تراسيم || عبدالباقي الظافر

متى يستقيل النائب العام..!

شارك الخبر

“هل تعلم يا أستاذ أن الطعام قد تم استيراده من دبي”.. كانت محدثتي تلومني على مقال أتلف حفل عشاء باذخا.. القصة تعود إلى أبريل ٢٠١٧ حينما دعانا رئيس القضاء الراحل لتشريف حفل عشاء على شرف انعقاد مؤتمر القضاة الأفارقة الأول المنعقد وقتها بالخرطوم.. لفت نظري أن صاحب الدعوة الأصيل رجل أعمال معروف.. وشد انتباهي أن المضيف كان له خصومة مشهورة في أروقة المحاكم.. في يوم الاحتفال كتبت مقالا (لا توجد عدالة بعد الحفل).. لم يتردد مولانا حيدر دفع الله رئيس القضاء في إلغاء الحفل المشار إليه.. تم إلغاء المناسبة رغم تكبد صاحبها لمشاق غير يسيرة.. إنه الإحساس بالعدالة وما يمكن أن يؤثر عليها وإن كان طبق طعام على شرف ضيف زائر.
بالأمس هدد النائب العام الوليد سيد أحمد بالاستقالة إن تدخلت السلطة التنفيذية في أعماله.. فمن باب النصيحة علينا أن نلفت انتباه مولانا النائب العام إلى أن التدخل قد حدث مثنى وثلاث ورباع.. قبل أسابيع أرسل أحد وكلاء النيابة قوة شرطية للقبض على الفريق صلاح قوش من منزله.. تم اعتراض القوة الشرطية من قوة أخرى أكثر بطشا وأعلى كلمة.. لزم النائب العام الصمت.. اضطر أهل النيابة العامة لإعلاء صوتهم عبر نادي النيابة العامة.. كان حريا بالنائب العام وقتها أن يستقيل حينما تجاوزت السلطة التنفيذية الخط الفاصل بينها والعدالة.
منذ تلك اللحظة تأكد للحكام الجدد أن العدالة مازالت تعمل بالتوقيت القديم.. فبات من السهل التجرؤ على دعوة رئيس القضاء والسيد النائب العام لحضور اجتماع تنفيذي في مقر وزارة الدفاع حيث ضاع وقار السلطة العدلية.. السلطة القضائية ومثلها النيابة العامة تتمتع بالاستقلال الذي لا يسمح لها برد التحية إن ألقيت عليها.. بل ربما امتد أمر التجاوز إلى الطريقة التي تم بها اختيار النائب العام حيث إن هناك قيودا غير يسيرة في هذا الصدد وذلك من أجل الحفاظ على سيادة القانون.
التدخل الثالث كان في الخروج على التفويض الممنوح للقوات المشتركة في فجر الثالث من يونيو المنوط بها فُض الاعتصام.. كان ينبغي على تلك القوات إلا تستخدم السلاح إلا بأمر واضح ومسبب من وكيل النيابة.. ولكن لم يحدث ذلك.. حتى أن وكلاء النائب العام اضطروا للانسحاب تحت وابل الرصاص حفاظا على سلامتهم.. كان مطلوبا من السيد النائب العام أن يُطلع عموم السودانيين في تفاصيل ما حدث ولكن مولانا التزم الصمت وربما السلامة.. بل شرع في تنظيف مسرح الجريمة عبر الاهتمام بما حدث من تفاصيل دامية يوم الاعتصام.
قبلها التزم مولانا النائب العام الصمت والفريق البرهان يعلن في بيان عسكري أنه وجه النيابة بإجراء تحقيق شفاف في ما حدث من عنف صاحب فُض اعتصام شارع النيل.. ربما لم يكن الجنرال الجديد يدرك أن الموظف الذي عينه بمرسوم يتمتع بصلاحيات أن يقول له لا.. لكن كيف يغيب ذلك على رجل في مقام النائب عرك العمل في أروقة النيابة لسنوات طويلة.. بل الحقيقة أن مسيرة الرجل كانت حافلة بالمهنية وإعلاء كلمة الحق في كل المحطات التي عمل بها قبيل اختياره في المنصب الأهم في واقع السودان هذه الأيام.
بصراحة.. كان المتوقع أن يستقيل السيد النائب العام بالأمس.. بعد كل ذلك ربما من العسير أن تتخذ النيابة العامة مواقف مستقلة في تحقيق العدالة.. السيد النائب العام سيكون مشغولا بتبرئة ساحته من كل ما حدث.. إن لم يستقل سيبحث الناس عن جهة أخرى لتصحيح أوراق العدالة في السودان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.