اقاصي الدنيا || محمد محمد خير

أسبوع حميدتي

شارك الخبر

قبل عامين، كتب مولانا القاضي سيف الدين حمدنا الله مقالا تنبّأ فيه بأن حميدتي سيكون رقما متعدد الإضافة في أي معادلة سياسية في السودان، وأشار إلى التطور الهائل الذي بدأ عليه حميدتي في ذلك اللقاء التلفزيوني الذي أجرته قناة (سودانية 24) .
لفت مولانا سيف الدين نظري بملاحظته تلك، فبحثتُ عن اللقاء في اليوتيوب، وكنت حينها أُصارع المرض العضال في كندا .
تعزَّز لي ما لاحظه سيف، حين زجر حميدتي أحد ضيوف استديو الحلقة بجريرة ذكره لقبيلة الرزيقات، وكاد أن ينسحب من الحلقة، رغم أنه كان محورها، ويعود السبب لحرصه على طرح نفسه وجيشه على قاعدة قومية تتخطى لهجة القبيلة، ليلهج بها اللسان السوداني المُبين .
هذا الحرص المُتشدِّد على قومية جيشه، لدرجة زجر ضيف في الاستديو جرح في عقلي الباطني ضرورة الانتباه لهذا الرجل، لأنه بذلك التصرف لم يكن يقصد الضيف بقدر ما كان يخاطب المستقبل.
مرت الأشهر، وصعد حميدتي لموقع نائب الرئيس، ليس بالتعيين وإنما بالمُباغتة والدهاء والرجولة و(الضراع)، ولم يكن صعوده لهذا الموقع المركزي مؤامرة أو طموحا شخصيا، بقدر ما كان انحيازا لشعب تجمّع أمام باب قيادة الجيش لأيام باذلا دمه في سبيل الانعتاق. فحفظ حميدتي ذلك الدم النضر والغالي بكل ما تتفيأ به كبرياء الدم وبكل ما تترنم به أغاني الفروسية للفرسان.
قرأت يوم أول من أمس مقالا في مجلة (فورن بوليسي)، التي تصدرها الخارجية الأمريكية وهو عبارة عن (بروفايل) لحميدتي. ورغم أن الموضوع كان يرتكز في معطم جوانبه على السيرة الشخصية، إلا أنه أومأ إلى ذات ما تنبه له مولانا سيف، ولامس قدرا من ملاحظتي بأن حميدتي يُخاطب المستقبل بأدوات بسيطة للغاية.
وبعد يوم قرأتُ تصريحا لمني أركو مناوي، أحد خصومه الغلاظ، يُؤكّد فيه صفاء المياه بينه وببن حميدتي، وأهمية هذا التصريح أن أزمة دارفور ستتحوّل من المنابر الدولية لتصبح حوارا دارفوريا دارفوريا، ربما برعاية إقليمية خليجية.
هذا ما جعلني أُعيد قراءة كتاب حميدتي من جديد بعقل سياسي، لأقف على ما يتوافر له، فخرجت بما مفاده أن الذي يتوافر له الآن لم يتوافر لأي كيان سياسي سوداني منذ عهد بعانخي، فهو يملك جيشا لم يخسر أي معركة خاضها منذ تأسيسه في دارفور حتى انتصاره الكاسح في(أم المعارك)، معركة القيادة العامة، التي شارك فيها باقتدار باسم الشعب.
لم يحدث في تاريخ السودان الحديث، أن حظيت فاعلية سياسية بما حظي به حميدتي من قوة عسكرية وعلاقة مباشرة ومُنتجة وقابلة للتطور مع أثرى دولتين في الخليج العربي، ومهمات لحوحة مع دول الاتحاد الأوروبي، ورضا مصري وابتسامة أمريكية في طريقها للاتساع.
هذا القبول الخارجي لم يتح لبادي أبو شلوخ ولا لعمارة دنقس، ولا للسلطان بحر الدين، ولم يجده المهدي ولا الخليفة عبد الله، ولا التجمع الوطني الديمقراطي من قبل. فكيف تستطيع حواس حميدتي الخمس مقابلة هذه المعجزة.. كيف سيحول هذه الشحنة لطاقة إيجابية تضعه في مصاف قيادة جديدة عصرها المخاض العسير لتنتج هذا التوازن الحالي الحرج؟ هذا ما سنكتبه بإذن الله بعد تفرُّس جديد.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.