تراسيم|| عبدالباقي الظافر

هل يشتري حميدتي الجمل بما حمل..!!

شارك الخبر

معظم المراقبين اتفقوا أن خطاب الفريق حميدتي أمس الأول في منطقة قري منزوع من كتاب الإنقاذ القديم.. حتى شعارات التجاوب من الجمهور كانت تشابه الهتاف الإنقاذي المعتمد على التهليل والتكبير.. ارتدى حميدتي في تلك الأمسية عباءة المشير البشير في دغدغة العواطف بلغة شعبية تحمل البشريات في التمنية والاستقرار وراحة البال.. وترد المصاعب إلى كيد الخارج وتربص المتآمرين ثم ترد الأمر من بعد ومن قبل إلى المولى عز وجل.. كما جنحت ذات المخاطبة إلى ازدراء الخصم والتقليل من شأنه.

لكن ذات الخطاب المصنف في إطار الملكية الفكرية للحكومة السابقة يولد أسئلة.. هل جاء فقط بسبب أن حميدتي كان ابن تلك المؤسسة الوفي والذي ترعرع في تلك البيئة فحق له أن يرث الخطاب وفصل القول.. أم أن الأمر سيكون انتقاليا حتى يبتدع الشاب الوافد إلى الميدان السياسي لغته الخاصة.. هل بالإمكان لرجل بمواصفات حميدتي أن يتماشى مع لغة الثوار القائمة على خطاب مدني يبعد نفسه عن نفس الخطاب الديني التقليدي.. ويسوق ذاته عبر تبني شعارات فضفاضة متمثلة في الحرية والعدالة الاجتماعية.. وربما كان من الأسهل لحميدتي أن يستلهم روح الهامش والتي تمرد ذات يوم بسببها وشق عصا الطاعة على الحكومة.

كل تلك الأسئلة تعتبر خيارات كان بإمكان الفريق حميدتي تبني أي منها.. بل يبدو أن نغمة حميدتي الأولى عقب الثورة كانت تميل للاصطفاف مع الثوار في وجه جنرالات المؤسسة العسكرية.. لكن حميدتي انحرف عن ذاك المسار بعد أن ذاب داخل المجلس العسكري التقليدي والمكون من جنرالات العهد القديم والذين اضطروا للانحياز للشارع بعد تبين لهم أن حكومة البشير باتت من الآفلين.. المواجهة التي حدثت بين الثوار والعسكر أجبرت حميدتي إلى إعادة حساباته السياسية.. فقد تراءى له أنه سيكون كبش الفداء الثاني إن نجح الثوار في تكوين حكومة مدنية قوية.. إعادة هيكلة القوات المسلحة وربما إعادة النظر في قوات الدعم السريع كانت ستكون من الملفات الساخنة أمام الحكومة المدنية.. حميدتي يعلم أن ما بناه من مجد وسلطان كان اتكاءً على هذه البندقية والتي له فيها مآرب أخرى.. هنا انسد باب التواصل بينه والثوار.

في الجانب الآخر، يعتقد حميدتي أن هنالك ثمانية ملايين مواطن منتظمين في كيان سياسي فقط يبحث عن قائد.. تلك الإحصائية في تقدير مؤيدي حزب المؤتمر الوطني جاءت على لسان حميدتي في أكثر من خطاب سياسي.. كما أن معظم عشيرة حميدتي الأقربين هم من أبناء ذاك التنظيم.. فبدلا من أن يكون الرجل تنظيما سياسيا يتبنى قضايا الهامش فمن الأفضل أن ينصف الهامش بعد الوصول إلى المركز.. تحقيق ذاك الهدف لا يقتضي في وجهة نظر حميدتي غير إعادة طلاء مقار المؤتمر الوطني وبعض الأبدال في الاسم القديم.

في تقديري أن الفريق حميدتي راهن على البعير الخاسر.. كل الحسابات تقول إن بإمكان حميدتي أن يكون صانع الملك.. ومن الصعب عليه أن يجلس على العرش بناء على معطيات أخرى سنعود لها في وقت لاحق.. من الصعب إعادة الحياة لذاك الحزب الهالك.. حلفاء حميدتي في الإقليم لن يقبلوا أحياء الحركة الإسلامية وإن كان ذاك في نسخة جديدة لا علاقة لها بالتنظيم الإخواني.. الأمر الآخر أن من الصعب إعادة تسويق الحركة الإسلامية للسودانيين بعد تلك الحملة الإعلامية التي شنت عليها حتى ولدت ثورة شعبية.. حتى إن تمكنت الحركة الإسلامية للعودة للمسرح باسم جديد فلن تختار حميدتي على رأس قيادتها.. فقط ستحاول الحركة استغلال الجنرال حميدتي للتغلب على مصاعب الحياة في مناخ الثورة الجديدة.

بصراحة.. الذي يهدد حميدتي هو ذاك الطموح الجامح.. معارك الحياة تختلف عن المعارك العسكرية التي خاضها حميدتي وكُتب له النصر.. ما يحتاجه حميدتي مستشار جيد يحدد له بوضوح السقوف السياسية المتاح الوصول إليها بلا خسائر فادحة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.