خارج الدوام محمد عثمان ابراهيم

لا خير فينا إذا لم نقلها*

شارك الخبر

شكراً للأستاذ ضياء الدين بلال، رئيس تحرير هذه الصحيفة، الذي عاد من إجازته فرفع القيد عن كلمتنا في عهد (الحرية والتغيير والنهضة) والذي لم نفقد أبداً الأمل الكبير في أن يتحقق رغم صعوبات المسار، ولا بأس في هذا المقام أن نعيد على الشعب الشعار المفعم بالبهاء والأمل أن نضاله مرير ونصره مؤكد!


يتأسس هذا المقال على عمادين رئيسيين هما: (١) أن قوى الحرية والتغيير لم تهبط من السماء وأن قوامها بشر عاديون يخطئون ويصيبون في الشأن العام الذي هو شأننا وواجبنا أن نقوم مسارهم بالنصح، والنقد، والرفض إن دعا الأمر، و(٢) إن الأهم دائماً في شأن الحكم والسلطة هو كيف تدار البلاد وليس من يدير البلاد، وبهذا المعنى فإن أي حكومة انتقالية مقبلة منوط بها صناعة الأسس الضابطة لحكام المستقبل بحيث لا مناص أمامهم من المسير وفق الخطوط المرسومة.


إبان انطلاق التظاهرات والاحتجاجات الشعبية والتي قادت في النهاية إلى انتصار إرادة الجماهير وإسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، أتيحت لي فرصة مميزة في الجلوس ضمن نخبة مجتباة من المثقفين وصناع الرأي السودانيين في ملتقى تحديات الانتقال الديمقراطي السلمي والذي عقد برعاية معهد الدوحة بدولة قطر في يومي ١٦ و١٧ فبراير من هذا العام.
تم تكليفي من قبل اللجنة المنظمة بالحديث ضمن محور (المعالجات الجذرية للعنف) وقد سررت بهذا التكليف وقلت كلمتي بكل ما وسعني الأمر من الاستقامة والصراحة والحرص على كلمة الحق. لست في مقام إعادة الكلمة وقد أعيد نشرها على هذا الصحيفة على امتداد صفحة كاملة (٢٨ فبراير ٢٠١٩م) ولكن لا بأس من التذكير بأنني قد انطلقت في تلك الكلمة من قواعد أهمها أن الجماهير لا يمكنها إسقاط الأنظمة، وأن أكتوبر وإبريل هي حكايات للسمر السياسي قد لا تصلح للاعتماد عليها في الشأن الوطني الجدي فـ(النخب السياسية) هي التي قادت التغيير في بنى السلطة في المرحلتين وهي التي قادت ـ بطبيعة الأمر ـ صناعة البدائل.
وقلت إن استخدام العنف في ممارسة السياسة السودانية متجذر وعميق ومحتمل في أي لحظة متى ما توفرت له الظروف والحاضنة اللازمة، وإن كل شخص قادر على ممارسة أقصى درجات العنف في لحظة معينة دون أن يشعر بالخطأ أو تأنيب الضمير، وحذرت بكلمات لا لبس فيها من أن الانزلاق نحو العنف في الصراع السياسي هو احتمال لا ينبغي تجاهله.
