بصائر عبد الباسط إدريس

طُلقاء يُرزقون

شارك الخبر

حتى لا تكون وعود المجلس العسكري الانتقالي عن مُحاسبة المُفسدين، وُعُوداً مَكرورةً لا تختلف كثيراً عن سُودان ما قبل الثّورة، فإنّ عليه بمُوجب سُلطة الأمر الواقع، التي كفلت لأعضائه تصريف شؤون الدولة، أن يصدر رئيسه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قراراً بتوقيف كل الذين ارتبطت أسماؤهم باعتداءاتٍ صريحةٍ على الأموال العامة، كما في حالة القُروض والمِنَح التي صَادقت بها بعض الدول ومُؤسّسات التمويل الإقليميّة والدوليّة.
قُروض بمليارات الدولارات، أصبح سدادها مُلزماً على حكومة السودان، تسرّبت لرجال أعمال وشخصيات معروفة، زادت بعضهم ثراءً، ورفعت البعض إلى مَصَاف رجال المال والأعمال، ولا يزالون طُلقاء يُرزقون.. يبحثون عن مَزيدٍ من الفُرص لكنز الأموال في سُودان الوجعة والفجيعة!!
شخصيات كانت وراء كل تلك التّجاوُزات، والكومنشنات والإعفاءات الضريبية التي تتجاوز مليارات الجنيهات، وحسابات ضمان رسمية لسلعٍ وخدماتٍ حيويةٍ، لم يصل بعضها للبلاد، وجَرَى تَحويلها إلى المَصَارف الخَارجيّة، عبر جرائم نَهب مُنَظّمة، كَمَا حَدَثَ في قضايا استيراد الوَقود والدّواء والقمح، واحتكار تجارة السُّكّر والتّلاعُب بعوائد الصّادرات.
تَفَاصيل هذه القَضايا وجُرم كُلِّ شَخصٍ من أولئك اللُّصوص، موجودة في أضابير المُؤسّسات الرسمية ووصل بعضها للنائب العام الأسبق، ولا تُكلِّف المجلس العسكري جُهُوداً إضافية في التّحريات الأولية، وما عليه سوى إصدار مذكرة توقيف بحق مُرتكبيها، وإرسالهم إلى النيابة العامة.
لقد ظلّت يد العدالة مَغلولةً، طيلة الحقبة السِّياسيَّة المَاضية، وأودت بحياة مشروع الإسلاميين السِّياسي، الذين لم يكن بوسعهم رَدع المُفسدين الذين تَسَلّلُوا لعهدهم، وفي ظل غياب الرقابة والتّعطيل المُتعمِّد لآليات العدالة، لم يجدوا بُدّاً من نسج تحالُف بين بعض مُكوِّناتهم وقُوى السُّوق الشريرة، تَحالُف يستند على الحماية ويغض الطرف عن التّعدي الصريح على الأموال العامة، حتى زادوا السُّودانيين فقراً على فقرهم، وهانوا على حاكميهم، وكمنوا غيظاً تفجّر على النحو الذي ذهب بتجربتهم إلى حيث ينبغي غير مأسوفٍ عليها.
لن ينجو المجلس العسكري من ذات مصيرهم، إن لم يقدم بجدية كاملة، وصرامة وقسوة دُون تلك التي تتجاوز القانون في التَّصدِّي للمُفسدين، والقبض على مُخَرِّبي الاقتصاد الوطني من رِجال الأعمال الذين عَبَثُوا بمقدرات شعبنا، وفي ذلك تَحقيقٌ لأهم مَطَالِب الثورة التي تَدَاعى لها الشّباب، رافعين شعار (العدالة) التي يَرغبون في رؤيتها تمشي بينهم في سُودان آمن ومُزدهرٍ.. والمُفسدون وعلى رأسهم آكلو القُروض المليارية خُصُوم البلاد الحقيقيين، بل أنّهم (الثورة) المُضادة في أقبح صُورها وتجلِّياتها، يُرتِّبون أوضاعهم في انتظار سانحة الانقضاض على موارد الوطن من جديد.!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.