الانتخابات المبكرة.. هل يفعلها المجلس العسكري؟

الخرطوم: عبد الباسط إدريس

الانتخابات المبكرة، كرت آخر يلوح به المجلس العسكري الانتقالي في وجه مفاوضي قوى إعلان الحرية والتغيير التي حددت موقفها من معضلة المجلس السيادي بأغلبية مدنية ورئاسة دورية، كآخر مسار تفاوضي بينها والمجلس العسكري، بعد أن حققت المفاوضات السابقة نجاحاً متقدماً في الملفات الأخرى.

دعوة صريحة
حديث المجلس العسكري عن التذكير بالانتخابات لم يتوقف، رغم اعترافه السابق بقوى إعلان الحرية والتغيير كممثل شرعي وحيد لثورة ديسمبر قبل أن يعود المجلس الخميس الماضي للقول إن المفاوضات بينه وقوى الحرية والتغيير لتسليم السلطة للمدنيين إلى طريق مسدود. وأعلن المجلس العسكري مساء الخميس أنه دعا لانتخابات مبكرة خلال شهرين أو ستة أشهر أو عام، في حال فشل التفاوض مع إعلان قوى الحرية والتغيير.
ودعا المجلس الشباب داخل وخارج مقر الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش لتكوين كيان حزبي خاص بهم باعتبارهم “قوة لا يستهان بها”. وقال عضو المجلس العسكري السوداني صلاح عبد الخالق لدى مخاطبته إفطارا رمضانيا يوم الخميس، إن الجيش السوداني “هو الضامن لأن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وشفافة، لأن لا مصلحة لنا فيها”، وأضاف: “إذا ترك لنا الأمر سنستدعي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، للإشراف على الانتخابات وإدارتها، وسنسلم من يأتي عبرها السلطة كاملة غير منقوصة”، وشدد على ضرورة مشاركة الجيش في الفترة الانتقالية باعتباره الضامن لها، وزاد: “الجيش هو الضامن لأن تنفذ الاتفاقيات التي وقعها”.

مخاوف ومحاذير
الدعوة التي أطلقها المجلس العسكري لانتخابات مبكرة برقابة إقليمية ودولية، بعد انتكاسات مفاوضات ترتيبات الفترة الانتقالية بينه وقوى الحرية والتغيير، نظر لها البعض بأنها الأفضل لأنها تمكن المجلس العسكري من الوقوف على مسافة واحدة من القوى السياسية، بجانب ما تمثله الانتخابات من وسيلة مثلى لتداول السلطة بموجب التفويض الشعبي.
فيما ترى وجهة نظر أخرى أن حديث العسكري الانتقالي عن الانتخابات المبكرة يستبطن رغبة قيادته واستمراره في السلطة، وإعادة قراءة المشهد السياسي والاجتماعي على نحو يمكن المجلس من صناعة تحالفات جديدة من داخل الأحلاف السياسية القائمة في الساحة، لضمان فوز مرشح له في الانتخابات المقبلة، وسط أصوات عسكرية تنادي بضرورة ترشح شخصية عسكرية لتولي السلطة في البلاد.

على بناء قديم
كثير من الأحزاب السياسية وجماعات الضغط لا سيما المعارضة منها، تحفظت على قيام الانتخابات المبكرة، ونادت بضرورة قيام فترة انتقالية يتم بموجبها تفكيك مفاصل النظام السابق، لضمان انعقاد انتخابات حرة ونزيهة، خالية من عيوب التزوير، تبدو المعارضة متخوفة من إجراء انتخابات على بنية النظام القديمة التي تقول إنها لم تفكك بعد. ويعيد رفض كثير من قوى المعارضة لقيام الانتخابات والتمسك بفترة انتقالية يتم خلالها تنفيذ مشروع قوى الحرية والتغيير، يعيد ذلك للأذهان تحفظات ومقاطعات لطالما أبدتها المعارضة للانتخابات التي أُجريت خلال حقبة النظام السابق، بما في ذلك انتخابات عام 2010 التي توفرت لها رقابة دولية وإقليمية، وأجريت في ظل قوانين ومفوضية متوافق عليهم من قبل الأحزاب السياسية، لكن عدد من قادة أحزاب المعارضة قاطعوا الانتخابات لإجراءات وصفوها بالمعيبة مورست من قبل المفوضية وحزب المؤتمر الوطني، وهو ما أقر به رئيس المفوضية د.مختار الأصم، بعد سبع سنوات من تلك الانتخابات حيث كشف في ورشة بالخرطوم العام الماضي عن جملة أخطاء ارتكبتها المفوضية في انتخابات عام 2010، من بينها تجاوز قانون الانتخابات الذي حدد الاقتراع بيوم واحد والمفوضية أجرت الاقتراع في ثلاثة أيام، وتبنيها منشور الشرطة الذي ينظم الحملات والندوات والسماح للمفوضية للقوات النظامية بالإدلاء بأصواتهم في الدوائر الجغرافية.

ضحيتها العسكري
يقول القيادي في تجمع المهنيين بابكر فيصل في تعليقه لـ(السوداني)، إن الانتخابات المبكرة مجرد تلويح لا أساس له ولا يستند لأي إرادة شعبية، وفي حال قيامها سيكون أول ضحاياها هو المجلس العسكري لأن قادته سيذهبون لمنازلهم فوًرا بالتقاعد، وسيعود النظام القديم بقضه وقضيضه لأن الدولة ما تزال موجودة والقوة الاقتصادية ما تزال موجودة وسيعود النظام بمسميات مختلفة لأنهم يمتلكون الوسائل التي تعمل على نجاح الانتخابات.
ويرى بابكر أن الأمر الأهم والغائب عن المجلس من كل ذلك إرادة الشارع وهي إرادة ستمضي ضد أي انتخابات مبكرة، ولا يمكن للعسكري أن يقرر في مصير ثورة بأكملها استمرة لستة أشهر وقدمت عشرات الشهداء ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين.
من جانبه يرى المحلل السياسي د.الفاتح الحسن في حديثه لـ(السوداني) أن البلاد ليست بحاجة للانتخابات وأنها بالفعل تحتاج لفترة انتقالية، يعاد من خلالها ترتيبات عقد إجتماعي جديد، معتبرا المرحلة التي تمر بها البلاد خطيرة وصعبة وتحتاج لتنازلات مشتركة بين المجلس وقوى الحرية والتغيير لأن الفترة الانتقالية بحاجة لروح الشراكة ولا تحتمل التشاكس. ويشير الفاتح إلى أن الأولوية الآن تتمثل في تحقيق السلام وتصفير المشكلات الداخلية وليس انتخابات مبكرة تواجه بالتشكيك وستكون منقوصة الشرعية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.