مصاعب الفترة الانتقالية.. تحليل ومُقترحات

بقلم: عمار كارا

شارك الخبر

لا شكّ أن المشهد الحالي الذي يشهد تَعثُّراً في تكوين مُؤسّسات وهياكل الحكم الانتقالي من بطءٍ وارتباكٍ بالرغم من سلبيته، إلا أنّها حالة يُمكن تبريرها وإيجاد أسبابٍ موضوعيةٍ لها، بالرّغم من التّحديات المَاثلة والوَضع الحَرج الذي يُهَدِّد بزوال بعض أو كل مُكتسبات ثورة ديسمبر، إلا أنّ الأمر لا علاقة له بضعف الحس الوطني أو التّهافُت على مُكتسبات السُّلطة، بل هو صراعٌ برامجيٌّ وفكريٌّ واختلافٌ حقيقيٌّ في النظرة إلى كيفية إدارة البلاد في المرحلة المُقبلة، وحتى الانحرافات التي تظهر على السطح إنما هي ظواهر هامشية ويجب ألا تصرفنا عن جوهر التناقُضات الحَقيقيّة بين مُكوِّنات السَّاحة السِّياسيَّة، وهي تناقُضات موجودة بالفعل ومُؤثِّرة.
بالإمكان إحصاء عدد من الأسباب لذلك:-
(أ) ما يتعلّق بقوى إعلان الحرية والتغيير:
1- البطء والارتباك الذي يُصاحب عملية اتّخاذ القرار في تَحالُف إعلان الحرية والتغيير ناتجٌ من اشتمال التّحالُف على مُكوِّنات ذات مصالح فكرية واجتماعية وسياسية متباينة، من الطبيعي ومن السّهل أن يُوحِّد بينها الرغبة في إسقاط النظام كعدو مُشتركٍ، والاختلاف في الرؤى المُستقبلية، وهذا ربما بشكلٍ ما قريب من حالة جنوب السودان، حيث كان النظام السابق عاملاً مُوحّداً للجنوب كعدو، وحين زال ذلك العدو انفرط عقد الوحدة، لذلك يلجأ عدد من الكيانات والدول أحياناً لخلق عدو حتى لو كان وهمياً للحفاظ على الكيان أو الوحدة الوطنية.
2- ضعف القوى السياسية والنقابية والاجتماعية في السودان كنتيجةٍ طبيعيةٍ لسياسات النظام السابق من استهدافٍ وتفتيتٍ وتنكيلٍ أمني، أدّى ذلك إلى إعاقة الإصلاح الداخلي وتَعاقُب الأجيال والتّطوُّر الطبيعي لها مِمّا جعل العديد منها كيانات مُحتقنة وقليلة الكفاءة.
3- ضعف البنية التّنظيميّة لتحالُف الحُرية والتّغيير في الجانب الرأسي والقيادي وهذا يعود لطبيعة التّحالُف نفسه الذي يتكوّن في وحداته الأصغر من تحالفات صغيرة، كما أنّ القُوى المُشكّلة نفسها كثيرة العدد، أنا أعتقد أنّ تحالُفاً كهذا يصعب عليه جداً تكوين هياكل قيادية فَعّالة ذات تأثير حقيقي على المُكوِّنات القاعدية في وقتٍ وجيزٍ وأثناء عملية تفاوُض مُعقّدة.
(ب) وجود قُوى سياسيّة واجتماعية مُؤثِّرة خارج إعلان الحرية والتغيير بطريقةٍ لا يُمكن تجاهلها، لها هامشٌ واسعٌ للمُناورة وتتيح للمجلس العسكري كذلك فُرصة للمُناورة وهي:
– الجماعات المُسلّحة مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان وحركة تحرير السودان.
– الجماعات التي تَحَالَفت مع المُؤتمر الوطني باتّفاقات سَلام مثل جبهة الشّرق وبعض حركات دارفور.
– الجماعات السلفية.
– الجماعات التي انشقت من المؤتمر الوطني أو من التّحَالُف معه مثل الإصلاح الآن وبعض أحزاب الأمة.
(ج) الإرث التاريخي في تَجَارُب الانتفاضات السُّودانية السَّابقة جعل القوات المُسلّحة السُّودانية تعتبر نفسها صاحبة حقٍ أصيلٍ في إدارة الفترة الانتقالية، بالرغم من أنّ القُوى الأخرى تستنتج رأياً مُخالفاً من هذا الإرث التاريخي، وتعتبره من أسباب انتكاس الحكم الديمقراطي في مراحل لاحقة.
(د) العامل الخارجي عبر تدخُّل المحاور الإقليمية ودول الجوار في تحديد مُستقبل السودان هو عاملٌ مُهمٌ وموجودٌ ولا يمكن إنكاره، ويجب التّعامُل معه كأمرٍ واقعٍ ومُؤثِّرٍ للعمل على تَجنيب البلاد تَدخُّلات ضَارّة أسهمت في إشعال حُرُوبٍ وتدمير مُؤسّسات الدولة في بعض الدول.