وفي الفترة التي سبقت سقوط نظام البشير دفعت بمقالة من جزأين بعنوان (ألهاكم التظاهر) تناولت التظاهرات ونشر الجزء الأول منها في هذه الصحيفة (٢ إبريل ٢٠١٩م) ثم نشر الثاني في صحيفة الصيحة (٢٤ إبريل ٢٠١٩م). افترضت المقالة المطولة ذات الجزأين أن الشعار الذي هتفت به التظاهرات (تسقط بس) شعار عدمي ومحدود ولا يفتح باباً واسعاً للتغيير وإنما يغلق باب استمرارية التغيير فور حدوثه، وهكذا ما إن حدث التغيير حتى انطلقت الجماهير المتظاهرة تبحث عن شعارات جديدة لبقاء التجمعات في ميدان القيادة العامة أي تبحث عن مشروعية وطنية لتكدس الشباب خارج منازلهم والبقاء في الشوارع. هذا أمر دائري لا ينتهي فحاجات الشعوب لا تنتهي وربطها بالاعتصام في الشوارع والميادين العامة يعني بقاء الشعوب في الشوارع إلى الأبد. ثم خلصت المقالة إلى ثلاث خلاصات نعيدها هنا:
الخلاصة الأولى: هي أن هذه التظاهرات التي امتدت لحوالي الـ٥ أشهر من ديسمبر إلى إبريل كانت مظاهرات توفرت لها الحاضنة اللازمة من مؤسسات نظامية كانت تحتاج إلى السند الشعبي اللازم لإجراء التغيير والتخلص من الرئيس السابق ونظامه. أي حديث يخالف هذه القراءة المتفحصة هو حديث سياسي رومانسي يتملق المتظاهرين ويخادعهم.
الخلاصة الثانية: لم يقد تلك الاحتجاجات والتي هيأت المناخ السياسي المحلي والإقليمي للتغيير العسكري ما يسمى بتجمع المهنيين فقد كان واضحاً أن تلك الاحتجاجات قادتها غرف عمليات كانت تمتلك القدرة والكفاءة والخبرة مما لم يتوفر لما يسمى بتجمع المهنيين هذا وكون قادة هذا التجمع المحدود القدرات والأثر يتبنون الآن هذه الاحتجاجات ويصدقون أكذوبة أنهم قد قادوا التغيير فهذا يكشف عن خلل شديد في استقامة هذه المجموعة وفي مصداقيتها!
الخلاصة الثالثة: أن هذه التظاهرات قد حققت الهدف الأول المطلوب منها التغطية عليه وهو إسقاط النظام وبقاؤها في ميدان الاعتصام لن يحقق أي أهداف أخرى.
ودعوت في خاتمة المقال المجلس العسكري إلى إنشاء مؤسساته المعينة على الحكم وتعيين مستشاريه ومعاونيه وطرح برنامجه للفترة الانتقالية وتأسيس الأجسام الضرورية لفعالية جهاز الدولة، أما الاعتصام والتظاهر فقد حان الوقت لإنهائه بشرف ليبقى في ذاكرة الأمة كيومٍ مجيد!


