حاطب ليل||د.عبداللطيف البوني

وغداً أمر

شارك الخبر

(1)
عَمّنا حاج نورين رُزق مولوده الأول بعد عدة سنوات من زواجه فكانت فرحته لا تُوصف، إذ نحر الذبائح، ووزّع الأشربة والمشروبات، وأقام الاحتفالات، فكبر المولود وصار صبياً، ولكنه كان (أشتراً)، فكان كلما يأتي بتصرُّفٍ من تصرُّفاته الخرقاء يقول له (أريتني أَكَان يُوم داك نُمت ساكت)، عندما يذكره الناس بفرحته بقدومه يرد بالقول: (يا جماعة أنا ما بعلم الغيب، أنا كنت فرحان عشان طَلعت من الاسنة)، أما الاسنة فيسأل عنها ناس لعبة الوست في الكوتشينة.
أها يا جماعة الخير دا حالنا نحن مع الاتّفاقية بين قحت والمجلس العسكري في ليلة الجمعة الأول من أمس، إذ كان لِزاماً أن نفرح بها (للطيش)، لذلك (غنّينا وفرحنا وأمسينا وصبحنا) لأنّها سوف تنهي فترة عصيبة من تاريخ بلادنا المُعاصر.. فترة كانت فيها البلاد على حافة الهاوية كَمَا وصفها المبعوث الأمريكي تيبور ناجي، فترة كَانَ يُمكن أن تنتهي بحمل السُّودانيين للبقج والضرب في بلاد الله كما قال الطيب مُصطفى وإبراهيم الشيخ، فترة كَانَ يُمكن تنتهي أن بحربٍ أهلية كما قال الصادق المهدي.. كان لِزاماً أن نفرح مَع عَدم استبعادنا لها بأنّها قد تطلع (ماسورة) وبهذا نترسّم خُطى الشاعر الملك الضليل, امرؤ القيس عندما بلغه نبأ اغتيال والده (اليوم خمر وغداً أمر).
(2)
عندما تَمّ الإعلان عن الاتّفاقية في ساعةٍ مُتأخِّرة من (الليلة ديك) كتمت سعادتي بها، وأُصدِّقكم القول إنّني قد خَشيت من ردة الفعل الرافضة، لأنّه في هذه الأيام اللا منطق واللا عقل هو سيد الموقف، فأي مُتطرِّف يُمكن يهيج العواطف ويسوق الناس في الاتّجاه الذي يُريد، لذلك طفقت أتجوّل بين القنوات وَهَاجَرت الى مكانٍ يَتوفّر فيه الإنترنت لمُتابعة ما يقوله الإعلام الاجتماعي, وأشهد الله أنني قد ذُهلت من الفرجة العارمة التي اجتاحت البلاد، فأيقنت أنّ صَوت العَقل مَازال مُتحَكِّماً فِي سُلُوك وتصرُّفات الناس، فلا يُمكن للأمة أن تجتمع على ضلالة.
إنّ هذه الفرحة الكبيرة ليست تَعبيراً عَاطفياً خاطفاً بل هي السِّياج الذي سوف يحمي هذه الاتفاقية من التّفلُّت, هذه الفرحة هي الأعمدة التي سوف تثبت هذه الاتفاقية من الانهيار، هذه الفرحة هي العين الحمراء التي تُحذِّر كل من يُحاول التّلاعُب بهذه الاتفاقية, هذه الفرحة هي الراية الحمراء التي سوف تُرفع في وجه كل من يُحاول الاعتداء عليها.. لقد كانت هذه الفرحة استفتاءً شعبياً حقيقياً على قُبُول الاتفاقية، فالشعب أدرك بحِسِّه الذكي أنها خيار الصفر.
(3)
أرجو مُلاحظة أنّنا لم نتكلّم عن الاتفاقية حتى الآن، بل تكلّمنا عن ردة الفعل السّعيدة التي قابلها بها الشعب، وكما يُقال الغريق يتمسّك بالقَشّة، فإنّنا تَمسّكنا بقشّة الفرح هذه، لأنّنا نعلم أنّ هذه الاتفاقية سوف تسير في حقول ألغام داخلية وخارجية، لا بل من المُوقِّعين عليها, هذه الاتّفاقية عبارة ضَوءٍ في آخر نَفقٍ مُظلم طَويلٍ, هذه الاتّفاقية سَوف تتعرّض لمَطَبّات ما أُنزل بها من سُلطانٍ، ولكن مع ذلك يجب أن نفرح بها ونطلب من الشعب أن يزيد من فَرحه بها للمزيد من التّمسُّك بها ونطلب من المُوقِّعين عليها إخلاص النِّيَّة للاتفاقية، فالنِّيَّة زاملة سيدها.
وغداً إن شاء الله ندخل في الغريق، واللهم أحفظ السودان وأهل السودان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.