همس الكلام حسين الخليفة الحسن

السفير أبو بكر عثمان بذاكرة الوطن

شارك الخبر

قبل أن يتثاءب ليل البارحة، وقبل أن يرخي سدوله، انتعشت ذاكرتي، بل ابتهجت لمُصاحبة الأخ الخلوق القَامَة الوطنية السّامقة الدبلوماسي أبو بكر عثمان مُحمّد صالح “حفظه الله” رافقته في مُؤانسةٍ فكريةٍ، وسياحةٍ فاحصةٍ بين سُطُور سفره القَيِّم “في بلاط الدبلوماسية والسُّلطة”، والذي حُظِيت باقتنائه كهديةٍ منه.
الأخ “أبو بكر” نَجمٌ سَطَعَ بسَمَاء بلادي في زَمنٍ جَميلٍ، فاحتضنته ذاكرة الوطن مَع عِقدٍ نضيدٍ من سَلَفِها الصالح.. قلّبت السفر بتروٍ وإمعانٍ من الجلدة للجلدة.. وأيقنت أنّه كَنزٌ مَوسوعيٌّ مَرجعيٌّ لا يُفنى، ومَعينٌ مَعرفيٌّ لا يَنضب، ومَنهلٌ عَذبٌ للتّوثيق.. ولإثراء الفكر الطَموح وترغيباً في اقتناء هذه الثروة الوطنية، حَرص قَلمي المُتلهِّف أن يُزوِّد القارئ الحصيف بما جَادَت به ذاكرته من ثمارٍ لبعض مَحَاور السّفر التاريخي المُفيد.
أولاً: غلاف السَّفر أنيقٌ، وسيمٌ وهَادئٌ، كأناقة ووسامة وهدوء مؤلفه الهمام.. زُيِّنت خلفيته بسيرةٍ ذاتيةٍ للمُؤلِّف مُتوهجة بالنبوغ الأكاديمي، والوضاءة الفكرية وإثراء الخدمة المدنية والإشراقات الدبلوماسية والوطنية .
ثانياً: حرص قلم المُؤلِّف أن يَبسط صَادقاً إضاءةً سَاطعةً في مُقدِّمة كِتابه عَن فلسفة إصدار السّفر ونهجه وفكرته، وأثارت ذاكرته جَدَلاً فِقهياً لا يخلو من حياءٍ خفي ونكرانٍ للذات وتَواضعٍ جَمٍّ تمثل فيما يدور بذهنه من سُؤالٍ حَائرٍ: هل ما حواه السَّفر مُذكِّرات أم مُجرّد ذكريات؟ وأقول له بصوتٍ جهيرٍ هُو سَفرٌ حَوَى مُذكِّرات وذكريات.
ثالثاً: كان أبو بكر يعتز ويفخر بفترة طُفولته بمسقط رأسه “حلفا دغيم” فأفرد لها حيِّزاً من سفره، واعتبرها مَحطةً مُهمّةً وثقافةً بقيمها المُتوارثة لها القَدح المُعَلّى في بناء الشّخصية ونبت أينع وأثمر.
رابعاً: لم يغفل قلم مُؤلفنا التبحر في ذكريات عهد الصبا ومرتعها الأخضر وما تتمتّع به من نشاطٍ فائقٍ وحيويةٍ كامنة مُفرطة.. فترة يقرع فيها جرس النضوج الجسدي والذهني..physical and mental maturity أثار مشاعري المهنية انحياز وعشق مُؤلفنا لثقافة المدرسة المُتوسِّطة حينذاك والتي ارتوى مِن مَعينها العَذب.. فهي مَدرسةٌ كاملة الدّسم وشاملة comprehensive school.. وكَانت بِجَانب تَزويدها للتّلميذ بحصادٍ أكاديمي يَتوافق مَعَ عُمره، تعده للحياة العملية عبر مَناشطها التّربويّة educational activities.. فهي: “الجمعيات المدرسية المُتعدِّدة، الرحلات التربوية، الطابور الصباحي، والمكتبة المدرسية”.
خامساًَ: المؤلف وكأنه يوقظ الذاكرة حاثّاً من يهمهم الأمر نفض الغبار عن العهد الزاهر للمرحلة المتوسطة، وإعادتها لسيرتها الأولى ألقاً وشموخاً.. ونحن نستقبل فجراً جديداً.
سادساً: المؤلف الإنسان يدلف بصدقٍ ليوثِّق لقيم valuesالمجتمع السوداني المُتوارثة من سماحة وسخاءٍ وتكافلٍ ويدٍ بيضاء تمد لكل من تعثّرت خطاه، فتراه يُعَلِّي من شأنها وهو يشاهدها بأم عينه تمارس بدار والده التي دائماً ما تكتظ بالوفود الزائرة وتفيض بالكرم الحاتمي.. وكأنه يطلب منا أن نتمسّك بهذه القيم ونعض عليها بالنواجذ.
سابعاً: انخرط أبو بكر في حقل العمل الدبلوماسي فبرع، وذاع صيته، وأصبح ملء السمع والبصر.. فهل يحذو شباب الدبلوماسية اليوم حذوه؟
ثامناً: نال ثقة الرئيس الأسبق جعفر نميري، مُتقلِّداً أرفع المناصب فكان عند حُسن الظن ومثالاً يُقتدى.
تاسعاً: عمل المؤلف مُعلِّماً عاشقاً للمهنة المُقدِّسة فكان من نجبائها، وعُشّاقها، كما أرسى قواعد الود والصداقة الحميمة مع طلابه.. أليس هو قدوة لجيل المعرفة اليوم؟ نأمل ذلك.
عاشراً: أثلج صدري أسلوب السّهل المُمتنع الذي انتهجه الكاتب المُوثّق.. أسلوب يزداد سلاسةً وعُذُوبةً ورِقّةً كلّما تَوغّل بصرك في تلك الحديقة الغناء .
أحد عشر: أملي أن يجد هذا السفر أي الكنز المعرفي الثمين مساحة في مُقرّر التربية الوطنية civics فهو ما نتطلّع ونصبو إليه نحن مُعلِّمو المُنتدى التربوي السوداني في العهد الجديد.. أملي أن يقتني السفر كل باحثٍ ومُنقِّب يهتم بشأن الوطن.. أعتز وأفخر بتواصلي مع الأخ السفير أبو بكر عثمان محمد صالح.. عرفت فيه النخوة الوطنية.. عرفته رجلاً زاهداً يبغض البريق.. عرفت فيه سعة الصدر والصبر والوفاء والذكاء المُتوقِّد ونكران الذات.. عرّفني بهذا الهرم الشامخ والأنموذج المثالي module صديقي رصيف القلم والطبشيرة أستاذ الأجيال حسن حسين حاج علي “ود الزينبية.. فشكراً له.. والجزاء الأوفى لك أخي أبي بكر، على ما قدّمت للوطن من إشراقاتٍ وجلائل الأعمال.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.