محمد عثمان (دبايوا)

ثقب أسود في نسيج الإعلام السوداني
السُّودان عاجزٌ عن الوصول للقارئ العالمي دفاعاً عن نفسه
ضرورة تأسيس وسيلة إعلامية مهنية بالإنجليزية

شارك الخبر

يتعرّض السُّودان ومنذ فترةٍ طويلةٍ لهجمةٍ شَرسةٍ من قِطاعٍ كَبيرٍ من اللوبيات وجمعيات العون والمُؤسّسات المُعادية في أوروبا والولايات المتحدة والتي بدورها تُغذِّي وسائل الإعلام في بلدانها بتقارير وادعاءات تنسجها على هواها من أجل خدمة مُبتغاها. والسُّودان المُستهدف غائبٌ عن الساحة ويفتقر حتى لصوتٍ خَافتٍ يُدافع عنه ضد الافتراءات، إذ أنّ هناك ثقباً واسعاً في نسيج الإعلام يَحُول دُون ذلك مِمّا يُثير التّساؤل والعجب حول تجاهله!
هذه مقدِّمة ومدخل لمُلاحظات من أجل وضع رؤية إعلامية وطنية، وإستراتيجية فاعلة لمُخاطبة الرَّأي العَام العَالَمِي مُباشرةً مَبنيةً عَلى رَدم الهوّة بين إعلامنا والناطقين بغير العربية. وهي مُلاحظات مبنية على خبرتي العلمية في معاهد صحافة عالمية والتجربة العملية الطويلة في الصحافة الإنجليزية ومُخاطبة الرأي العام الغربي والاحتكاك الإعلامي الدولي خارج السُّودان.
ومن أجل التّصدِّي، بنفس أسلوب الآخرين، للهجمة الإعلامية التي يتعرّض لها السُّودان، يقتضي الأمر وضع خُطةٍ ورسالةٍ مَبنيةٍ على فَهم العقليّة وباللغة التي يَفهمها الآخر، وذلك من أجل تحقيق اختراق يُمكننا من إيصال المَعلومة الصّحيحة وفضح ودَحض الأكاذيب والافتراءات بطريقةٍ إعلاميةٍ علميةٍ مدروسة. ولذا يتوجّب علينا أن نعرف كيف يُفكِّر الآخر وكيفية نظرته للأُمور لنَتعامل معه. وعلينا أن نَعلم أنّ الإعلام الغربي يقوم بنوعٍ من الفرز الآلي للأخبار والأحداث، فما وَافَقَ توجّهاته يصبح خَبراً وحََقيقةً، ومَا خَالفها يصبح مردوداً على مصدره وإن كان حقاً. وهكذا يُمكن ايجاد آلية ظاهرها المنطق ولكن تخفي في طَياتها أبشع أنواع التعصُّب والحِجر على الرأي الآخر. إنّ عدم الحياد في الإعلام الغربي مُتنوِّع الأشكال، ولكن محوره الرّئيس هو طَابِعَ الانحياز الفِكري، فَهُو لا يَملك التّفريق بين التّغطية غير المُحايدة لخبرٍ ما، وبين تَغطية الخَبر الذي يَختلف مع وجهة نظر المُحرِّر أو الإعلامي. فالصحافة الغربية قد تدّعي الحُرية قولاً ولكنها لا تستطيع مُخالفة سياسة النّاشر فعلاً.
تَأثيرٌ إعلاميٌّ مَحدودٌ
إنّ وسائل إعلامنا رغم كثرتها، كلها ناطقة باللغة العربية ورغم أعداد الصحف المهولة، فإنّها مُجتمعةً صادرة باللغة العَربية وعاجزة، لأسبابٍ عِدّة فِي الوُصُول أو التّأثير خَارج حُدُود البِلاد، نَاهيك عَن أجزاءٍ عديدةٍ داخل البلاد فهي نَمُوذج لإعلام الاستهلاك المحلي. وينطبق ذلك على تلك الوسائل العابرة للحدود فضائياً.
ووفقاً لتجربتي، فإنّ صحفنا العربية تتعامل معها الحكومات الأجنبية وذلك عن طريق السفارات وأجهزة المُخابرات، ويُعزى ذلك لعدم قُدرتها على التّخاطُب المُباشر مع الشعوب غير الناطقة بها، بسبب حاجز اللغة الذي يقف سدّاً منيعاً دُون ذلك.
ولتوضيح هذه النُّقطة، أُشير إلى أنّ ما يُنشَـر في صحفنا العربية ينشر لأهميته وفقاً لمفهوم القارئ المحلي أو العربي، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ هناك بُوناً شَاسعاً بين القارئ العربي والغربي في نوعية الاهتمامات. والخُطورة تَكمن في، مَن أين يتلقى الرأي العام العالمي، في زمن السوبر هاي وي(Super Highway) والفضائيات، معلومات وأخبار ووجهات نظر عن السودان!
مَن يُغذِّي الإعلام الغربي؟
