محفوظ عابدين

يس دفاعا عن (سونا ) ولكن
وكالة السودان للأنباء …وظلم ذوي القربى

شارك الخبر

قرأت ماسطره قلم الأخ والزميل الأستاذ عبد الحميد عوض في أخيرة صحيفة السوداني الصادرة يوم الثلاثاء 16-7 – 2019م العدد( 4824) ، في عموده (أجندة) بعنوان (أضأن الحامل)، وهو من خلاله يوجه سهاماً من النقد نحو صدر الوكالة الوطنية في السودان وهي وكالة السودان للأنباء، المعروفة اختصاراً لدى العامة في الداخل والخارج باسم (سونا) ، وكما هو معروف فإن وكالة سونا هي وكالة رسمية أسسها الرئيس الراحل جعفر محمد نميري في العام 1970م وتم فتتاحها رسمياً في مايو من العام 1971م ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا فإن الوكالة تؤدي رسالتها المهنية رغم ظروف بيئة العمل، وشروط الخدمة، وتعاقب الحقب السياسية وتأثيراتها سلباً وايجاباً عليها، وتعاقب الأجيال فيها قوة وضعفاً، إلا أنها ظلت محل تقدير واحترام، ولكن يبدو أن الزميل والأستاذ عبد الحميد عوض، أطلق عليها هذه السهام في وقت تحتاج فيه الوكالة للدعم والمؤازرة، لأنها تعمل في ظروف صعبة وقاسية، مقارنة مع أضعف نظرائها في العالم العربي والإفريقي، ورغم ذلك استطاعت (سونا) أن تؤدي دوراً كبيراً وخدمة للعالم من هذه المنطقة من القارة الإفريقية حيث كانت هي المصدر الأول للوكالات العالمية المشهورة والأكثر عراقة مثل وكالة الأنباء الفرنسية ورويترز، أسوشيتد برس ، وغيرها ، وليس أبلغ من ذلك في حدث واحد على سبيل المثال لا الحصر، حيث كانت (سونا) هي الوكالة الوحيدة التي غطت الحرب التشادية في ثمانينيات القرن الماضي ، وكانت رئاسة الجمهورية في ذلك الحين كونت غرفة عمليات لمتابعة تطورات الصراع التشادي وتأثيراته على المنطقة، وكانت تلك الغرفة الرئاسية تعتمد في عملها وقراءتها السياسية على أخبار وتقارير (سونا) التي ترسلها من أرض المعركة، وكانت وكالتا الأنباء الفرنسية والبريطانية تعتمدان بشكل أساسي على أخبار( سونا)، بل إن المواقف السياسية للحكومتين الفرنسية والبريطانية في تطورات الصراع التشادي كانت تعتمد بشكل أساسي على تقارير وكالة السودان للأنباء.
ولعل الواقعة التي أشار إليها الزميل عبد الحميد في مقدمة عموده والتي تعود لانتخابات 2010م عندما استضافت (سونا) مرشحي رئاسة الجمهورية في ذلك الوقت، فهي في حد ذاتها تجيب على تساؤلات عبد الحميد نفسها في العمود، فـ(سونا) استضافت مبارك الفاضل فهو كما هو معروف سياسي محترف، وينتمي لأكبر الأحزاب السياسية في السودان، وبالتالي هو من أكبر معارضي حكومة البشير ودخل معها في صراع كبير بعد خروجه من السلطة والتي دخلها مساعداً للرئيس البشير في العام 2002م تحت اسم حزب الأمة الإصلاح والتجديد، وبالتالي (سونا) استضافت أكبر معارضي السلطة، ومن خلال منبرها وجه نقداً حاداً لأجهزة الإعلام الحكومية، و(الحكومية) هذه من وصف كاتب العمود، ولم يقل أجهزة إعلام الدولة، وهذه تنفي ماقاله عن مؤسسات (الدولة) وليست حكومة، والحكومة هي المسؤولة عن مؤسسات كثيرة ففي مجلس وزراء الحكومة تجد وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير العدل، فضلا عن وزير الإعلام ، وبالتالي فإن رد الزميل الحاج أحمد المصطفى من الإذاعة السودانية على مبارك الفاضل من داخل منبر (سونا) عن الإعلام الحكومي، لم يكن سبباً كافية لتطلق تلك السهام في صدر الوكالة الوطنية أو يجعله الكاتب مقدمة لذلك الهجوم الذي أخطأ فيه التقدير زماناً ومكاناً .