(هـ) المُقاربة المَطروحة للانتقال للحكم المدني الانتقالي عبر تكوين ثلاثة مُستويات للحكم تبدو إطاراً نظرياً عادلاً، لكن الوصول إليه فعلاً يحتاج إلى زمنٍ طويلٍ من المُفاوضات والمُماحكات والمُناورات، فَلو استسهلنا مسألة تَكوين المَجلس السِّيادي ومَجلس الوزراء بعد وضع معايير واضحة لذلك وإعلان العديد من القُوى السِّياسيَّة عُزوفها عن التّمثيل في المَجلسيْن، حيث يتكوّن الأول من شخصيات قومية، والثاني من كفاءات مُستقلة.. إلا أنّ الأمر في جانبٍ منه ليس إيجابياً تماماً لأنّه في مرحلة ما ستكون هناك كلفة سياسية لإعادة هيكلة الدولة والإصلاح الاقتصادي وتنمية الهامش، وربما فشل حكومة الكفاءات نفسها.. تبدو لي فكرة غير واقعية أن يقوم مُوظّفون تكنوقراط، أو سَمِّهم وزراء بإدارة الدولة، بينما تَقُوم القُوى السِّياسيَّة ببناء هياكلها وتطوير ذواتها والإشراف عليهم عبر المجلس التشريعي.
فكرة قيام المجلس التّشريعي الانتقالي عبر (التّوافُق) بين مُكوِّنات إعلان الحرية والتغيير وباقي المُكوِّنات المُؤثِّرة على المشهد السياسي، تبدو لي كمُهمة مُستحيلة بلا مرجعيات انتخابية نفتقدها لأنّ آخر انتخابات حُرّة كانت قبل أكثر من ثلاثين عاماً وهِي قَد لا تَصلح كمعيارٍ للتّمثيل في المَجلس التّشريعي التّوافُقي.
هَذا المَجلس يَنبغي أن يكون بالمُواصفَـات التّالية:
1- تمثيل عادل لأقاليم السُّودان يُمكن اعتبار التِّعداد السُّكّاني مرجعية، لكن سَيُواجه أيضاً بمعارك صغيرة داخل الإقليم الواحد، قبليةً ومناطقية.
2- تمثيلٌ مُنصفٌ للمرأة، وهذا يُمكن أن يحدث داخل المُكوِّنات.
3- تمثيل القوى السِّياسيَّة والأحزاب المُختلفة والحركات المُسلّحة.
4- تمثيل عادل للقوى الشبابية التي قادت الحراك الأخير عبر تجمُّع المهنيين ومُنظّمات المُجتمع المدني.
المُقدِّمات التي تَسُود السَّاحة الآن تقول إنّ التّوافُق على مَجلس تَشريعي انتقالي تَبدو مُهمّة مُستحيلة.
المُشكل الثاني في مُقاربة تشكيل مُؤسّسات الحكم الانتقالي الحالية هو طريقة المُفاوضات الحالية مع المجلس العسكري، حيث إنّ هذه المُفاوضات لا تتّخذ شكل المُفاوضات الجادّة الحقيقية، بل تبدو كأنّها محفل علاقات عامّة، كل طرف يُحاول إحراز انتصار على الخصم أمام الجمهور أو في أجهزة الإعلام.. المُفاوضات الجادة تكون بوفود ذات تفويض وقُدرة على المُساومة والتنازُلات الحقيقيّة وبعيداً عن التأثير المُباشر للميديا والجمهور حتى الوصول الى اتفاقٍ.. ما يحدث الآن من عروضٍ تلفزيونيةٍ وتعبويةٍ لن يقود إلى اتّفاقٍ.
يُمكن أن تؤدي ظروف وأحداث إلى فرض رؤية أحد الطرفين أو الاتفاق عبر لجنة وساطة ذات كفاءة ووزن.
للخروج من الوضع الحالي اقترح الآتي:-
– تقسيم الفترة الانتقالية إلى فترتين.
– تكوين مجلس انتقالي رئاسي مُناصفة بين المجلس العسكري ومُمثلين لإعلان الحرية والتغيير ويحوز السُّلطة التشريعية.
– تكوين مجلس الوزراء المَدني فوراً.
وذلك لتجنُّب الفراغ السِّياسي وحتى لا تَكون الأزمات النّاتجة عنه مَصدراً للتّهديد الأمني والاستغلال واختباراً حَقيقيّاً لجدية المجلس العسكري في التّوافُق.
تكون مدة هذه الهياكل ستة أشهر كحد أقصى، ويعمل على تصفية فلول النظام السابق وإدارة الدولة والدعوة لمؤتمرعاجلٍ لكل القوى السياسية والحركات المُسلّحة بمُشاركة دولية ينتهي إلى تشكيل هياكل السُّلطة الانتقالية وبدء المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.