حكاية السبت|| عبدالباقي الظافر

عيد ميلاد غير سعيد!!

شارك الخبر

 

يوم يشبه كل الأيام في حياة رجل الأعمال الكهل الزين محمد الأمين.. استيقظ الزين وشعر بضيق غرفة النوم التي تضمه وزوجته ثريا العطا.. حدق مليا في ملامح الزوجة النائمة.. لم يشعر أبدا أن ابنة خاله قبيحة غير هذا الصباح.. سأل نفسه: كيف تعايش أكثر من ربع قرن مع هذا القبح؟.. جذب نفسا عميقا وأدرك أن سر المسافة التي تزداد بينه وزوجته تكمن في الزمن.. كان هو دائما قادرًا على التكيف مع الزمن.. من موظف صغير في شركة الكهرباء إلى تاجر في سوق السجانة ثم أخيرا رجل أعمال مميز في السوق العربي.. تخلص من الجلباب المتسخ الذي جاء به من القرية.. أرتدي القميص المحشو في البنطال.. ثم أخيرا تعلم الإنجليزية وربطة العنق وإدمان السفر إلى دبي والصين الشعبية.. لكن ثريا هي ذات الريفية الطيبة.. كل مافعله الزمن أن ألقى أثقاله على وجهها وصدرها ثم سائر جسدها.. ثم بعد أن أنجبت البنين والبنات شعرت أن موقع الزين من الأعراب مجرد مضاف إليهم.

فتح الزين الباب الصغير المفضي إلى بلكونة صغيرة.. مضى إلى حيث الهواء الطبيعي كأنه يهرب من الذكريات.. أشعل سيجارة بنسون ثم نقل بصره في الهاتف الجوال.. في صفحة الفيسبوك وجد وردة جميلة فاقع لونها.. إنها السكرتيرة نهلة تهنئه بعيد ميلاده.. لو لا هذه الشقية ما علم بهذه المناسبة.. ضغط على صورة بروفايل نهلة.. مثل فرسة جامحة.. تحمل عينها غموضا لم يستطع فك شفرته.. كلما اقترب منها تبتعد وكلما ابتعد منها تدنو إليه.. هذا النوع يريد زواجا على سنة الله ورسوله فيما الزين يريد مجرد مباراة خاطفة.. بشكل متعجل قارب بين كيان زوجته المتمدد على السرير وتلك الحسناء.. سأل نفسه: ماذا لو تزوجها في السر؟

قبل أن يتخذ القرار جاء صوت ثريا مخلوطا ببعض النوم “الزين مالك صحيت بدري”.. لم تنتظر إجابته فاستخدمت الهاتف لتأمر الشغالة الحبشية أن تعد كوب من الشاي وآخر من القهوة لزوجها.. عادت ثريا للنوم.. ارتدى الزين ملابسه على عجل.. حاول أن يختار ألوانا شبابية تزيل مع سكرتيرته فارق العمر والذي يزيد على بضع وعشرين عام.. تجرع القهوة مثل السم ثم صب قليلا من الشاي على الكوب ليقنع زوجته أنه أدى الواجب.. مضى إلى الشارع الفسيح وكله تركيز في هذه الشابة.. في هذه اللحظة رن هاتفه.. ابتسم إنها نهلة.. بدلال طفولي وأنوثة متمردة جاء الصوت المبحوح “صباح الخير يا زين” قبل أن يرد داهمته “كل سنة وانت طيب ربنا يخليك لينا”.. ثم اعتذرت بلطف “أتمنى ألا أكون أزعجتك أو اتصلت في موعد غير مناسب”.

استغرب الزين حينما تذكر أن ثريا هي من توسطت لهذه الشابة لتعمل معه.. تردد كثيرا كان يعتقد أن أسرار المهنة يجب أن تكون بعيدا عن البيت.. وافق بعد أن عرف أن لا علاقة مباشرة بين زوجته ونهلة.. منذ أن عملت معه كانت دائما تسبقه إلى المكتب.. تصنع له بنفسها قهوة لا تجد حرجا أن تشعل بعض البخور.. تنتظره حتى ينصرف.. حاول أن يقتحم خصوصياتها لكنه لم يتمكن.. كل ما عرفه عنها أنها سبق أن تزوجت ثم فشل الزواج بعد أن رزقها الله بصبي أصر والده أن يكون في حضانته.. لكنه يزور أمه في نهاية الأسبوع.

وصل إلى المكتب وجد رائحة معطر تفوح لتختلط مع بخور هندي.. علبة حلوى شيكولاته تقبع على المكتب.. بذات الابتسامة الهادئة استقبلته.. هنأته مرة أخرى بالعيد.. جلست بجانبه من وراء الطاولة.. أراد أن يتحدث عن العمل.. أشارت إليه بالصمت يحمل بعض الدلال.. أخبرته أن هذا يوم خاص علينا أن نحتفل به جميعا.. رد “ثلاثين سنة من العمل.. لم أتذكر يوما هذه المناسبة”..عاجلته “عازماك عشاء”.. تلعثم قليلا قبل أن يجيب.. واصلت: “أعرف أنك رجل معروف ومشهور سنحتفل معا في شقتي”.. ابتسم بمكر.. أخيرا واتته السانحة.. صوَّب النظر إلى صدرها قبل أن تردعه بغمزة عين وعبارة “ما تكون شرير”.

قبل أن يعود إلى منزله توقف في السوق لشراء هدية من الذهب.. لا شيء يسحر النساء مثل المعدن البراق.. زار الحلاق في فندق الحياة.. ارتدى قميصا أبيض وبنطال جينز أزرق.. اقتنص سانحة خروج زوجته وابنتيه مع (السواق) لوضع كل أنواع العطور على ملابسه الداخلية.. وقف كثيرا عند (المرايا).. عند التاسعة مساء انطلق إلى الموعد.. طرق على الباب.. تأخرت.. شعر بالخوف.. لحظات الانتظار تمر ببطء.. استخدم هذه المرة الجرس فرن في أذنه قبل أن يرن بالداخل.

فتحت نهلة الباب.. كانت ترتدي عباءة خليجية وتطلق خصلات من شعرها.. ضوء خافت في بهو الشقة وشموع متناثرة وصوت موسيقى يكاد لا يبين.. لأول مرة يقبض على كفها بهذه الشهوانية.. سحبت يدها ثم أجلسته على كرسي فاخر مغطى بنوع من القطيفة الفخمة.. طلبت منه أن يسمح لها بدخول غرفة النوم.. حسب أنها تتهيأ له.. اكتملت رجولته.. لم يستطع الصبر.. رمى بالقميص الأبيض ثم تلاه البنطال الأزرق.. فكر أن يداهمها في الغرفة ثم عدل عن رأيه المتطرف مفضلا الانتظار.. حدث نفسه إن لم تتعجل وتقدم هذا التنازل لطلب منها الزواج.

فجأة سمع أصواتا كأنه يألفها.. من داخل الغرفة خرجت زوجته ثريا وابنتيه ران وروان.. كن يدندن “سنة حلوة يا جميل” ومن ورائهن سكرتيرته نهلة.. ضاقت به الدنيا ارتبك كثيرا.. جرى نحو الباب نصف عارٍ.. وقعت زوجته من فرط الصدمة.. كانت الابنتان في حالة عدم تصديق.. وحدها نهلة التي احتفظت ببرودها ووقارها.. أخذت ما تبقى من ملابس لتلحق بالرجل الهارب.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.