حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

اللويا جيرقا

شارك الخبر

(1 )
عندما رأى الإنجليز أن الأحزاب في السودان يمكن أن تكون أوعية سياسية ينتظم فيها المواطنون السودانيون فكروا في إنشاء حزب موال لهم بدلاً من الاعتماد على ولاء الزعامات كأفراد فأنشأوا الحزب الجمهوري الاشتراكي ليكون قوامه زعماء القبائل في السودان من نظار ومكوك وشراتي وملوك ودمنغاويات ورثوث –مفردها رث- والذي منه وأقنعوا بعض المثقفين ليشكلوا أمانة عامة لذلك الحزب وبالفعل خاض الحزب انتخابات 1953 ولكنه لم يوفق إذ نال ثلاث دوائر فقط ويرجع ذلك إلى أن الإنجليز لم يخلصوا للفكرة إذ زهدوا فيها بمجرد بداية التنفيذ لأسباب تخصهم كما أن السيدين كانا لها بالمرصاد لأنها كانت على حسابهم خاصة السيد عبد الرحمن ويضاف لذلك قوة المتعلمين في الأحزاب الأخرى. المهم في الأمر ولأسباب ذاتية نامت الفكرة ومات الحزب إكلينيكياً فلم يظهر في انتخابات 1958
(2 )
من سوء حظ هذا السودان المنكوب أن تاريخه يمضي دائرياً كان المضي للأمام محرماً عليه وذلك بما كسبت أيدي مواطنيه فها هي فكرة الحزب الجمهوري الاشتراكي تطل هذه الأيام (الخالق الناطق) فالمجلس العسكري الانتقالي (هسي أنا قلت انقلابي؟) ممثلاً في نائب رئيسه ينشط وبإصرار وقناعة في تجميع الإدارات الأهلية من كافة أنحاء السودان مضافاً لها السجادات الصوفية(في حتة الصوفية لدينا وقفة في مقبل الأيام إن شاء الله) إن شاء الله ليجعل منهم حزباً يتكئ عليه بصفته الشخصية وصفته المؤسسية وسمعنا تحت إنه تم الاتفاق على تسميته (الحزب الأهلي السوداني) ولا شك أن هذه التسمية فيها ذكاء مقارنة بالإنجليز الذين اسموا حزبهم الجمهوري الاشتراكي ففي هذه مفارقة. هذا الحزب الأهلي الجديد لا يحتاج لمتعلمين من خارجه ليكونوا له أمانة عامة أو يدخلوا به القطاع الحديث لأن إدارات الإدارة الأهلية الحالية معظمها متعلمة كما أن أسرها تعج بالشهادات العليا هذا بالإضافة للدعم المالي السخي المبذول للحزب الجديد أما من ناحية موضوعية فحالة السيولة قد تفتح له مساحات تحرك واسعة عليه لن نبعد النجعة إذا قلنا إن هذا الحزب ليس بالضرورة أن يكون مصيره مثل سلفه في الخمسينيات وقد تقام له انتخابات برلمانية مبكرة ليصبح البرلمان القادم برلمان قبائل وعشائر مثل البرلمان الأفغانستاني المسمى اللويا جيرقا.
(3 )
من ركائز الليبرالية حرية التعبير وحرية التنظيم فلن يستطيع أحد أن يحجر على الآخرين الانتظام في أي شكل من الأشكال التي يريدونها ولكن ظهور الحزب المشار إليه أعلاه فيه معاكسة للسير عكس عقارب الساعة. لا أحد ينكر وجود القبيلة في السودان ولا أحد ينكر دورها على المستوى المحلي القاعدي, ولكن السودان قطع شوطاً في طريق دولة المواطنة ولم تعد القبيلة في كثير من أنحاء السودان هي مصدر الحقوق أو الواجبات فعقد المواطنة أصبح من الدولة مباشرة فلماذا الارتداد للولاءات الأولية ؟ والأخطر من ذلك أن القبلية في السودان مرتبطة بالجغرافيا مما يعني بروز الجهوية الضيقة ليس هذا فحسب بل للقبيلة أبعاد عنصرية. كل هذه المخاطر وغيرها تجعلنا ندق ناقوس الخطرمن القادم الجديد لا بأس من وجود القبيلة كانتماء عاطفي يساعد الناس على القيام بالأعمال الطوعية والخيرية أما إعادة إنتاجها لتنازع الدولة الولاء فهو تقدم إلى الخلف وانتهازية سياسية تجعل منها سلماً للوظيفة السياسية ولن ينال المواطن العادي منها إلا الحصرم ولن ينال الوطن منها إلا التشرذم والمزيد من التخلف فاعتبروا يا أولي الأبصار..

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.