بعد خروجه “مُغاضباً”.. (السوداني) في حوار بلا قيود مع المناضل مبارك أردول (2-2): ولى عهد النضال بالبندقية والمقاتلون من حقهم أن يستريحوا

حوار: عطاف محمد مختار

أثارت استقالة القيادي بالحركة الشعبية جناح (عقار) المناضل مبارك أردول العديد من علامات الاستفهام والتعجب في الأوساط السياسية والصحفية والحركات المسلحة، لكونه من المقربين لقيادات الحركة، ومن أشرس المقاتلين أثناء فترة الحرب. (السوداني) وضعت العديد من الأسئلة أمام أردول، الذي كشف الكثير المثير والمسكوت عنه داخل أضابير الحركة الشعبية، وعن تفاصيل خروجه مغاضباً منها. أردول قال إنه وضع البندقية وفتح ذراعيه للسلام، وإن السلام لا يجب ربطه بالحركات المسلحة والحكومة المركزية، ولقد ولى عهد النضال بالبندقية والمقاتلون من حقهم أن يستريحوا.
معاً لتفاصيل الحلقة الثانية من الحوار.

  • كيف تنظر لثورة ديسمبر وما حققته؟
    ثورة ديسمبر عملت تغييرا جديدا في الوضع السياسي في السودان وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي وهو ليس تغييرا محصورا على مستوى الحكم فقط، هناك جيل جديد لن يقبل بأنصاف الحلول والترضيات أو الصمت عن الأخطاء القاتلة التي أضرت بدولتنا، هذه الثورة انطلقت وستستمر وتصل للمؤسسات والمنظومات السياسية ومراكز الدراسات والتعليمية وتنعكس على حياتنا، هذه ثورة شاملة لكل الحياة عملت وستعمل على تغيير جوهري في حياتنا على مستوى التعبير عن الحقوق وعلى مستوى القضاء، وعهد الاستبداد سواء كان من داخل الأسر إلى المنظومات المجتمعية والسياسية هو عهد مر ويجب التعامل معه بشكل حقيقي، البشير كانت لديه دولة استمرت 30 عاما وفي النهاية لم يستطع الصمود أمام مد الثوار الذين حطموا دولة البشير؛ وهم قادرون على تحطيم أي شكل من أشكال إرجاعهم للعهد القديم، هذا الوضع مستقبلاً يمكن أن يخلق منظومات سياسية جديدة وأخرى ستواكب ومنظومات أخرى ستنقرض إذا حاولت التمسك بالطريقة القديمة؛ الشمولية مضرة بالأحزاب، هذا عهد جديد ومختلف قبل ديسمبر سودان قديم وبعدها سودان جديد، ديسمبر محطة فارقة يجب أن نتكيف مع الأوضاع أو سنواجه بالانقراض.
  • بعد هذه المسيرة الطويلة في النضال المسلح، هل سيرمي أردول البندقية؟
    نعم، شاركت لفترة طويلة في النضال المسلح، وأعتقد أن ذلك أدى دوره وواجبه ولا أحتاج له ولن أشارك في أي حركة مسلحة، عدم المشاركة في النضال المسلح لا يعني عدم النضال. إنما أنا في طريق من يمارسون النضال بشكله المدني والسلمي، آخر أيام لي مع البندقية كانت في 2013، وكنت من بعدها أقوم بعمل سياسي مدني، وسنسعى أن لا يكون هناك ما يستدعي حمل السلاح لدى أي شخص، وسنساعد على البناء في الفترة الانتقالية وبسط العدالة بين كل السودانيين؛ ومشاركة حقيقية على مستوى السلطة وتوزيع عادل للموارد.
