تراسيم ||عبدالباقي الظافر

الوزيرة!!

شارك الخبر

أغمضت المسؤولة الرفيعة أعينها.. مددت جسدها المنهك على الكرسي الدوار.. العاشرة مساء.. مطلوب منها اختيار وزيرة شابة.. المهمة بدأت سهلة.. كلما استعرضت اسما نسويا وجدت (فيتو) داخلي يمنعها.. شادية إعلامية تنطبق عليها كل المواصفات.. تذكرت المسؤولة لسان شادية السليط.. في آخر مؤتمر عام قدمت نقدا لاذعا لتجرة المرأة.. آمال تبدو مناسبة ولكنها تفرط في الاهتمام بزينتها.. تثابت المسؤولة همت بمغادرة المكتب.. فتحت الدولاب لتحمل مفتاح العربة فسقط ملف أمام أعينها.. لمحت عليه صورة شابة وقورة.. جاءها إحساس بأن السماء أرسلت هذا الملف ليعينها.. حملته إلى المنزل لتنظر في أمره.
صاحبة الملف كانت تنام في منزل أحد أقاربها في الدروشاب.. حفيت أقدامها في سبيل الظفر بوظيفة.. آخر محاولاتها كانت ظهر أمس في التلفزيون.. قدمت تصورا لبرنامج يهتم بحياة مواطني الريف.. مدير البرامج لم يفتح التصور.. أخبرها أن موظفيه لم يصرفوا مستحقاتهم منذ ثلاثة أشهر.. بدأت تشعر بأنها تواجه تميز جغرافي.. خدمت هذا التنظيم بكل جهد لأنها من الأقاليم.. لا أحد يستوعب ظرفها.. قررت أن تعود إلى ذويها بسنار.. حسنا ستتصل غدا بشقيقها ليرسل لها رصيد في هاتفها.. قالت لنفسها: تحويل الأموال أفضل خدمة  قدمتها شركات الاتصال.. العودة إلى سنار كان هذا قرارها الأخير.
هذا الصباح يبدو مختلفا.. الجو صحوا من الأفضل أن تؤجل رحلتها قليلا.. قبل أن تحسم أمر سفرها كان الهاتف ينبئها باتصال.. الأستاذة تريدها عند التاسعة ونصف صباحا.. لم تصدق أذنها.. قالت للسكرتيرة “أنتِ متأكدة انها تطلبني شخصيا”.. كل ما تتذكره أن أحد أقاربها كان قد وعدها بالتوسط عند المرأة الحديدية.
عربة الأمجاد تتباطأ في الزحف نحو الخرطوم.. عشر دقائق تفصلها  عن معانقة المستقبل.. الشابة تقلق.. أول موعد مهم في حياتها ستفسده هذه السيارة الصغيرة.. فكرت أن تنزل وتهرول على أقدامها.. سكرتيرة الأستاذة تتصل مرة أخرى تطلب منها ضرورة أن تصل في الموعد المحدد.
سائق الأمجاد يتعاطف مع الموقف يتخذ طريقا آخر.. عندما أنجز مهمته دست في يده عشرين جنيها.. أراد أن يمنحها الباقي ولكنها لم تنتظر وانصرفت.. موظف الاستقبال لم يحتج غير أن يسمع اسمها ثم يهرول معها إلى مكتب الأستاذة.
وصلت إلى بغيتها.. لم يفصلها عن الموعد سوى دقيتين.. جلست على كرسي الوثير لتلقط أنفاسها.. السكرتيرة منحتها كوبا من (الكركدي) مصحوبا بمنديل أبيض لتزيل به قطرات العرق من وجهها.. أخبرتها أن الأستاذة تتحدث مع القصر لذا عليها الانتظار.. خفق قلب الشابة.. بدأت تحدث نفسها إذا خيرت في الوظائف فستختار التلفزيون.. تريد أن تقهر ذاك الرجل الذي لم يكلف نفسه ويقرأ تصورها الإعلامي.
أخيرا وجدت نفسها وجها لوجه أمام المرأة القوية.. أول إحساس غمرها بأن الأستاذة إنسانة بسيطة وطيبة.. الإعلام  دائما يقدم الساسة في صورة فيها كثير من المبالغة.. سألتها عن خبراتها.. لم تجد الشابة غير سيرة طويلة في خدمة التنظيم.. سؤال المعاينة الثاني كان الحياة الاجتماعية.. لم تتردد الشابة في توجيه صوت اللوم لإخوان التنظيم الذين انصرفوا عن الأخوات في الوقت الحرج.
استدارت السيدة الحديدية في اتجاه الشابة وأخبرتها “اخترناك وزيرة”.. ردت الشابة تحت وقع الصدمة والذهول “لا.. لا”..السيدة القوية ردت بحسم “هذا الأمر لا نوليه لمن طلبه.. تهيأ لأداء القسم صباح يوم غد”.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.