بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي

مزادُ البالوناتِ الحارقةِ في شهورِ الصيفِ اللاهبةِ

شارك الخبر

يبدو أنّ القيمة النضالية للبالونات الحارقة والطائرات الورقية الفلسطينية في ارتفاعٍ مُستمرٍ، وأنّ العوائد التدميرية المُتوقّعة منها كبيرة، والآثار النارية التي من المُمكن أن تخلفها في المُحيط الإسرائيلي كَثيرةٌ، وبالتالي فإنّ الرهان عليها والمُضاربة فيها مُجدٍ، إذ ما زالت تحتفظ بمميزاتها الحارقة العالية، خَاصّةً في ظل تقارير دوائر الأرصاد الجوية، التي تتوقّع للمنطقة أيّاماً حارّةً جداً وصيفاً قائظاً لاهباً خلال الأيام القادمة، الأمر الذي من شأنه أن يفتح شَهِيّة العَاملين فيها والمُهتمين بتطويرها وتفعيلها، وزيادة قُدراتها ومَوادها الحَارقة، بعد أن أثبتت خلال العام الماضي قيمتها الفعلية وجَدواها العَمليّة، رغم أنّها كانت بدائية الصنع وأولية الإعداد، ولم تتدخّل في صناعتها الأيدي الماهرة والعقول الفنية الإلكترونية، أمّا الآن فقد طوّرتها وحدّثتها مهارات وفنون الشباب، وجعلتها أكثر جدوى وأشد فعلاً، الأمر الذي سَيجعلها تَحتفظ بقيمتها الكَبيرة وقُدراتها الجيِّدة.
يدرك الإسرائيليون على مُختلف مُستوياتهم السِّياسيَّة والعسكريَّة، فَضْلاً عن سُكّان مُستوطنات الغلاف والمناطق القَريبة ورُؤساء بلدياتها، أنّ رهان الفلسطينيين صحيحٌ، فالصيف القادم سيكون قاسياً عليهم، وسيخلف آثاره السوداء على مَحاصيلهم، وسيحيل حقولهم إلى رمادٍ وبساتينهم إلى خرابٍ، وسيُكبِّدهم خسائر مَالية كَبيرة، ما لم تعمد حكومتهم إلى وضع حَدٍّ لسلاح البالونات الحَارقة والطَائرات الوَرقيّة، الذي بَاتَ يقلقهم أكثر من الأنفاق، ويُخيفهم أكثر من الصواريخ، كونها أكثر وأسرع، وأسهل وأبسط، وأقدر على الحَرق والخَراب.