  • ما هي رؤيتك للسلام، بعد فشل مشروع السودان الجديد – حتى الآن على الأقل-؟
    مشروع السودان الجديد يتم بناؤه في فترة السلام وهو غير مربوط بالحرب، الحرب كانت مجرد وسيلة لتحقيق المشروع، هناك وسائل أخرى النضال المدني السلمي، الضغط الدبلوماسي والتفاوض، ونحن سنعمل عن طريق هاتين الوسيلتين لبناء السودان الجديد، المشروع هو أن تبني دولة متنوعة تقبل الآخر تكون بها عدالة ومساواة بلا طبقات تفكفك فيها سيطرة النخبة على الحكم والاقتصاد وتتركها للجماهير. لذلك مشروع السودان الجديد لا يمكن الحكم عليه بالفشل وهو المشروع المناسب، والشعب يحمل لافتات (نريد سودان جديد). كلنا نعمل على السودان الجديد بالوسائل السلمية. أما الرؤية للسلام؛ أعتقد أن السلام لا يجب ربطه بالحركات المسلحة والحكومة المركزية، السلام برنامج متكامل وشامل يتم بالعمل المؤسسي بين التنظيمات وينزل لمستوى المجتمعات والقوانين والتشريعات التي تمنع اندلاع الحرب. المشاركة في السلطة غير مرتبطة بحركات الكفاح المسلح وحدها، وهناك نسق قديم موجود في أذهان البعض كأبوجا وأديس أبابا وأن هذا النسق من المفترض أن يكون موجودا، ولكن هذه الطريقة تعمل في زمن وقت الحرب وتنتهي بإسقاط النظام أو تسوية سياسية، والآن النظام سقط عن طريق مشاركة الجميع لذلك سيشارك الجميع بمصفوفة جديدة لم تطبق في السودان، وحتى الصعوبات التي تراها الآن بسبب أن هذه الطريقة لم تطبق من قبل، أنا في رأيي أن طريقتها الأمثل تكون المشاركة لقوى الكفاح المسلح ضمن قوى الحرية والتغيير هذا هو النقاش الذي أثرناه داخل الحركة الشعبية، اتفاقيات السلام تناقش الترتيبات الأمنية وخصوصيات مناطق الحرب، أيّ شيء آخر يناقش ضمن قوى الحرية والتغيير فإذا تم ذلك قطع الطريق أمام اندلاع الحرب أو المزايدة نحو الحرب، بعدها المؤتمر الدستوري هو الذي يمكن أن يضع الأساس للتسوية النهائية.
    رؤية الحل بالطريقة القديمة عن طريق المفاوضات يجب مراجعتها والنظر فيها إذ لم تحقق سلاما؛ وكانت صيغ بين الحكومة والحركات المسلحة تضمن مشاركتها في السلطة وفي نفس اللحظة تطيل عمر النظام، الطريقه الأفضل الآن مشاركة قوى الكفاح المسلح في السلطة عن طريق قوى الحرية والتغيير وتقدم كفاءاتها مثلها مثل أيّ مكون.
    الاستثمار إذا كان على البرلمان المنتخب والتحول السياسي من حركات مسلحة إلى أحزاب سياسية سيكون أفضل؛ عوضا عن الاستثمار في اتفاقيات السلام يضيع الوقت ونجد أن الثلاث سنوات لم تكفينا للتحول، هذه هي الرؤية التي كان يجب التمسك بها في قضية السلام وكنت أرى أن الحركات إذا تم تقسيم المهام داخلياً بين قياداتها جزء منها يكون في الخرطوم وجزء في الخارج مواصلة لعملية إنهاء الحرب وتحقيق السلام، أما الجزء في الخرطوم فيعمل على التحول بشكل حقيقي لأحزاب سياسية.
  • هل سنرى أردول في أي حزب أو مكون سياسي جديد؟
    كما ذكرت لك دخولي في أي حزب أو مكون سياسي جديد هو أمر متروك للأقدار ولا أريد أن أغلق الباب أمام هذا الأمر، لكن أن أنضم لحزب سياسي من الأحزاب الموجودة الآن جزء منهم أصدقاء وأحترمهم وأقدرهم لكني لم أفكر ولا أرغب فيه حالياً. وأما أن يكون هناك حزب ومكون سياسي جديد فأنا أعتقد أننا بحاجة لذلك لتغيير رؤيتنا للنظر لبعض الأمور، وهناك عدد كبير جداً من الشباب جزء من حركات الكفاح المسلح ويمكن أن يشاركوها نفس الشعارات، أعتقد يجب أن نجلس ونفكر سوياً في ماذا سيحدث حتى ننظم أنفسنا ونجد حقوقنا السياسية والثقافية والاقتصادية وذلك عبر شكل من أشكال التنظيم الذي يتطلب التوافق حوله وبعدها التحديد.
