همسة تربوية .. د.عبدالله إبراهيم علي أحمد

عندما تتجلى الإنسانية

شارك الخبر

يقولون الناس معادن، وما معدن المعلمة الأمريكية (ويندي كليان) التي تبرعت بكليتها إلى تلميذتها؟ ألا وهو ذهب صافٍ رنان، يطرب الآذان بسمفونية تستثير العشاق من أوتار قيثارتها، فتغتمر قلوبهم بالحب والجمال معاً، وترتقي أرواحهم متجاوزة الأرض محلقة فوق السحاب لما يشعر به كل أبٍ وأم نحو ابنهم أو ابنتهم، كان هذا بمجرد اجتماع لأولياء الأمور بالمدرسة وكانت فيه والدة الطفلة، حيث تحصلت المعلمة على معلومات حول حاجة الفتاة للكلية.
يمنح المعلم تلميذه المعرفة ولكن كونه يتبرع له بعضوٍ من جسده، لا شك هذا أمرٌ كبير، فلا يمكن أن يكون ما قامت به هذه المعلمة من عملٍ عظيم مجرد خبر عابر، أو وردة منسية في الثلج، بين أحاسيس ومشاعر متجمدة، يأتي هذا الخبر ليرسم لنا لوحة إنسانية رائعة بين ركام الأخبار ومشاهد القتل والدمار والخراب والتشريد، إنها مفارقة عجيبة بين ما هو إنساني ووحشي، ولتعطينا هذه المعلمة درساً في الإنسانية والمحبة، وهذا الدرس من معلمة له معانِ عظيمة، وذلك ليعرف كل من يبخس حق المعلم إلى أي مدىً يكون العطاء؟ وهذا الدرس لم يكن نظريات أو شعارات جوفاء خرقاء، إنما هو درس عملي تطبيقي حيث قامت المعلمة بقصِّ قطعة لحم من جسدها لتهديها لتلميذتها، فتنجو من موت محقق، وتحيا الحياة، هكذا تتجلى الإنسانية.
ما أروعك أيتها المعلمة! وما أروع درسك الذي تقدمينه لأمةٍ كاملة من البشر بمختلف ألوانها وعاداتها وتقاليدها، إنه لعمل أدركته البشرية بلا عناء، كم هم الذين مروا على هذه الطفلة وهي تصارع الموت من أجل البقاء، وألقوا عليها نظرة عابرة ثم ذهبوا عنها! وكم هم الذين سيقفون أمام قامتك الشامخة يستَخِفُّون بما قُمْتِ به، وما أشد ما سيرمونك به! سيقولون كم أنتِ غبية أيتها المعلمة، وما الذي فَعَلَتْهُ هذه البائسة؟! كم أنت حمقاء! يا لكِ من بلهاء!، لكنَّ الأخلاقَ العالية لا سبيلَ لها لصغارِ النفوس مهما عَلَوْا.
ما أروع أن تتوقف الإنسانية عند مثل هذه الأعمال العظيمة وتقتدي بها! والأروع من ذلك أن نعلي من مثل هذه القيم، ونشجعها، وأكثر من ذلك أن تشاهد الإنسانية وهي تتجلى بأنبل صورها وأبهاها، فقد أضاءت هذه المعلمة شمعة حب، وعزفت لحناً موسيقياً أخاذاً من نوع آخر نظَّف أرواحنا، وما علق بها من شوائب وأدران ووضعتها على سكة الإنسانية، ويا شمس الإنسانية العالية، اكتبي عن هذه المعلمة .. اكتبي اسمها في دفتر العشق كفارسة تعشق الحياة، ولكنها تعشق الإنسانية أكثر.
أما في الوفاء الذي تتجلى فيه الإنسانية السمحة، فتحضرني قصة فى غزوة بدر، حيث أسرَ المسلمون عدداً كبيراً من المشركين، وكان من بين هؤلاء الأسرى أبو العاص ابن الربيع زوج السيدة زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الإسلام قد فرَق بين زينب رضى الله عنها وزوجها لأنه مشرك، فلما وقع فى الأسر، خلعت عِقْدها الذي أهدته إليها أمها السيدة خديجة رضى الله عنها عند زواجها، وأرسلته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتفتدي به أبا العاص وفاءً له.
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم العقد عرفه، وأحس بوفاء ابنته لزوجها، فاستشار أصحابه في أن يطلق سراح أبي العاص، واستأذنهم فى إعادة العِقْد إلى زينب رضى الله عنها، فوافق الصحابة.
وأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم سراحه، فلما عاد أبو العاص إلى مكة أعلن إسلامه، ثم ذهب إلى المدينة، فأعاد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم زوجته الوفية زينب رضى الله عنها.
أخيراً، لنتحلى بالإنسانية والأدب الجميل ويا ربُ إذا أعطيتني نجاحاً فلا تأخذ تواضعي، وإذا أعطيتني مالاً فلا تأخذ سعادتي، وإذا أساء إليَّ الناس، هبني شجاعة التسامح، وإذا أسأتُ أنا إلى الناس، هبني شجاعة الاعتذار ويوماً ما سنرحل دون أمتعة فيا رب أجعل وجهتنا إلى الجنة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.