة حق يُريد الطُغاة تجاوُزها، يكون الرَّد على هؤلاء بإذلالٍ ووحشيةٍ وهدر كرامتهم، وقد يختفي هؤلاء نهائياً وتبتلعهم مدافن سرية تحتفظ بها الأنظمة ذات الوجه القبيح، إرهاباً ونفياً وتَشريداً ويقولون نحن مُصلحون، إننا أهل الأمن في البلاد ولولانا وبطشنا وقُوتنا وتعذيبنا للمُعارضين، لأصبح الناس في ضلالٍ وغير مُطيعين لولي الأمر حاكم البلاد الذي أمر الله بطاعته، هكذا يُفكِّرون بعُقُولهم الخاوية المَريضة المُستبيحة للإنسانية والكرامة وعِزّة النفوس عالية الهِمّة الأبيّة، نسأل الله تعالى أن تنزل عليهم لعنته وغضبه، وأن يُحاسبهم في الدنيا قبل الآخرة، وأن يكشف كيدهم، ويرفع عنهم غطاء رحمته، ويُسلِّط عليهم من خلقه من لا يرحمهم، فرعون قال لقومه أنا ربكم الأعلى وهي قمة الطغيان البشري، والموجودون من الطغاة الآن أغلبهم من نسل فرعون ومن نسيجٍ واحدٍ، يُريدون أن ترى شُعُوبهم ما يرون، ويسمعون ويطيعون فقط ما يقولون، لا تداوُل للسُّلطة حتى عند العجز أو الخرف أو عدم التّمكُّن من أداء وظيفة الحكم بالصُّورة المطلوبة، إنّها دساتير فرعون التي تنص على أن تنصرف السلطة حين وفاته لهامان أو فرعون آخر من عبدته، وبعد مدة قصيرة يتحوّل لفرعون مكتمل الأركان.
تداوُل السُّلطة بالديمقراطية مَهزلة في دُول العالم الثالث، خَاصّةً عندما يكون الحاكم طاغيةً، فهي مسرحية مُتداولة سيئة الإخراج تبدأ بتشكيل لجنة الانتخابات تتبعها المُخَصّصَات والإكراميات والهبات وتلميع أسماء بعض البروفات والدكاترة مُدّعِي الثقافة والعلم من غير علم، ودعوة مندوبين من الأمم المُتّحدة وكل المَحَافل الدوليّة ويتم الاختيار من هذه المُنظّمات وأشهرها معهد كارتر اللين المتجاوب بحذرٍ شديدٍ ورقابة حذرة، ليُشكِّل مشهداً دولياً إعلامياً لأحدث لقطة للمسرحية، وصرفاً بذخياً في كل الاتّجاهات لإفساح المجال للإعلام المُوجّه المُسيطر عليه تماماً لتصوير صُفُوف الجماهير التي تُصوّر في سُهولةٍ ويُسرٍ في ديمقراطيةٍ شفّافةٍ، وصناديق الاقتراع محروسة وحولها لجان مُراقبة ومُتابعة، وتدخل المخازن للتجميع لتخرج للفرز أمام الجميع لعدّ الأصوات لكل مُرشح، وهم لا يعلمون أنّ القوة الخفية التي لا ترى بالعين قد انتهت من مُهمّتها السحرية الناعمة المُقدّسة كما يدّعون في مرحلة ما، وينتظر المُزوِّرون الإعلان عن النتائج مع الجميع بعد أن ذَهَبَ تصويت الشعب مع الريح هباءً منثوراً، وهذا ما يَحدث في استعمال الديمقراطية في أغلب دول العالم الثالث وقد لا يَهتمون بانتخاب البلديات والمجالس التّشريعية الصغيرة، وما نعنيه هنا الانتخابات الرئاسية. ونضيف إضَافَةً جَديدةً لهذا المقال القديم وعمره عقد من الزمن لم يجد سبيلاً للنشر إلا بعد أن قدّم الشهداء أرواحهم الذكية الطاهرة وفسحوا لنا لنكتب، نعم لم تمهل الثورة طاغية السودان للوصول إلى انتخابات 2020 التي كان سيفوز بها فوزاً ساحقاً وقد حضر لها كل المُعينات والأموال الضخمة والمُزوِّرين المهرة وأتباعه الخونة والمُخرجين للنتيجة حسب المطلوب، ولكن الله قدر بقدره وما شاء فعل، تحية إجلال لشباب الثورة والشهداء والجرحى الذين قطعوا الطريق أمام الطاغية وزُمرته الفاسدة وجميعهم لصُوصٌ خونة لا يعرفون الله ولا الوطنية، وسيكتب التاريخ لقد حكم السودان علي بابا والأربعون حرامياً ثلاثين عاماً، إن السُّلطة في جميع المُجتمعات الإنسانية وحتى في الغابات عند التّجمُّعات الحيوانية تُعطي الذين يملكونها منافع وامتيازات، والسِّياسة في مُعظمها تقوم على الزيف والكذب، لذلك حول السُّلطة تدور معارك حامية خاصة في المجتمعات الفقيرة الفاقدة للتنمية، قليلة الخيرات التي لا تُلبِّي حاجة ومطالب المُواطن الأساسية التي تُحافظ على كرامته التي تبقيه على قيد الحياة، في هذا النَّوع من البلاد تجد السُّلطة أنّه يجب أن تتمكّن من مقاليد الدولة بالقوة والفساد للظفر بأموالها لمصالحهم الشخصية وضرب الآخرين المُنادين بالمساواة والحرية والسلام والعدالة الاجتماعية بيدٍ من حديدٍ وبالبطش والظلم وهكذا يفعلون، ومن الغباء الاعتقاد بأنّ أيّة طاغية قابض على السُّلطة يمكن أن يتداولها مع غيره مهما كان، إلا في حالة الثورة العارمة (السنامي) وانصرف جنده عنه، حينها يتحوّل من أَسدٍ إلى أَرنب ويُمسك بِه ويُوضع في القَفص، وتُنزع السُّلطة وتقتلع أركانها ويتم الإمساك بالزُّمرة الفاسدة ويرمون في مزبلة التاريخ. إنّ الطغاة ليسوا آدميين، لذلك إذا تمّ رميهم في البحار لتنهش الأسماك والحيوانات البحرية أجسادهم النجسة يكون أفضل، السَّفاحُون قَتَلَة أبناء بلادنا حرامٌ أن يدفنوا في أرض السودان الطَاهرة. وفي صدر الإسلام قاتل سيدنا عمر في المسجد، جرّه المسلمون خارج المسجد وقطعوا رأسه.. والحدود قصاص وكذا قاتل سيدنا علي كرم الله وجهه الذي طعنه بالسيف وهو خارج من المسجد فقد تجمع عليه المسلمون وقتلوه في حينه.