  • ماذا لديك لتقدمه في المستقبل؟
    سأستمر في ما كنت أقدمه سواء في الجانب السياسي والجانب التنموي أو أي مكان أجد فيه فرصة للعمل، ويجب علينا أولاً إنهاء الحرب والعمل على التنمية وتحقيق الديمقراطية. لدي أفكار وطموح وأمل بمجهود بسيط سنخرج السودان لبر الأمان.
  • ثمة فرصة لتحقيق السلام؟
    نعم أرى أن هناك حلا ومن يتحدث عن الحرب هو شخص غير متابع للتطورات الإقليمية، ولى عهد النضال والتعبير عنه بالبندقية وكذلك الحرب لها آثار هل خارج الحدود، وتاريخ العالم منذ الحرب الباردة وحتى الآن هناك هبوط للعمل المسلح. حالياً العالم قطب واحد ومع تطور العالم لم تعد وسيلة السلاح فعالة وتربط كثيراً بالتخلف وحركات الإرهاب والقرصنة، فكل ما كانت السياسة مرتبطة بالعمل السلمي والمدني كلما ارتبطت بالوعي لفرص كثيرة من الدعم والمساندة. العودة للحرب حديث غير موضوعي لن يجد تأييدا، والمقاتلون من حقهم أن يستريحوا.
  • حدثنا عن عملك ضمن مكونات قوى الحرية والتغيير؛ إبان المباحثات مع العسكري في الخرطوم.
    العمل كان متجانسا وأشكر من كنت معهم في الفريق وكانوا خير سند ووطنيين، وكذلك الموجودون في المجلس العسكري القادة العسكريين الذين أدخلوا قادة النظام للسجن وانحازوا للثورة، واستطعنا كفريق إخراج البلاد من الأزمة؛ ومن كانوا يزايدون بأن السودان سيكون كاليمن وسوريا ويراهنون بالفشل خاب رهانهم (والترابة في خشمهم). الشعب السوداني انتصر. المباحثات كان يجب أن تتم وكنت من الداعمين للوصول لتسوية ولا أنكر ذلك؛ التسوية كانت أفضل من التصعيد، ولم يكن هناك خيار أفضل من ذلك، وكان هذا هو المتاح والموجود.
  • ما هو شعور أردول عندما دخل (رجل الغابة) إلى القصر الجمهوري؟
    شعور جميل وبالفخر؛ كوننا بدأنا من الغابة، وتذكرت اللحظة التي خرجنا فيها من كادوقلي والنظام كان يطاردنا بدباباته ومدافعه عبر جبل كلمة في كادوقلي، تذكرت الرفاق والشهداء وأن نضالهم لم يذهب سدى، دخول القصر لم يكن غاية بل مدخل لما ينبغي العمل عليه بعد ذلك. وأول جولة كانت في قاعة الصداقة وعندما دخلت برفقة مساعدي التقينا بأحد الموظفين فسألني: هل أنتم صحفيون؟ نظرت لرفيقي محيي الدين وابتسمت وقلت له: نحن مفاوضون فاعتذر، فقلت له: الأمر عادي.
  • متى سنرى أردول في الخرطوم؟
    سأعود في أيّ وقت وليس ببعيد وليس هناك ما يمنعني، يجب أن أعود للخرطوم وألتقي بوالدي، فأنا لم ألتقِه منذ العام 2011م، وهناك التزامات أسرية منها أن أقيم العزاء لأخي الذي استشهد في الجيش الشعبي 2012م. وأعيش كمواطن لمدة شهر، مواطن عادي بلا أي التزامات تتطلب أي نوع من البروتكولات، غير مسلحين إلا بآرائنا وأفكارنا.
  • ماذا عن خيارات “الأكاديميات، العمل الخاص والسياسي”؟
    جميع هذه الخيارات أمامي، وأنا قررت أن أبدأ دراسة الدكتوراه في الداخل، وهي تتطلب وجودي في الخرطوم وسوف أعمل وأمارس العمل السياسي ما استطعنا إليه سبيلا.