نَحن عَاجِزون عن إيصال رسالتنا، وهُناك مَن يَقُوم بها نيابةً عنا ويكيِّفها لمَصلحته. كما ذكرت سابقاً فإنّ جميع السّفارات غير العربية لها مُترجمون يترجمون ما يرد في الصحف المحلية ما يَرُوق لكل سفارة ووفقاً لتوجُّهاتها السِّياسيِِّة. وهذه الأخبار أو المقالات المُترجمة يتم تداولها في الأقسام المُختصة ويتم رفعها في تقارير مدعومة بتحليلات أو تَعليقات اجتهادية أو مَدسوسة أو مُحَرّفة للجهات المَعنية في دُولهم ولأصحاب القرار وربما تسرّب بطريقةٍ ما لوكالات الأنباء. فإذن فإنّ الرأي العَام العَالمي يَسمع ويَرى ما تُريده السَّفارات والمُنظّمات الطوعية الأجنبية العاملة في البلاد وهي بذلك الوسيط الوحيد الفعلي بيننا والعالم الخارجي، الذي لا يقرأ ولا يَفهم ولا يَسمع إلاّ باللغة الإنجليزية.
وقصدت بهذا المدخل، عرض أهمية وجود صحيفة سودانية رسالية تصدر باللغة الإنجليزية، وتُحرّر بعقلية تفهم القارئ الأجنبي، خَاصّةً وأنّ السُّودان مُحاطٌ شرقاً وجنوباً بدول أفريقية ناطقة بالإنجليزية وهي اللغة المُشتركة الأولى في العالم اليوم.
ضرورة وسيلة إعلامية بالإنجليزية
تنص أبجديات علم الاتصال ضرورة أن يبعث المُرسل رسالة يفهمها المُتلقي، ولذا نرى ضرورة التركيز على خلق وسائل إعلامية رسالية أداتها لغة تربّعت في الفترة الأخيرة على عرش لغة التّواصُل العَالميّة بدون مُنازعٍ، فيجب علينا أن نُطوِّعها بهدف إيصال رسالتنا للآخر في الفضاء الإسفيري.
وما يجعلنا ننحاز عُنوةً لا اختياراً لوسائط إعلامية تصدر باللغة الإنجليزية، وخَاصّةً صحيفة يومية.. إنّنا من خلالها نُخاطب مُباشرةً قُرّاءً في 91 بلداً تَتَحَدّث الإنجليزية، ولا ننسى أن نُشير إلى كمٍ من دول الجوار لغتها الرسمية الإنجليزية ولا نستطيع التّواصُل المُباشر مع القُرّاء فيها.
نَحن نُعايش الآلة الإعلاميّة الرّهيبة الأمريكيّة والغربية التي تُوجِّه سهامها المَسمُومة نحو السُّودان في كل مُناسبةٍ وأخرى، وهو مَا يَسمعه العالم منها ويصدِّقه في غيابٍ تامٍ لرسالتنا الدفاعية. وأضرب مثلاً على أهمية المطبوعة الصادرة بالإنجليزية بتجارب من سبقونا. فقناة الجزيرة التي بلغت ما بلغت من شُهرةٍ بالبث باللغة العربية، لم تكتفِ بذلك الصيت العالمي، فَأضَافَت قَنَاةً ناطقةً باللغة الإنجليزية بعد سنواتٍ لتُخاطب العالم الأرحب خارج المُحيط العَربي ولتكمل رسالتها الإعلامية.
ومثالٌ آخر هو ما عَايشناه من مجموعة الصحف الصادرة بالإنجليزية في بدايات دولة الإمارات العربية المتحدة والتي سَاهمت بدورٍ مَلحوظٍ في تسليط الضوء على الدولة الوليدة وتقديمها وتعريفها بالعالم، وبالتالي خَلق صُورة جَاذبة مِمّا جعلها قبلةً وواحةً للمُستثمرين العالميين.
وأود أن أُشير هُنا إلى أنّ الصحافة العالمية لا يقتصر دَورها على الإعلام بالأخبار والتقارير فقط، بل إنّها تلعب دوراً استخبارياً مُهمّاً من أجل بلادها، وقد عايشنا ولمسنا ذلك على أرض الواقع في تجربتنا العملية خارج السودان.
التجربة المحلية
ولا أُريد الخوض كَثيراً في ما لدينا من مطبوعةٍ أو مطبوعاتٍ صادرةٍ محلياً باللغة الإنجليزية. فهي لا تتعدى أن تكون نشرة رسمية أو ترجمة إنجليزية لأخبار ومواد عربية. ويرجع ذلك لعدم وجود مُحرِّرين مُدرّبين يكتبون بالإنجليزية، فهي لذلك تعتمد كلياً على التّرجمة من العَربيّة. ويعزى ذلك لأنّها أسّست في البداية وفق هيكل الصحيفة العربية وسياستها وفق عقلية صحيفة عربية وتحريرها يفتقر للمهنية والدراية بالمنظور والرؤية الغربية للخبر واهتماماتها الاجتماعية. ولذلك لا يجذب مُحتواها القارئ العالمي، وإنّما فقط بعض السفارات، والنتيجة أنّها ذات تأثيرٍ مَحدودٍ ولا تخدم البلاد إلا إذا أُعيدت هيكلتها لتصير فعلاً صحيفة وفقاً لمَعَايير الصحف العالميّة الصادرة بالإنجليزية، ذات تأثير ورسالة ولتصبح بذلك ذراعاً مُهمّاً فاعلاً من أذرعة الأمن القومي للبلاد.
وأعلم أنّ هُناك الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية التي تُواجه البلاد حالياً، ولكن أعتقد أنّ الإعلام بشقيه الداخلي والخارجي يجب أن يكون من ضمن الأولويات التي تَحتاج إلى مُراجعةٍ من أجل خدمة وعكس التنمية البشرية والاقتصادية للبلد بصورة مثـلى.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.