والأستاذ عبد الحميد ذكر في عموده أن بعد (الثورة) وهو يقصد ثورة 19 ديسمبر2018م التي أطاحت بالبشير في 11إبريل2019م ذكر (أن أنظار العالم اتجهت نحو السودان وكان بإمكان (وكالة السودان للأنباء) أن تتحول إلى مرجع أساسي للوكالات العالمية في الشأن السوداني)، وهي بالطبع مرجع أساسي للوكالات والفضائيات، وأنت تلحظ بحكم عملك خاصة في الفضائيات العربية والعالمية أن (وكالة الانباء السودانية قالت كذا وأوردت كذا، ونقلت كذا) لتكون هذه الأخبار ذات المصداقية ومعتمدة للوكالات والفضائيات دون تردد أو خوف، وقد لا يعلم صاحب عمود (أجندة) الذي لا يخلو عموده من أجندة أن الوكالة كان لها فريق ثابت في ميدان الاعتصام بالقيادة العامة يمد الوكالة بكل أخبار الفعاليات والأنشطة والزيارات، بل إن الوكالة غطت كل الأنشطة بمهنية غطت مؤتمرات الحرية والتغيير في ميدان الاعتصام وفي اتحاد المصارف وفي كلية الأشعة وفي طيبة برس، وصوروأخبار قيادات الحرية في صفحات موقع الوكالة مثل الأصم ومدني وعمر خالد وإبراهيم الشيخ وعمر الدقير وصديق يوسف ومريم الصادق ومن بعدها د. إبراهيم الأمين، ولم تعمل بمبدأ (أضان الحامل طرشا) كما زعم الكاتب، ولم تكن بوقاً للسلطان ، ولاتزال تؤدي دورها بمهنية.
أما حديثك عن إدارتها بقيادة السكرتير الصحفي السابق للرئيس المعزول عمر البشير كما أشرت إلى ذلك ، فإن هذا الحديث بهذه الطريقة فيه نوع من التضليل، فالمدير العام للوكالة عبدالله جاد الله هو ابن الوكالة فقد دخلها صحفياً في مطلع الثمانينيات وعمر الوكالة حينها لم يتجاوز العشر سنوات، وظل فيها ولم يغب عنها إلا في حالات انتداب منها إلى وكالة الأنباء الإفريقية (بانا)، أو إلى دراسات أوتغطيات أو مشاركات في مؤتمرات خارجية، أما الفترة القصيرة التي قضاها في القصر (مديراً لإدارة الإعلام) وليس (سكرتيراً صحفياً للرئيس المعزول) كما أشرت، فإن ذلك تم لاختيار شخصية مهنية لهذا المنصب بعد أن كثرت أخطاء الذين شغلوه بتعيينات سياسية، ولعل أبرزها فضيحة (فانلة ميسي) وغيرها من المواقف التي أدخلت رئاسة الجمهورية في حرج، فكان الاتجاه نحو المهنية، واستطاع جاد الله خلال تلك الفترة أن يؤسس لعلاقات متميزة ويؤدي واجبه تماماً في مؤسسة الرئاسة التي كان فيها أكثر من نائب للرئيس وأكثر من مساعد وأكثر من وزير، ولكن الرئاسة عادت إلى ضلالها القديم في التعيين السياسي، فأتت بالمهندس قبيس أحمد المصطفى لإعلام القصر والذي لم يتهنأ بالمنصب إلا أياماً معدودات، حيث أطاحت الثورة بمؤسسة الرئاسة بكاملها، وعاد جاد الله إلى مؤسسته مديراً عاماً، بذات المهنية التي رافقته (40) عاماً في هذه المؤسسة الإعلامية العريقة.
