أقاصي الدنيا || محمد محمد خير

ماذا إذا؟

شارك الخبر

مر الآن شهر كامل على انتصار الثورة السودانية غير أن هذا الانتصار يقابله خوف وتظلله الريبة وتحيط به الظنون المرعبة من كل اتجاهاته.
قبل أن أطرح فرضيتي المدمرة دعونا نتفق على الحقائق التي ترسبت في قاع الماعون الكبير خلال هذا الشهر تلك الحقائق الكبرى التي تسندها الوقائع وتجليها المواقف.
هناك ثورة شعبية حقيقية قوامها الأساس قوى الشباب الذي خرج من قطرات دم الإنقاذ واتحاد مهنيين لم ينفذ عصياناً مدنياً لأن جهاز الدولة ليس في طاعته لكنه حل محل الأحزاب السياسية في التحريض للثورة فأصبح كياناً نقابياً وسياسياً في آن معاً وبات عصياً على القوى السياسية تجاوز خياراته ويطرح هذا الكيان برنامجاً سياسياً يقوم علي تقليص سيادة الجيش وفترة انتقالية طويلة وإبعاد كل فاعلية سياسية شاركت في حكم الإنقاذ دون الإشارة إلى من شاركوا ضمن حكومة نيفاشا.
في الضفة الأخرى تقف القوات النظامية التي توحدت رؤيتها في الإطاحة بالبشير الذي أصبح بتمسكه بالسلطة كابحاً حتى لتطلعات هذه الأجهزة فالتقت مع الثوار في ضرورة تنحيته وفعلت ذلك بسلاسة ونجاح لكنني أتصور أن المشهد الذي يبدو الآن لم يكن مكتوباً في السيناريو الذي نفذت على أساسه التغيير لكن المجلس العسكري ليس بعيداً عن دوائر التأثير الخارجي إن لم يكن في لججها وليس من المستبعد أن يكون تحركه للإطاحة بالبشير تم بتنسيق عالٍ مع تلك الدوائر فيما لا تتوافر للقوى المدنية هذه الخاصية.
المجلس العسكري وضمن تكتيكاته المتقنة اعترف بقوى الحرية والتغيير لكن الأخيرة لم تعترف به فأصبح الأمر مثل علاقة المسيحية والإسلام فالإسلام يعترف بالمسيحية لكنها تنكره.
من ضفة أخرى انسحب المؤتمر الوطني من المشهد واختفى في فلوات غير معلومة يراقب بعينين مثل عيني (ميدوزا) تلك الساحرة الإغريقية التي ما إن نظرت إلى شيء حتى تحول لحجر وفي تقديري أن قسماً واسعاً من الإسلاميين أنفسهم يشاركون قوى الثورة والجيش ضرورة تنحية البشير طوعاً أو كرهاً لكنهم لايسمحون المساس بجوهر المكتسبات التي حققوها .
على الضفاف الأخرى الحركات المسلحة التي لم تنجح قوى الحرية والتغيير التعبير عنها إما لعجزها عن طبيعة هذه الحركات والسبل المحبذة لها في التوصل إلى سلام فهي لا تريد سلاماً مجانياً باسم استعادة الديمقراطية والحريات العامة لأن هذه الشعارات ليست عريقة في ذهنها ولم يرتبط قتالها أبداً بهذه الشعارات بل ارتبط بمطالب أخرى ليس الحكم الديمقراطي الرشيد من بينها.
أعود لفرضيتي المدمرة ماذا لو استجاب المجلس العسكري للمطالب المطروحة وعاد الفريق البرهان وأعضاء المجلس لثكناتهم وأمر حميدتي قواته بالعودة لصحاري دارفور وتبدلت مهامهم من بسط الأمن إلى البحث عن الماء والكلا وتسنمت قوى الحرية والتغيير مهام السلطة لأربع سنوات وهنا استيقظ الإسلاميون على الخطر الداهم فاستنفروا جهاز الدولة للعصيان المدني فتوقف دولاب العمل وتحركت المجموعات الإسلامية المقاتلة بالسلاح المخبوء وساندها فقط من الجيش مجموعات العسكريين الذين تم استيعابهم من قوات أبوقردة ودبجو وأبو القاسم إمام والإرادة الحرة وأب جيبين وهشام نورين وقوات حيدر جالوكما وتلك على حسب علمي تتجاوز الأربعة آلاف فيما اختار الجيش النظامي الحياد وانقطع حميدتي لأذكار التجانية وتبهنس عبد الحي وتسللت داعش نصرة لإخوتها في الله فانهار كل الترتيب الأمني الدولي الذي يتوخى ترتيباً سلمياً يحافظ على تقاطعات المصالح الدولية في الجوار السوداني الذي يشمل تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان ومصر والبحر الأحمر ومنطقة البحيرات.
أبدي هذا الخوف لأنني لا أرى في المشهد غير النفي والنفي المتبادل
هذا أوان العبقرية السودانية النضرة القادرة على استخراج الدر من الصدف.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.