  • إلى أين ستتجه بعدها؟
    وسأتوجه إلى بورتسودان لأساهم مع الإخوة في حل المشكلة الحالية حتى يكون هناك سلام اجتماعي حقيقي. ومنها سأتوجه للجبال وسط أهلي.
  • كيف تنظرون لأزمة بورتسودان الحالية وقبلها ما حدث في القضارف؟
    مثل هذه الأزمات لم تكن فقط في بورتسودان والقضارف بل حدثت في أماكن كثيرة ولم تكن بين النوبة والبني عامر كذلك بين الجموعية والهواوير والرزيقات والمعاليا، وهذا دليل على أن هناك سلام اجتماعي ينبغي أن يحدث في السودان، هذه آثار حرب نتيجة للفقر وقلة الموارد والترسبات القديمة وانتشار السلاح وثقافة العنف، هذه جذور الأزمة والدولة لم تضع برنامج للمناهج التربوية بأن الشعب واحد وعدم التمييز على أساس عرقي وثقافي، نحن بحاجة لتنفيذ هذا السلام الاجتماعي ومعالجة الأزمة من جذورها، القتال يأثر على الإنتاج والاقتصاد وحتى ننطلق من الشمولية للديمقراطية ومن الحرب للسلام يجب أن ننتبه لهذه القضايا. كما يجب ضبط وجود الحركات المعارضة للدول الموجودة في السودان بسلاحهم.
  • ماذا يمكنك أن تقدم للأهل هناك؟
    إذا ذهبت سأخبرهم أن ما حدث لا حاجة له، فالسودان يسعنا جميعاً. وإذا كانت هناك أطراف أخرى تريد أن تعيق مهام الحكومة في الفترة الانتقالية وتدخلها في دوامة العنف، يجب عزل هذه الأطراف ومحاسبتها وضمان سلامة المواطنين وأمنهم دون محاباة لأي طرف.
  • أردول، يحمل مرارات في داخله؟
    يمكن أن أكون غاضبا بعض الشيء وهذا أمر عادي عندما يشعر الإنسان بأنه مظلوم فإذا لم يغضب لن يكون إنسانا سوياً، وأنا لا أقول إني لم أمر بلحظة غضب لكن هذا لا يعني أنها ستلازمني طيلة الوقت وتخلصت منها وأعمل على الاستفادة من تجاربي.
  • لست متصالحاً مع نفسك؟
    أبداً، أنا متصالح مع نفسي، وهذه تجربة مررت بها وتعلمت الكثير من خلال عملي بالحركة الشعبية، فهي قدمتني للناس وعرفتني بمجتمع جديد، المجتمع السوداني عرفني عن طريق الحركة؛ ولها فضل كبير علينا، أنا متصالح ولا أنظر فقط لما حدث في الأيام الأخيرة.
  • الأسرة في حياة أردول، الكبيرة والصغيرة، والممتدة على الجبال.
    جزء من أسرتي معي وجزء في الخرطوم وجزء في جبال النوبة (مشتتين)، مثلهم مثل كثير من السودانيين في كل المدن السودانية، في كل مدينة أذهب إليها لديّ بيت أستقر فيه. أنا مشتاق لأسرتي ولوالدي ووالدتي ومن لم ألتقِهم في الخرطوم وسأعود بأسرع وقت ممكن.
  • يقال إن أردول رجل بلا دمع!…
    الدموع والمشاعر جزء من حياة الإنسان، لدي دموع وأبكي وهذا ليس ضعفا بل مشاعر طبيعية، وعندما أبكي لا يرى أحد دموعي؛ بل أخفيها وهذه حياة السودانيين وما تتعلمه، مجتمعنا مجتمع ذكوري يتم تعليمك منذ الصغر أنك رجل لا تبكي. فهذا الشعور يلازمنا كثيراً، لكن كذلك تأتي لحظات تشعر فيها بالحاجة للبكاء كفقدان صديق ومن تحبهم أو موقف مؤثر.
شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.