حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

احذروا الطلقة الأولى

شارك الخبر

(1)
نحن في السودان نهوى أوطانا هذه واحدة، والثانية إن رحلنا بعيد نطرى خِلانا، أمّا الثالثة فهي أنّنا لا نُجيد العَمل الجماعي، فأيِّ عَملٍ في شكل مجموعات لا يُعمّر طَويلاً بما في ذلك الفرق الفنية، ولكن يَبدو أنّ كتلة قِوى الحُرية والتّغيير سَوف تَجعلنا نُعيد النّظر في هذه المسلمة – بفتح اللام الثانية وتشديدها –، فهذه الكتلة رغم أنّها نشأت وعَملت في ظُروفٍ ضَاغطةٍ ظلّت مُتمَاسِكَةً وأدارت تبايناتها بنجاحٍ إلى أن وصلت بالبلاد هذه المَرحلة المُهمّة – مرحلة اتّفاقية الخامس من يوليو – فإذا استطاعت هذه الكتلة إكمال مُؤسّسات الحكم الانتقالي وبدأت سفينة المرحلة الانتقالية في الإبحار، ستكون قد قدّمت للبلاد نُمُوذجاً مُوفّقاً للعمل الجبهوي المُشترك.
على العُمُوم, تجربة “قحت” سوف تكون خاضعةً لعملية تشريحية غير عادية تتناسب والإنجاز الذي سَوف تُحَقِّقه، فَمَا زال (الوقت بدري) للحكم لها أو عليها، لكن بيد أنّنا نتمنّى أن ينطبق عليها المَثل السُّوداني القائل: (الصبي من تبته, والعريس من بشته, والخريف من رشته).
(2)
التحدي الماثل الآن أمام “قحت” هو التّوافُق والاتّفاق على مجلس وزراء يقوم بالمَهام التّنفيذية في الفترة القَادمَة التي سَوف تبدأ بعد أيّامٍ إن لم نُقل ساعاتٍ, مجلس الوزراء القادم مجلس غير عادي لأنّه سوف يعمل على إصلاح تخريبٍ مُنظّمٍ طال كل أوجه الحياة في السودان, مجلس وزراء مُنوط به تحقيق طُموحات جيل الثورة الذي ارتفعت سُقُوفات أحلامه إلى عنان السماء، مجلس وزراء عليه يتوقّف مُستقبل السُّودان, مجلس وزراء يكاد يكون آخر الخيارات لحياةٍ ديمقراطيةٍ مُستدامةٍ.. مُهمّة اختيار مجلس الوزراء التي أعطت اتفاقية الخامس من يوليو “قحت” وزر القيام بها ليست سهلة وليست مُستحيلة, فلئن كانت اتّفاقية الخامس من يوليو اُتّهمت بالثنائية وإقصاء الآخرين، فعملية اختيار رئيس الوزراء والوزراء يُمكن أن تجعل منها اتفاقية يتشارك فيها الجميع وذلك بأن تُعلن “قحت” لكل الأحزاب بما فيها تلك التي خارج “قحت”، الدعوة لترشيح الكفاءات الوطنية المُستقلة، وتستلم تلك الترشيحات ثُمّ تختار من بينها من تُرشِّحهم للمجلس السيادي، حتى المجلس السيادي نفسه يُمكن إشراك الآخرين في اختياره بذات الطريقة أو عَرض الأسماء المُختارة للرأي العام قبل ترشيحها.
(3)
في تقديري، إنّ أهم مُواصفة في مُواصفات وجوه مُؤسّسات الفترة الانتقالية هي الاستقلالية التامة عن الأحزاب خَاصّةً في الجهاز التنفيذي.. نعم الأحزاب السِّياسيَّة تعج بالكفاءات الوطنية المُخلصة، ولكن طالما أنّ هذه الكفاءات اختارت التّحزُّب، فعليها أن تنتظر وصول أحزابها للحكم عن طريق صناديق الاقتراع، ثانياً والأهم أن مجلس الوزراء المُرتقب سَوف يَقُوم بعمل تشريعي مع المجلس السيادي قبل اختيار الجهاز التشريعي، فهذا يعني أنّ الوزير المُتحزِّب سوف يخدم سياسات حزبه، بعبارة أخرى هذا الوزير التكنوقراط المُرتقب، الظروف جعلت منه سياسياً، ففي هذه الحالة يجب أن يكون غير مُتحزِّبٍ، فطالما أنّ الحكومة الانتقالية القادمة هي التي سوف تقوم بعملية الانتخابات القادمة (قوانين وإجراءات) فهذا يعني بالضرورة أن تكون مُستقلة عن الأحزاب.. في تقديري إن اختيار رئيس وزراء مُتحزِّب وكذا اختيار وزير مُتحزِّب سيكون ذلك أول طلقة بالذخيرة الحَيّة في صدر اتفاقية الخامس من يوليو 2019م.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.