أقاصي الدنيا …محمد محمد خير

ما هي العقبة التالية؟

أن تكون داخل أرض الحدث، فهذا ما يتيح لك التنبو المبكر بسير خطوط الحدث ونهاياتها المتوقعة، لكن أن تكون مثل حالتي في أقصى سطر من كراس الدنيا فهذا ما يحجب الروية الكلية ويفتح شبابيك الحدس على مصراعيه .
أتابع بكل حاسة نابضة في جسدي ما يدور في بلدي الأم.. اتفاقات وانتكاسات وصعود وهبوط وفرح يليه حزن صموت وخيبة ضاجة وتظاهرات وموت وحالات نكران وتبريرات عبر كل القنوات التي تتخذ من بلادنا الأنموذج الحيوي المعاصر المنذور بقوة بشتات قادم لا محالة.
أمس الأول صحوت باكرا لمتابعة الجراح من قناة (الحدث) مستفيدا من فرق الزمن فعندما تشرق الشمس هنا تكون الشمس هناك أفرغت حمولتها من السخونة على تلك الجباه الصمودة فامتلأ كل ابط بالعرق. كانت المذيعة تنقل خبرا بأن دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية تبرعتا باحتياجات بلادنا لإنقاذ الموسم الزراعي! يا الله هكذا هي الأخوّة وتلك هي خطى العلاقة المحورية أن يتم التبرع لنا بالبذور والأسمدة والتقاوي. ضمنّا طعامنا للسنة القادمة فلنشكر الله والجزيرة العربية ونصلي علي النبي وسنة النفط المقدس. هذا التبرع لا يتيح لنا الطعام فقط إنما يطيل أمد التفاوض ويباعد المسافات، فطالما توفر طعامنا دون جهد سيرفد ذلك طاقاتنا بالخلافات الخلاقة.
شعرت بخدر مس كل حواس جسدي وسبحت صحراء من خجل في عروقي وكان قيادي فجائي في تلك اللحظة يتحدث عن المدنية والإعلان الدستوري دون الإشارة إلى عار التقاوي. كان واجب الدول أن تطعمنا كي تشحن طاقتنا بالخلافات.
كان هذا الخبر أشد وقعا عليّ من أي خبر باطش آخر.. خبر جعلني أنظر باحتقار لكل شيء لأنه يخترق الكرامة الوطنية وما زاد حسرتي أن الجميع قبلوه كانهم كانوا في انتظاره!!!

بدا لي أن المجلس وقوى الحرية يختلفان علي كل شيء، لكنهما يتفقان بود وهمة على الهبات من الخليج وعلى التدخل الحميد من الاتحاد الأوروبي، والمبرر من المبعوث الأمريكي وغير المبرر من اتفاقاتهما. لا حول ولا قوة إلا بالله.
إذا تجاوزا اليوم عقبة الإعلان الدستوري وتهيأ الناس للفرح الأكبر، فماذا ستكون العقبة التالية يا ترى؟
بي نزيف من هذه الميلودراما التي طال أمدها وتنوعت فصولها وأصبحت أهزوجة ومادة للقنوات دون أن تلامس حاجة شعبية أو تلبي أي مطلب، فكلما اتفقا زادت الأسعار، وكلما اختلفا زاد عدد المعتلقين في القنوات!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.