للأسف لم يقرأ أحد من الطرفين المعنيين بالصراع بقلب سليم وهكذا انتهى الأمر إلى سقوط مؤسف في أنشوطة عنف أزهقت فيه العشرات من الأرواح البريئة دون أدنى حاجة. لم يجرب تحالف الحرية والتغيير الوسائل السياسية الأخرى الممكنة للتعبير عن الرفض أو المطالب ولم يجرب المجلس العسكري سوى الوسيلة الوحيدة التي ظلت دولة الجنرال البشير تستخدمها في كل مرة وهي قتل المتظاهرين. إن تجاوز هذه المأساة غير ممكن للأبد، لكن اإجراء تحقيق قضائي نزيه وشفاف ومحاسبة جميع الجناة وفقاً للقانون وجبر الأضرار ضروري جداً وحتمي لتحقيق الحد الأدنى الممكن من التعافي والتعايش السلمي الذي يرعى الوطن وحقوق المواطن وينظر إلى المستقبل.


من الضروري في هذه اللحظة من السكون أن نعيد قراءة المشهد السياسي بحياد واستقامة واستقلالية فإن سكت الجميع عن الحق ضاع الحق نفسه!
تقود التيار المناهض للمجلس العسكري الانتقالي، الذي يتولى السلطة الفعلية الآن في البلاد، مجموعة قوى الحرية والتغيير ولأجل فهم جيد لهذه القوى ينبغي أن نقوم بتفكيكها إلى عناصرها الأساسية (وهو واجب ثقيل وأمر ممل) ولكن لا مناص منه لأجل البناء على أساس متين وراشد. يتشكل الموقعون على إعلان الحرية والتغيير من عدة تحالفات أهمها: قوى نداء السودان وتتشكل من ٨ أحزاب سياسية و٣ حركات عسكرية ترفع السلاح، قوى الإجماع الوطني وتتكون من ١١ حزباً وتجمعاً سياسياً، وتجمع المهنيين ويضم ١٦ تنظيماً فئوياً، ومبادرة المجتمع المدني وتشمل ٢٧ تشكيلاً، وينضاف إلى التحالفات الثلاثة هذه عدد ٢٢ تنظيماً حسبما توفر لدي في آخر إحصائية ليصبح عدد جميع القوى الموقعة على الإعلان هو حاصل جمع ٨+٣+١١+١٦+٢٧+٢٢ أي ٨٧ (سبعة وثمانين تنظيماً).
يمكن إعادة تصنيف هذه القوى ضمن ثلاث مجموعات هي:
١ـ الأحزاب السياسية ذات الحضور المتباين في الشارع وهي الأمة، الشيوعي، المؤتمر السوداني، الحركة الشعبية ـ عقار، وحركة مناوي، وحركة جبريل إبراهيم.
٢ـ الأحزاب الاتحادية المنشقة عن الحزب الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني وعن الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الدكتور أحمد بلال وهي (أحزاب الاتحاديين المستقلين، الوطني الاتحادي الموحد، الحركة الاتحادية، الاتحاديين الأحرار، الاتحادي الديمقراطي العهد الثاني، التيار الحر، الاتحادي الديمقراطي الثوري، بالإضافة إلى اتحاديين معارضين غير منضوين تحت أي من الأحزاب المذكورة).
٣ـ أحزاب البعث وهي حسب أسماء قادتها البعث يحيى الحسين ، البعث السنهوري، البعث التجاني، البعث بولاد.
٤ـ تشكيلات معروفة لكنها فضفاضة وغير مؤثرة مثل الحزب الجمهوري، والليبرالي، والجبهة الوطنية العريضة، ومبادرة لا لقهر النساء، وسكرتارية مبادرة الشيخ أزرق طيبة وما شابهها.
٥ـ تشكيلات فئوية وسياسية غامضة مثل جمعية اختصاصيي الإنتاج الحيواني، وتجمع التشكيليين، وتجمع النساء السياسيات، وحزب حشد الوحدوي بزعامة الكابتن، واللواء الأبيض، ومنظمة النيل للمياه ونزاعات الأراضي، وتيار الوسط للتغيير، ومنبر المغردين السودانيين، والكيان النوبي الجامع على سبيل المثال فقط إذ تتجاوز القائمة السبعين وحدة تقريباً.
أغلب هذه القوى باستثناء القوى المذكورة في الفئة (١) لا وجود لها وهي عبارة عن تنظيمات يقودها فرد واحد أو أفراد محدودون أو هي واجهات لأحزاب أخرى وهذا تكتيك معروف في السياسة السودانية يمكننا تسميته بتكتيك (تكبير الكوم).
أثبتت جميع هذه القوى أنها قوى مؤقتة ليست لديها قواعد شعبية وهي تعتمد بكاملها على جمهور مختطف ومؤقت هي أول من يعلم بأنه جمهور ليس لها ولا يعرفها، وهو جمهور الشباب المعتصمين والمتظاهرين والذين كانوا يمثلون أنفسهم بشكل رئيسي ويعبرون عن تطلعاتهم الخاصة دون التزام حزبي من جانبهم. باستثناء القوى المذكورة في الفئة (١) فإن جميع هذه القوى الفردية لم تعقد أي اجتماع لقواعدها ولم تستأنس برأي منسوبيها ولم تصدر أي بيانات بأسمائها حول القضايا الراهنة وبقي زعماؤها ضمن التحالف الفضفاض (ستار العيوب) يوقعون معه ويستترون خلفه من عار الانبتات السياسي، وعدم العثور على عضوية، أو دار، أو منبر بل إن غالبيتها لا تملك حتى صفحة في (الفيسبوك) حيث بوسع كل من هب ودب وزحف وقفز الحصول على صفحة ومعجبين!