أما الحديث عن منبر (سونا) الذي يستضيف أحزاب وتجمعات وهمية كما ذكر صاحب عمود (أجندة) ، فإن منبر سونا والذي من خلاله عرفت تلك الأحزاب والتجمعات والتي ذكر أنها لم تكن معروفة لأحد، فهي الآن أصبحت معروفة أكثر لأن منبر سونا استضافها ومن حقها أن تقدم نفسها للناس لأن العمل السياسي والعام ليس حكراً على أحد، ، وكما هو معروف فإن منبر (سونا) مفتوح لكل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وتلك القوى التي غابت لم يغيبها احد من بل غابت لنفسها ولم تتعامَّ عنها( سونا) وهي كانت تعتقد كما كان يعتقد صاحب عمود (أجندة) .والكتل والأحزاب والتجمعات التي صنعت الثورة لم تغب وكانت حاضرة في أخبار سونا .
أما عن السؤال الذي طرحه صاحب (أجندة) في نهاية العمود،عن جدوى استمرارية عمل الوكالة؟ والاستاذ عبد الحميد صحفي متميز وصاحب خبرة في عمله فهو يعلم أن كل الدول في العالم المتقدمة والمتأخرة تمتلك وكالات أنباء حتى الدول الكبرى التي بلغت شأواً في مجالات ثورة الاتصالات والمعلومات لازالت وكالاتها تعمل بل وتتطور مع تطور علم الاتصالات وتقاناته.
ولازال العالم يحصل على أكثر أخباره من لندن وباريس ونيويورك، وهي مقرات الوكالات الأربع الكبرى: رويترز البريطانية، وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، وكالة يونايتد برس انترناشيونال الأمريكية. وإن كان صاحب العمود يشير إلى دخول منافسين جدد في مجال نقل الأخبار مثل (السوشيال ميديا) وغيرها، وتحول المواطن إلى صحفي عبر الهواتف الذكية، فإن هذه لا تمثل خطراً على عمل الوكالات بل من ذات المنظور أصبح أكثر أهمية للتأكد من صحة الأخبار التي تنشر وتبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا يؤكد أن دور وكالات الأنباء يتطور، لكنه ليست في خطر.

وكما هو معروف فإن (السوشيال ميديا) لا تعتبر مصادر موثوقة للأخبار، لكنها بمثابة «مفتاح» لمصادر وخيوط لقصص خبرية، وبخاصة في حالة الكوارث الطبيعة والأحداث، وتوفر للصحافي عيناً أخرى لعمل تغطيات حية لأحداث خارج نطاقه الجغرافي، وتجعله في قلب الحدث، ويمكنه بعدها التواصل مع المصادر وأخذ تصريحات عبر طرق عدة، وهذا هو الذي حدث بالضبط فقد انتشر خبر أحداث مدينة السوكي التي كانت تشير فيها إلى وقوع اشتباكات بين القوات المسلحة والدعم السريع حسب وسائل التواصل الاجتماعي، ومثل هذه الأخبار تتلقفها وسائل الإعلام العالمية، أوحادثة دهس عربة لأربعة أشخاص من أسرة واحدة كما جاء أيضاً في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ذهب الأستاذ عبد الحميد عوض للبحث عنهما في موقع (سونا) للتأكيد وبحثاً عن الموثوقية والمصداقية، ولم يكن بحثه لتتبع نواقص المهنية فيها وعندما لم يجدها طفق يخصف عليها من ذميم الصفات مثل التقصير والتسييس وعدم المهنية والاستقلالية. وكما قال الشاعر العربي، و ظلم ذوي القربى أشد مضاضةً  على المرء من وقع الحسام المهند.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.