الرواية الأولى….مجدي عبد العزيز

ما بعد مبادئ جوبا

• عقبات كثيفة وربما لعنات وقفت حائلآٓ أمام العهد السابق في التوصل للسلام الشامل بالبلاد رغم السعي الحثيث، والجولات العديدة والمنابر النوعية والوساطات المتنوعة والخبرات التي تراكمت والمهارات التي برزت والأموال التي صرفت.. من هذه العقبات ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي ومنها ما يتعلق بالحركات المسلحة نفسها: رؤاها وانشقاقاتها وتسابقها، وهذا مبحث آمل أن أوفق من تسليط الأضواء الكاشفة عليه في روايات مثيرة لاحقة.
• بلا شك أن السلام هي الغاية الوطنية الأولى التي يسعى إلى تحقيقها عاجلا كل المكون الوطني السوداني بلا استثناء، لذلك نجد أن ملف السلام يحتل المرتبة رقم واحد في مرحلة ما بعد التغيير وانطلاق حكومة الفترة الانتقالية، وربما واقع (تصفير العداد) بعد ذهاب سلطة الإنقاذ ينهي كل المعادلات السابقة، بل وإن مرحلة ما قبل التفويض الانتخابي الراهنة هذه تمنح الفرصة لنمو بذرة السلام مع كافة الإرساءات الجديدة التي يؤمل أن تتم بنفس التوافق المستمد من روح الإجماع التي اكتنفت غاية السلام.
• نجحت جوبا بامتياز في إحداث ثغرة العبور على جدار التمنع بمجهود مزدوج مع حركة عبد العزيز الحلو والجبهة الثورية ثم بنشاط ثلاثي الأبعاد جمعهما بوفد السلطة السودانية الجديدة ممثلا في مجلس السيادة بمكونيه العسكري والمدني في ملتقى جوبا للسلام الذي خرج أمس بعد يومين من التداول بورقة إعلان المبادئ الهادية إلى مفاوضات الشهرين القادمين أكتوبر إلى ديسمبر.
• لن تشعر الأقدام بالثبات علي أرض السلام الحقيقية التي ستبنى عليها التفاهمات والآمال إلا بإنجاز الترتيبات الأمنية أولا وبأعجل ما تيسر، وستشعر هذه الأقدام بالهشاشة وبالرمال المتحركة إن لم تقر الترتيبات الأمنية بعدم تعدد الجيوش، وعدم تكرار الفشل الذي أوجده وجود جيش الحركة بعد نيفاشا ووجود جيش مناوي بعد أبوجا في تجارب جعلت وميض الحرب تحت رماد خادع.
• من المحاذير المهمة التي يجب أن تطلق بكل وضوح الآن هي تجنب أن يكون الاتفاق بالأساس مربوطا بالفترة الإنتقالية، لأن ما بعد الفترة الانتقالية ستجري الانتخابات وستبرز أوزان القواعد الجماهيرية للحركات والأحزاب، فإذا تولد إحساس لدي أي طرف بضعف أفرزته الانتخابات فربما يقوده ذلك للعودة إلى التخندق، وكذا الحال سيكون خطأٓٓ جسيما إذا ارتبط الاتفاق بتقسيم سلطة لأنه بلا شك أن المعادلات ستتغير مع التطورات السياسية المرتقبة وبذلك تتهدد مجمل العملية.
• كل أبحاث ودراسات مسببات الحرب في بلادنا تلخص جذور الأزمة في التهميش التنموي ومركزية السلطة مع عدم القدرة على توظيف التنوع وخلق قوة استراتيجية من مكوناته، فبالتالي يبقى ارتباط اتفاق السلام المزمع بالتنمية أحد أهم أركان قوته فتخلف الإنسان وبيئته هي من مسببات الحروب في كل بقاع العالم، كذلك يجب أن يرتبط الاتفاق بنظام الحكم الاتحادي اللامركزي لأنه نظام عادل وتجاربه متطورة في دول العالم المشابهة لنا ويمنح المواطنين في كل الجهات حق حكم أنفسهم والتعبير عن ثقافتهم وتنوعهم.
• بناءً علي ذلك لا أعتقد أن هناك معضلة في أن يسهم القادة الذين سيُنجزون السلام – بحول الرب – في تنزيل بنوده ورعايته عبر مشاركتهم في مواقع الحكم المؤقت ومؤسساته دون أن يكون ذلك نصيبا في (كيكة) سلطة كما أسلفت حازوا عليها شرطا مهددا لإنجاز هو بالأساس إنساني ووطني وتاريخي سيفتح الآفاق الجديدة لسودان المستقبل وأجياله المتطلعة.. وإلى الملتقى.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.