وهذا الطاغية أمر بقتل المتظاهرين بالرصاص الحي، ومن الغباء من يعتقد أنّ هذا القتل وسفك دماء عشرات من أبناء بلادنا كان تصرُّفاً شخصياً، إنّها الأوامر ويُمكن القبض على هؤلاء الأدوات المُنفِّذة وإيداعهم السجون بالمُؤبّد، والقصاص وحق الدماء يُؤخذ من الطاغية وزمرته الآمرة النافذة المُجرمة. ونكرِّر ونعني ما نكتب عن علمٍ ودرايةٍ بالقانون والعدالة والجريمة والعقاب وحدود الله وشرعه، ولا يخرب العدل ويؤذيه إلا السياسة وتدخُّلاتها والقاتل يُقتل ولو بعد حين، ودماء الشهداء معقلة على أعناق كل مسلم صادق يخاف الله في هذا البلد الطيِّب أهله، ولأسبابٍ موضوعيةٍ وشكليةٍ ليس هذا المقال مكانها، نكرر أن محاكمة الطاغية تكون أنسب عن طريق محاكم ثورية تشكل من أعضاء النقابات الكبيرة بعضو لكل منها وأعضاء من قوى الثورة ووجود قاضٍ من المعاشيين مِمّن يشهد له بالكفاءة والخبرة أو تُشكّل من عمداء كليات القانون في الجامعات السودانية، أو من زُعماء العشائر والقبائل المعروفين ببلادنا في اتّجاهات بلادنا الأربعة ويُضاف إليهم بعض القُضاة وعدد من الثوار من الشباب لتكون للمحاكمة قوة جماعية ثورية وتصبح آية للطغاة وتاريخاً يسجله أبناء بلادنا للعالم والحضارة الإنسانية.. وهي محاكم لحالاتٍ خاصّةٍ في مثل هذا النوع من الجرائم التي لم تَشهد بلادنا بمثلها، وحتى المشرع الذي وضع الدستور والقوانين لم يفرد نُصُوصاً واضحة بصددها تحديداً، وتكون أحكام المحاكم الثورية فورية التنفيذ ثمّ تنفض وتنتهي مُهمّتها، وليس في هذا إخلالٌ أو نقصٌ لسُلطة القضاء واستقلاليته واختصاصاته وصلاحياته، فنحن نحترمه ونقدِّر دوره المُتعاظم لفُرض العدالة على ربوع بلادنا، إنّها حالة ينظر إليها من خلال المنظار العدلي المُتجرِّد عندما تَتَداخَل وتَتَشَابك السِّياسة مع العَدل لفك الارتباط بينهما وإقامة الإجراءات الجزائية في استقلالية تامّة وبغير ضُغُوطٍ تمّت مُمارستها ثلاثين عاماً وكانت الضغوط مُؤثِّرة على نزاهة العدالة في كثيرٍ من القضايا، حالات قد تمر مرةً واحدةً خلال قرنٍ تقتضي اللجوء الى المحاكم الثورية، والشفافية أن تكون هذه المُحاكمات علنيةً، وأن تُوجِّه ورقة الاتّهام للمدعى عليهم والإجابة على سؤال المحكمة الثورية سؤال واحد مذنب أو غير مذنب، ثم التداوُل بين أعضاء المحكمة الثورية وإصدار الحكم للتنفيذ فوراً بدون تأخيرٍ هذا ما يخص الطاغية وزمرته اللصيقة. أما بقية الفاسدين المُتّهمين يُمكن إحالتهم للقضاء العادل. إنّ قتل المُتظاهرين بالرصاص الحي هو أول جريمة في ورقة الاتّهام تُوجّه للطاغية وزُمرته، لا نُوافق على إحالته لمحكمة لاهاي، علماً بأنّ محكمة لاهاي لا تحكم بالإعدام، كما أنّ بلادنا مُختصة بمُحاكمة الطاغية وزُمرته. إن الله لا يحب المعتدين وإزهاق أرواح غير مذنبة مطالبة بالحرية والحياة الكريمة.
اللهم أنزل على بلادنا السكينة من مكامن لطفك، وأهدنا لنورك، وكرمك، يا عالماً بالسرائر والخفايا ومدركاً للبواطن والخبايا، نسألك أن يحكم بلادنا ويقودها من يخاف الله فينا ويصلح، ونسأله تعالى أن يحفظ أمة الإسلام وبلادنا وأن يُجنِّبهم أيِّ مكروهٍ ببركة هذا الشهر الكريم والحمد لله رب العالمين.
ونتابع،،،

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.