فريق شرطة صلاح الدين أحمد الشيخ

الملك والجمهوريات العضوض

شارك الخبر

تبدو كل الدول الأفريقية في حالة تيهٍ واضطرابٍ فكري سياسي بأنماط الحكم الغريبة التي تجمع وتُؤكِّد وتَعكس صُورة الملك العضوض في إطار حَديثٍ ليس له تَوَجُّه ديموقراطي، ويبدو خانعاً وجباناً وفارغ المُحتوى، لكنه حديث المظهر، مثلاً هيئات تَشريعية من مهامها البصم والتّصفيق والإشَـادَة لكلِّ إخفاقات التّنفيذيين أجهزة منقوصة الصلاحية، ويُمكن أن تحل في وقتٍ ويُجمّد الدستور ببيان رقم واحد أو الرقم مائة من العَبقري المُنقذ الذي أوحي إليه أن يصلح ما فسد من القوم وحكمهم، والتّجارب أثبتت أنّ الأمر ليس هكذا، فالقاهرون لا يُفيدهم ولا ينتفع منهم أحدٌ سوى زبانية الحكم المُطلق، وتفسدهم الطاعة العمياء، وتصم آذانهم عبارات الثناء لا أجد من يقول عندهم كلمة حق، كُلّ المُعَارضين الأشقياء مُطاردون ومَلعونُون ومَقتولون، وكُلّ الحُكّام يَخافون من يومٍ عبوسٍ قمطريرا، في الدنيا قد يكونوا فيه مُعلّقين في أعواد المَشانق أو معروضة جثثهم النخرة في ثلاجات اللحوم، دَورة مُستمرة من الصراع اللا مشروع على السلطة المشروعة والمال الحرام، وأداتهم في ذلك دعاوى كذوب ومبادئ جديدة وشعارات قديمة رميمة، أفريقيا أرض خصبة لهم، وشعوب مطيعة وجاهلة وجبانة، وقادة أفريقيا ليسوا وحدهم في ذلك، عدد من الدول الآسيوية وأمريكا اللاتينية تحكم بنفس النمط، ثورة على نظام سياسي خرب، أو حاكم قاهر ثم حكم جمهوري عضوض يقوده فرد أو جماعة أو حزب عقائدي، وأنماط كَهذه تكون عُرضةً لمُعارضةٍ شديدةٍ، وتفرز أيضاً ثورةً تصحيحيّةً ونزاعاً سياسيّاً وسلاحاً فتّاكاً، ولكن لا فرق بين المُعارضة الثورية أو الحكم الرجعي، يُبين ذلك عدد من التجارب البائسة التي عانت منها شعوب كثيرة، ما عدا الصين التي يحكمها حزب شيوعي قديم كان يقبض بيدٍ من حديدٍ والسلطة في يد أفراد دائمين، ولكن تعدّل نَمط حُكمهم وأصبح هُناك تَدَاوُل للسُّلطة، كل عدد من السنين ينعقد مؤتمر الشعب العام وتُنتخب قيادة جديدة للحزب والدولة، الدول الغربية تحسب أنّ ما يحدث في الصين ليست ديموقراطية، ويفوت على فطنتهم أنّ الصين ليست دولة أمة وإنما دول عدة وحضارة وثقافة مُختلفة ومُعتقدات وموروثات لا يعرفها الغرب والنظام السياسي فيها، له شرعية أكثر من بعض الأنظمة الغربية، مثلاً إيطاليا بأحزابها وحُرياتها، ونايباتها العاريات حكوماتها أقل شرعيةً، فهي غير مستقرة وتتغيّر أسرع من فصول السنة، وحكومة بريطانيا العُظمى الآن مُواجهة بمُشكلة شرعية للخروج من الاتحاد الأوروبي، فَقَدَ حزب المُحافظين الأغلبية المُريحة وأصبح تحت رحمة حزبٍ صغيرٍ، وترمب الرئيس القوي رجل الأعمال الثري الآن تُضرب شرعيته وحكومته يومياً وتُشكّك المعارضة في علاقته مع العدو التقليدي القوي بوتين والذي يتمتّع بشرعية كاملة وقبول من شعبه.
الحكومات الأفريقية والعربية جمهوريات كانت أم ملك عضوض لا تعبأ بالشرعية أصلاً، وسمعنا أيام مايو الذي أتولد دون أمٍ وأبٍ، بل وزادت النجوم عدد شرك سياسي كامل، أن هناك شرعية ثورية تلغي كل شئ وتسود هي وتشرع ما تشاء وتفعل ما تريد دُون أيِّ تَردُّدٍ، وعبثت مايو بالاقتصاد والحكم والحرب دُون شرعيةٍ قانونيةٍ, بل بشرعية القوة المُفرطة، والأحزاب التي جاءت بعد الانتفاضة لم تراجع آثار شرعية مايو ورغم الحكم الذي ورث مايو بعد الانتخابات كان أكثر شرعية وقانونية، ولكنه كان ضعيفاً وكانت المعارضة له أكثر قوة وكانت النقابات أداة تهديم شرعية الأحزاب، تاريخ السياسة في السودان لم يحلل وترك مُهملاً على قارعة طريق مهجور أو لمذكرات وشذرات هُنا وهُناك رغم خُطُورة ما مر به السودان من اضطرابٍ سياسي مُستمرٍ، حكم مصر استمر بالشرعية الثورية سنين عدداً ولم تمنح أي حكومة مصرية شرعية قانونية لا إجبار فيها ولا قهر، معظم الدول الشقيقة تُعاني من عدم شرعية مزمن ولم يأتِ من يعدل مسار ومسلك الجمهوريات العضوض والملك، الذي يورث دون شرعية، والتطور والحضارة لن تجد عاملاً ومُحيطاً تعيش فيه.
نعود للصين، عند الثورة الثقافية كانت الأبقار تحلب لبناً أكثر عندما يقرأ عليها تعاليم ماوتسي دونج كان ذلك خرافات من العصر الشيوعي الحجري، الآن الأبقار عندهم أكثر حليباً والمصانع والتعليم والصحة والزراع أكثر إنتاجاً دُون خرافة ودُون أيِّ زعيم أوحد وعصابة الأربعة أو الجيش الثّوري وذلك بسبب أنّ الشعوب الصينية. تحكم بنظامٍ شرعي وأدوات ومواعين سياسية شرعية.
بعض الدول التي تبنّت شُعُوبها وقادتها طريقاً شرعياً في مُمارسة الحكم وفي السِّياسة، تقدّمت كثيراً مثلاً كوريا الجنوبية، وفيتنام، ودول أوروبا التي كانت تتبع المعسكر الشيوعي وبعض الدول الأفريقية، العالم يتّجه إلى أن تكون كل حكوماته تتكئ على الشرعية والتّفويض من الشعب بمُمارسة الحكم، ويشهد العالم أفول نجوم الحكومات التي لا تُحظى بغير ذلك، الشعارات التي رفعتها بعض التكوينات السِّياسيَّة سقطت تحت أقدام الحقيقة وداستها الجماهير بأرجلهم، ويبشِّر الشعراء والسِّياسيون الجُدد بشيء سياسي جديدٍ يقوده بشرٌ ولا يقوده أنصاف آلهة لا يسألهم الناس ماذا تفعلون بِنَا.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.