حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

خيارت مدمرة

شارك الخبر

(1)

مرت ليلتان على استئناف التفاوض بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري ومازالت العقبة الوحيدة التي حالت دون استكمال التفاوض قائمة وهي تكوين المجلس السيادي وعلى حسب ما قال به المتفاوضون أنفسهم إن هذه الجزئية تشكل خمسة في المائة فقط من مجمل القضايا المطروحة للتفاوض وهذا يشي بأن أزمة ثقة كبيرة قد نشبت بين المتفاوضين أثناء عملية التفاوض إلا وما كان يمكن لهذه النسبة الضئيلة أن تشكل عقبة كبيرة. فنيات التفاوض لاتمنع إعادة النظر فيما تم الاتفاق عليه إن كان ذلك يفتح الطريق لتجاوز العقبة المتبقية فمثلاً يمكن مراجعة النسب المتفق عليها فيما يتعلق بالمجلس التشريعي لتتناسب مع النسب في المجلس السيادي أو مراجعة الصلاحيات أو.. أو.. فهناك مليون طريقة لتجاوز العقبة المشار إليها لأنه قد بدا لي أن العساكر قد شعروا بأنهم أعطوا الطرف الآخر كل ما يريد فيما يتعلق بالجهاز التشريعي والجهاز التنفيذي فبالتالي يجب أن يأخذوا ما يريدون في المجلس السيادي أي قدموا السبت ولم يظفروا بالأحد.. فإن كان ذلك كذلك يمكن إعادة النظر فيما اتفق عليه حتى لا يشكل عقبة أمام الاتفاق فيما لم يتفق عليه فالمثل السوداني يقول (مية نطة ولا بعبوص).

(2)

رغم أن أمنياتنا وتوقعاتنا تذهب إلى أن الطرفين سوف يصلان لاتفاق بدافع الحرص على إخراج البلاد من هذه الحالة الراهنة وهي حالة متفق على أنها في غاية الحرج لكن لا بد من استصحاب إمكانية فشل التفاوض وهنا يثور السؤال ما هو البديل لكل طرف من الطرفين؟ على حسب الذي رشح لنا, المجلس العسكري هدد بأنه سوف يستعجل عملية الانتخابات أي سوف يشرع فيها فوراً لتكون في الاسابيع القادمة وأما قوى الحرية والتغيير فتقول إنها سوف تسخن الشارع وها هو تجمع المهنيين منفرداً يعلن عن خطة الإضراب العام والعصيان المدني. وفي تقديري إن كلا الخيارين مدمر فالانتخابات قد تبدو من الخارج إنها حلاً عقلانياً لأنها تعني الرجوع للشعب ولكنها ستواجه بمقاطعة وبمقاومة من الطرف الآخر وستكون عملاً انصرافياً في حالة وضع البلاد الراهن الذي هو بين الحياة والموت أما العصيان المدني سيكون بمثابة رصاصة الرحمة على الثورة أولاً وربما على البلاد نفسها وسوف يفتح الطريق لتدفق الدبابات في الشوارع من جديد فكلا الخيارين, الانتخابات والعصيان المدني سوف يفتح الطريق لأعداء الثورة وأعداء البلاد والمتربصين بها ليسوطوا فيها كما يشاؤون, إنها خيارات ركوب الرأس ونتمنى أن تكون للتهديد فقط إلا وسيكون الجنون وعدم العقلانية هو سيد الموقف.

(3)

مما تقدم نرى أنه لا مخرج أمام البلاد إلا الوصول إلى اتفاق كامل بين المتفاوضين واللذين وضعت الأقدار البلاد في أيديهما فلا بد من الاستمرار في عملية التفاوض ولا بد من التنازلات كما هو الشأن في أي عملية تفاوضية والتنازل هنا ليس للطرف المقابل إنما لمجمل الوطن وكما يقول علماء الأصول ما لا يدرك كله لا يترك جله ودعونا نوجه الخطاب للسادة المتفاوضين من الجانبين بصفتهم الشخصية ونقول لهم إن في تاريخ البلاد رجالاً قبلكم بعد أكتوبر 1964 وبعد إبريل 1985 وقفوا في نفس المكان الذي تقفون فيه أنتم الآن ولكنهم عبروا بالبلاد ولم يسلموها للمجهول وعادوا إلى بيوتهم وأحزابهم وأشغالهم.. فلماذا لا تكونوا مثلهم وتدخلوا التاريخ أم إنكم لا تريدون العودة إنما تريدون الحكم؟ من كل قلبي أتمنى أن يصل هذا المقال للقارئ وقد أصبح من التاريخ أي تكون البلاد قد عبرت واللهم احفظ السودان وأهل السودان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.