تسهم معرفة التنظيمات الموقعة على إعلان الحرية والتغيير في تمكيننا من قراءة أوضح وفهم أفضل لمحتوى الإعلان نفسه والذي أستطيع القول بضمير مستريح بعد عدة قراءات إنه إعلان دون الطموح ودون التطلعات وأقل من سقف الاسم الباهي الذي أعطي له.
يمكننا تقديم قراءة تمثيلية (tiveRepresenta) لبعض محتويات الإعلان بغرض تقديم صورة مصغرة له فقد اهتم البندان الأولان فيه بقضية السلطة بشكل مطلق فدعا الأول إلى تنحي الرئيس (السابق) البشير فيما دعا الثاني إلى تشكيل حكومة قومية من كفاءات وطنية بـ(توافق جميع أطياف الشعب السوداني) تحكم لأربع سنوات وهي عطية شديدة السخاء من قوى الحرية والتغيير لأنفسهم. لقد تم لاحقاً التوافق على استبعاد القوى السياسية التي كانت تشارك النظام السلطة لحظة سقوطه وهو تدبير انتقائي قصد به حماية القوى السياسية التي شاركت النظام السلطة والعمل في مؤسساته وفق اتفاقيات شراكة تمت من وراء إرادة الناخبين (مثل الحزب الشيوعي، والبعث، والأمة، والتحالف) واستبعاد قوى ذات نفوذ انتخابي وجماهيري لا يمكن تجاهله وهو الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، والمؤتمر الشعبي، والمؤتمر الوطني الذي كان حاكماً. في هذه الدوامة يجدر بنا طرح السؤال: كيف تم تسكين جبهة الشرق التي وقعت على الإعلان في هذا التحالف وهي التي ظل ممثلوها ضمن حكومة الرئيس البشير حتى لحظة الانقلاب العسكري الحاسم؟
ربما يناسب الأمر أيضاً أن نذكر بأن طول الفترة الانتقالية المحدد بأربع سنوات يماثل دورات الحكم المنصوص عليها في أغلب دول العالم ويتجاوز عدد السنوات التي يسمح بها الاستحقاق الانتخابي في عدد من الديمقراطيات الراسخة مثل أستراليا ونيوزيلندا.
افتقر الإعلان لأي منهج لتحديد مهام فترات الحكم الانتقالية وخلط خلطاً مريعاً (أسهم فيه الغرض وضعف الخبرات) بين تلك المهام ومهام الحكومات ذات التفويض الانتخابي. لو اهتم قادة الحرية والتغيير قليلاً بقضية الحكومة الانتقالية بما يتجاوز تسكين أنفسهم وأصدقائهم في الوظائف السامية وتوفروا لبضعة أيام للقراءة والتأمل في إرث العالم من الحكومات الانتقالية لأدركوا بكل بساطة أن الحكومات الانتقالية هي نسق قانوني مؤقت لأداء مهام محددة لا تشمل بأي حال من الأحوال القائمة الضخمة للمهام التي قرروا وضعها على ظهر حكومتهم المشتهاة. باستثناء البند الرابع المتعلق بالانتقال من نظام الحزب الواحد والبند التاسع المتعلق بعقد المؤتمر الدستوري فإن أغلب المهام المذكورة تدخل في صميم واجبات الحكومات المنتخبة.
وردت فقرة غامضة عن وقف كافة الانتهاكات ضد الحق في الحياة فوراً، وهذه العبارة مقصود بها في أدبيات حقوق الإنسان إلغاء العمل بأحكام الإعدام وأغلب الظن أن ورودها بهذه الصيغة كان مقصوداً به مغازلة المنظمات الحقوقية الغربية لأن هذه النقطة على وجه التحديد لم تثر في مطالب المتظاهرين ولا في برامج القوى السياسية، والسؤال هو هل كتبت هذه الفقرة، بل كل فقرات الإعلان، استجابة لحاجة ومطالب الجماهير أم ما تيسر فقط في أذهان الذين كتبوها؟
اختتم الإعلان فقراته بالتأكيد على أنه يبقى مفتوحاً للإضافة دون تحديد أي صيغة للتوافق على الإضافة، وهل ستتطلب الإضافات إعادة توقيع الجهات الموقعة وما إلى ذلك من الإجراءات النظامية التي لم يسعفها قلة زاد الكاتبين من التجربة السياسية، وقل محصولهم من المعارف الوافرة في هذا الجانب.


