اقاصي الدنيا||محمد محمد خير

لماذا انحاز الجيش؟

شارك الخبر

الرأي العام العسكري هو الذي يحكم أي تصرف يريد الجيش المضي فيه، وعادة ما تقوم الاستخبارات العسكرية برصد هذا الرأي وتحليله قبل رفعه للقيادة العليا بهدف التعامل معه وفق ما يحفظ للجيش وحدته، ويستقر بتقاليده العميقة القائمة على الانضباط والتراتبية، دون المساس بما ينطوي عليه مفهوم شرف الجندية.
حاورت عددا لا بأس به من أعمدة الجيش في الأسابيع الماضية، جمعتني بهم فصول الدراسة أو صلة القرابة المتعددة الدرجات أو الصداقة، واتفقوا جميعهم على أن انحياز الجيش جاء بعد التيقن بأنه بات من المستحيل تحقيق السلام في ظل ولاية الرئيس السابق لأسباب تتعلق باستناداته لرأي حزبه الحاكم، الذي يتعارض كثيرا مع رؤية الجيش، ولرغبته في الاستمرار رئيسا سرمديا بسبب الجنائية الدولية، بما يؤكد أن الجيش وحده هو من سيتحمّل عبء هذا الترتيب الممتد بلا نهاية ولا أفق.
تأسيسا على هذه المعطيات، قرر الجيش الانحياز للثورة ليضرب عدة عصافير دون إطلاق رصاص، وليفتح مسارا جديدا للسلام باعتباره القاعدة التي تتأسس عليها عدة مسارات أخرى، من ضمنها رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب وإنقاذ الجنيه السوداني وتجديد هواء الحياة السياسية بتسليم السلطة لممثلي الشعب بعد انتخابات نزيهة ومراقبة.
هذا يعني أن تحقيق السلام هو المهماز الذي شكل الرأي العام العسكري، ودفع كل الأجهزة النظامية الأخرى لتبني هذا الخيار رغم ما ينطوي عليه من خطورة.
الآن وبالتجاذب بين العسكريين وقوى الحرية والتغيير، لا نرى هدف السلام ضمن الأولويات الكبرى المطروحة على مائدة التفاوض، بل لا نلمس تجاوبا من أطرافه الرئيسية مع كل ما يُطرح في تلك الموائد؛ فقد شق صوت عبد الواحد الأثير وهو يهزأ بقوى الحرية ويصفها بأنها مجموعة تكونت أثناء تظاهرات الثورة. ورغم تحفظي على مجمل مواقف عبد الواحد، إلا أنه من العصي تحقيق سلام في دارفور يؤدي إلى عودة النازحين لقراهم وتبديد مظهر الأزمة إلا بموافقة عبد الواحد لأنه المؤثر الأوحد على كل معسكرات النازحين (الصابنها) منذ 15 عاما. وبتصريح عبد الواحد الهاتر بقوى الحرية والتغيير يتأكد أنها ليست ضمن منصاته لتحقيق السلام لكنه لم يقل إنه لن يتفاوض مع الجيش.
كان عبد الواحد هو الأكثر وضوحا، فيما كان مني الأكثر ميلا للمنصة الخليجية، ولم يُباعد رأيه رؤية عرمان، وهذا ما يعني أن الحركات المسلحة لا تريد إسداء سلام مجاني والسلام المدفوع المستحقات، لا يتم إلا بالحوار مع جهة سيادية صلبة لها الاستعداد على تقديم التنازلات المطلوبة بمخاطبة جذور الأزمة وإدارة ترتيبات أمنية تلبي المطالب التي يدخل ضمنها إعادة هيكلة الجيش، خاصة أن الشق الدارفوري يتقوى بقانون سلام دارفور الذي أصدره الكونغرس بموافقة الحزبين عام 2006. ويدخل هذا القانون ضمن شروط رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.