حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

كِفَااااااايَة

شارك الخبر

(1)
بعد أن سَعِدنَا باتّفاقية صباح الجمعة الخَامس من يوليو بين “قَحت” والمجلس العسكري، تلك الاتفاقية كَانت بمثابة صفارة البداية لانطلاق الفترة الانتقالية، الأمر الذي رَفَعَ الرُّوح المَعنوية لعنان السماء، وقُلنا خلاص إنّ بلادنا سوف تتدارك ما فَاتَها خلال أشهر الثورة، وسَوف تُعَوِّض نفسها الثلاثين سنة الأخيرة، لا بل ما فاتها منذ الاستقلال، لكن كما يقول أهلنا في شمال الوادي (جات الحزينة تفرح ما لقتش مطرح)! إذ ظهرت فيديوهات مَجزَرة فَضّ الاعتصام البَشِعَة، تلك الفيديوهات التي صَوّرَها مَن فَعلوا الجَريمة أنفسهم (هذه تحتاج لوقفةٍ) فَعَمّت الكآبة الوطن بأسره، ولكن لحُسن الحَظ أنّ اتّفاقية الجمعة للخامس من يوليو كان أول بَندٍ فيها تَكوين لَجنة وَطنية مُستقلة لِتَقَصِي الحقائق حَول تلك الجَريمة البَشِعَة، وكُنّا نظن ولو أنّ بعض الظن إثم أنّ هذه الفيديوهات سوف تسرع الاتّفاق عَلَى تَفاصيل الاتّفاقية المُشار إليها من إعلان سياسي وإعلان دستوري لتجنيب البلاد المزيد من إراقة الدماء، ولقطع الطريق من أمثال الذين فضُّوا الاعتصام وصوّروا جريمتهم بكل هبالةٍ أو خُبثٍ أو مكرٍ.. المُهم أنّ في الأمر استفهاماً كبيراً!؟
(2)
جاءت الجمعة التي تَلَت الاتّفاقية وأعقبها السبت واليوم الأحد (يوم كتابة هذا المقال) وعادت حالة (طُمام البطن) التي كَانَت سَائدةً قبل الاتّفاقية, طُمام البطن من الحالة الضبابية التي كَانَت تَعيشها البِلاد وهي تَسير نَحو المَجهول.. والمُوفّدون الأجانب يَتَوافدون عليها وكُلٌّ يَحمل في دُماغِه تَصَوُّراً لسُودانٍ مُختلفٍ.. والمُتطرِّفون في الدّاخل يُخطِّطون بشمسونية عليّ وعلى أعدائي..!
منذ صباح الجمعة والأخبار المُتَضَارِبَة عَن سَير الاتّفاقية تَتَنَزّل عَلَى يَوافيخنا كَمَا الحِمَم.. البروف مُحمّد الحسن لبات مبعوث الاتّحاد الأفريقي وعرّاب الاتّفاقية، يقول إنّ الطَرفين وفي جَلسةٍ استمرّت لثماني سَاعَاتٍ اتّفقا على تَفاصيل الإعلان السِّياسي، وفي اليوم أو اليومين القادمين سوف يتّفقان على الإعلان الدستوري.
مَصَادِر من “قحت” ومَصَادِر من العسكري تُؤكِّد ما قاله البروف، وفي ذات الوقت يَصدر الحزب الشيوعي بَيَانَاً يقول فيه، إنّه قَد تَمّ تَغييبه من الإعلان السِّياسي، ثُمّ يَصدر بَيَاناً ينتقد فيه تفاصيل الإعلان.. تجمُّع المهنيين يصدر بياناً مُتَحَفِّظاً يقول فيه إنّه في حَالة دِرَاسَة للإعلان السِّياسي سوف يَرفع رأيه لتنسيقية “قحت” وبقية “قحت” تلحق بموقف التّجمُّع.
إذن ما قاله البروف لا يتجاوز اتّفاق اللجنة الفنية المُشتركة.. ثُمّ تخرج مَسيراتٌ شَعبيةٌ تحت شعار العَدَالَة أولاً أي القصاص لدم الشهداء، ولَكنّها ظَهَرَت بمظهرٍ احتجاجي أكثر من المَظهر الاحتفالي الذي انطلق في جمعة الخامس من يوليو..!
(3)
إذن يا جماعة الخير، حالة اللّت والعَجن بدأت تَعُود من جديد، وحالة الجرجرة التي سَبقت مَسيرة 30 يونيو الهَادرة أطلت برأسها، وبالتالي لعبة شد الحبل مُرشّحة للعودة لكنها للأسف سوف تكون بين طرفين مُنهكين، المجلس العسكري أنهكته السُّلطة بدون حكومةٍ والتّخبُّط والضغوط الخارجية، و”قحت” أرهقها السباق بين عناصرها على الشارع والصراع مع المجلس وتعرية الزمن لها، الأمر الذي سَوف يؤدي إلى سُقُوط الحبل من الطرفين، وساعتها سوف يُحاول التقاطه مغامر داخلي أو خارجي.. وسوف يتصدّى يائسٌ آخر وتروح البلاد في ستين داهية..!
فيا طرفا الاتّفاق كفاية ضياع زمن، الذي هو ضياع البلاد وموت عباد..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.