إلا أنّ مُستوطنيهم الذي بَدَأ صَوتهم يعلو وصراخهم يَشتد، وشكواهم تزداد وخَوفهم يَتعاظم، يَشكون في قُدرات حكومتهم وجيشهم على إنهاء هذه الظاهرة التي ابتدعها الفلسطينيون وبرعوا فيها، وأصبحت لديهم خِبرةٌ مُتراكمةٌ وتجربةٌ كبيرةٌ، فلا منظومتهم الصاروخية قادرةٌ على التّصدِّي لها، ولا قبتهم الفولاذية تَستطيع حِمايتهم منها، ولا قُدراتهم الاستطلاعيّة وأجهزتهم الاستخبارية قَادرةٌ على التّنبؤ بها والاستعداد لها.
إلا أنّهم يَستطيعون إن أرَادُوا تَجنُّب الفَلسطينيين اللُّجوء إليها واستخدامها، أن يلتزموا باتّفاقياتهم مع قُوى المُقَاومة في قِطَاع غزة، وأن يُحافظوا على تعهُّداتهم معها، وألا ينقلبوا عليها أو ينكثوا بها، إذ أنّ شروط الفلسطينيين لوقف البالونات الحارقة والطائرات الورقية ومُختلف أنواع وأشكال الفعاليات الخشنة، واضحةٌ وسهلةٌ وبسيطةٌ، وهي حقوقٌ طبيعيةٌ وشرعيةٌ للفلسطينيين، وقد بات العدو الذي ينكرها ويمنعها يعرفها ويحفظها جيِّداً، وهي تتمثل بمجموعها في رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة، وتمكين أهله من العيش الكريم والعَمل الحُر والسّفر الآمن، والسماح بإدخال مَا يحتاجون إليه من غذاءٍ ودواءٍ وكهرباءٍ، وغير ذلك من مُستلزمات الصناعة وأدوات البِنَاء، وفتح فضاء البحر أمام الصّيّادين إلى أعماقٍ تُمكِّنهم من الصيد فيه، والمُباشرة في إعادة القوارب المُصادرة، والتعهُّد بعدم الاعتداء عليها ومُصادرتها من جديد.
إلا أنّ الفلسطينيين عُمُوماً الذين يعرفون حجم الأذى الذي لحق بالمُستوطنين الإسرائيليين، وحَجم الخسائر المَادِيّة التي يتكبّدونها، يدركون أنّ الصيف يخدمهم، وارتفاع الحِرَارة تُسَاعدهم في تَوسيع نِطَاق عمليّاتهم، ولهذا فإنّهم يصرون للاعتماد على هذه الوسيلة وتطويرها، وعدم التّخلِّي عنها إلا أن يلتزم العَدو بتعهُّداته، ولهذا فقد تَشكّلت فرقٌ شبابيةٌ كثيرةٌ تحمل أسماءً عديدةً، وتتخصّص في مجالاتٍ مُختلفةٍ من أنواع الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، وأصبحت لديها القدرة على التحكُّم في طيرانها، وتحديد اتجاهاتها، وتوسيع مجالها، وزيادة حجم كتلتها الحارقة وموادها المشتعلة، فَضْلاً عن أنّها أصبحت مجالاً للتّنافُس والسِّباق بين المُبدعين والمُنتجين، الذين يتبارون في الأفضل والأقوى والأبعد مدىً والأسرع حرقاً والأكثر تدميراً.
هل يظن العدو الإسرائيلي أنّه يَستطيع أن يُواصل حصاره لقطاع غزة، ويستمر في خنق المُواطنين وحرمانهم من أبسط سُبُل العيش الكريم، دون أن يتوقع من سكانه مقاومة وصموداً، ومحاولةً جادةً لكسر الحصار المفروض عليهم بكل السُّبُل المُمكنة والوسائل المُتاحة، في الوقت الذي تغير عليهم طائراته الحربية، وتدمّر بيوتهم صواريخه المُتعدِّدة.

أم أنه يريد منهم أن يستسلموا له ويخضعوا، وأن يقبلوا بالفتات الذي يلقيه إليهم مشروطاً، ويُوافقوا على شروطه المُذلة ليُزوِّدهم ببعض ما يحتاجونه، دون أن يكون لهم الحق في مُحاولة إرغامه وكسر إرادته، وإجباره على تغيير شروطه والتنازل عن مواقفه، وقد غاب عنه أن الفلسطينيين عبر تاريخهم النضالي الطويل، لا يدخرون وسيلةً في قتاله، ولا يتردّدون في اللجوء إلى أيِّ سلاحٍ لردعه، ولا يعجزون عن صدِّه، ولا يضعفون أمام آلته العسكرية وأدواته القِتاليّة الهمجية، فقد باتت سَواعدهم قادرة، وعُقُولهم مبدعة، وآمالهم واعدة، وإرادتهم صلبة، وقيادتهم راشدة، ومصانعهم ناشطة، وصواريخهم دقيقة، وقذائفهم كثيرة، وبالوناتهم محشوة، وطائراتهم الورقية عامرة، ووسائلهم النضالية على أنواعها خشنة، ومن قبل ثقتهم بالله ربهم كبيرة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.