يجدر التكرار هنا في ظل سطوة محاكم التفتيش السياسية الحالية أن نقول إن عملية فض الاعتصام وما صاحبها من قتل للأنفس البريئة تعتبر جريمة متكاملة الأركان ولا بد من تحقيق ومحاكمة المتورطين فيها ولا بد من كبح جماح وضبط القوات التي تتحرك الآن في الشوارع بحيث تتعامل وفق ضرورات حفظ الأمن في الأماكن السكنية دون تحويل هذه المناطق إلى ساحات للحرب والعمليات. اتفقنا؟
صاحبت عملية الاعتصام في ميدان القيادة العامة أخطاء فادحة يتحمل مسؤوليتها قادة تحالف الحرية والتغيير الذين باعوا الجماهير بضاعة فاسدة بأن البقاء في الميدان هو المفتاح الوحيد للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة لهم (ولهم وحدهم فقط) دون أن يشرحوا للجماهير أن قدرتهم على لي ذراع الجيش والقوات النظامية الأخرى محدودة للغاية.
استخدمت ساحة الاعتصام المواجهة لمبنى القيادة العامة للجيش كمنصة لاستفزاز الجيش والإساءة إليه من خلال المايكرفونات واستضافة قادة الحركات المسلحة الذي يواجهون الآن نفس هذا الجيش في مناطق العمليات ويرهقون البلاد شططاً ويستنزفون مواردها. ما كان من اللائق السماح باحتفالات عملية الذراع الطويل وهي التي قدمت فيها القوات النظامية شهداء وجرحى دفاعاً عن أمان واستقرار من اعتصموا في الميدان! ما كان من اللائق رفع شعارات القوى المسلحة المتمردة والتغني ببطولاتها وأمجادها! ما كان من اللائق السماح للعديد من رموز العمل المسلح المتمرد على الدستور والقانون أن يشاركوا في فعاليات الاعتصام وأن يتجولوا فيه كمنطقة محررة أمام سمع وبصر حراس الدستور والقانون وحماة الأرض والعرض و(الحارس مالنا ودمنا) كما تسميهم أدبيات السلطة والتيار الرئيسي في المجتمع. كان على قوى الحرية أن تحدد موقعها من العمل المسلح ضد الدولة كأولوية ملحة.
ساهم قادة الحرية والتغيير في استخدام فئات ضعيفة وحرقها كوقود بشري رخيص الثمن فقد سمح بمشاركة أطفال كثر في الاعتصام بل في أنشطة الاعتصام من حراسة للمتاريس وتفتيش وهتاف وغير ذلك وهو عمل يفتقر للحكمة والاستقامة والأخلاق. كما سمح بتجييش الفقراء والمعوزين والمشردين والكثير من فئات المجتمع الأقل حظاً واستخدامهم كأرقام فقط لزيادة عدد المعتصمين، وسمح بجذب تلك الفئات بتوفير الغذاء والمأوى والحصص الدراسية والإدماج المؤقت في المجتمع مقابل المشاركة في الاعتصام. لقد قضى العديد من الأطفال والضعاف نحبهم أو أصيبوا بجراح في الجسد أو في الأرواح كما تنقل الأخبار من ساحات الاعتصام ودون أي محاولة لتبرئة من أطلق الرصاص عليهم فإن العدل يستوجب محاسبة من سمحوا بوضعهم أمام الرصاص بينما احتموا هم أنفسهم بالسواتر الخرسانية.


ثم ماذا بعد؟
لن تنجح الوساطات (دولية أو محلية) في التقريب بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير وهذا أمر متعلق بديناميات النزاعات والتفاوض سنعود إليه في كتابة لاحقة لذا فإن التعويل على وساطة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أو وساطة دول الترويكا وغيرها هو محض غرس لا يجدي ولا يرجى له ثمر. على جميع الأطراف العودة الآن بشكل عاجل للتفاوض والتوافق على قضايا رئيسية وهي الإعلان الدستوري الذي ينبغي أن يكون الحكم بين مؤسسات السلطة الانتقالية ، وتشكيل الحكومة، وتأسيس جهاز تشريعي محدود العدد بحيث يشمل تمثيلاً متوازناً لجميع القوى السياسية والمكونات الاجتماعية السلمية والتي توافق على الإعلان الدستوري وليس حصرياً فقط بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.