استئناف العام الدراسي.. (السوداني) تنظر عن قرب

الخرطوم: محمد عبد العزيز

المدارس السودانية ابتدرت أول أيامها أمس السبت، بعد عام دراسي مضطرب بسبب الأحداث السياسية والأمطار والسيول التي شهدتها البلاد.. بداية عدها الكثيرون صفحة جديدة عقب تكوين الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك. وكانت السلطات قد علّقت الدراسة في جميع المدارس السودانية مع بدء العام الدراسي “2019 – 2020” بسبب الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالسلطة المدنية في نهاية يوليو الماضي بعد مقتل نحو خمسة وإصابة أكثر من 60 آخرين من بينهم طلاب مدارس في تظاهرات بمدينة الأبيض.

ضربة البداية
وفي الوقت الذي كانت فيه كاميرات القنوات الفضائية وفلاشات الكاميرات تلاحق والي الخرطوم المكلف الفريق ركن أحمد عابدون حماد في مدرسة نموذجية بمحلية أم بدة وهو يعلن بداية العام الدراسي، كان مدير مدرسة الثورة الحارة التاسعة الثانوية بنين الطيب البلال يجاهد في إقناع من حضروا من طلابه بمواصلة الدراسة على الرغم من حالة السخط من البيئة المتردية لمدرستهم بفصولها المتصدعة وحمامتها المنهارة، فضلا عما لحق بهم من إساءات من إدارة التعليم عبر إحدى القنوات الفضائية كادت تدفعهم للخروج للشوارع شاهرين هتافهم لولا حكمة المعلمين.
مدير مدرسة الثورة الحارة التاسعة الثانوية الطيب البلال يقول إن بداية العام الدراسي كانت بالنسبة لهم متعثرة وسط أجواء نفسية سيئة للطلاب ومعلميهم بعد أن تسببت الأمطار والسيول في انهيار الحمامات وتصدع الفصول ومكاتب المعلمين، فضلا عن مشاكل الإجلاس ونقص الكتاب ومشكلات في التيار الكهربائي.
ويضيف البلال أنه لم تُجْرِ معالجة لمدرستهم بعد أن أبلغوا إدارة التعليم بالوضع، إلا أن مديرة التعليم بالمحلية أخبرتهم بأنها لا تمتلك حلا لهم وأن عليهم إيجاد التدابير المناسبة عبر مواردهم الخاصة.

غرب أم درمان
في الأثناء وفي الجهة الغربية من أم درمان، أعلن والي الخرطوم المكلف عن إكمال العام الدراسي في مارس القادم ٢٠٢٠م، مؤكدا أن الولاية قامت بمعالجة وإزالة كل التأثيرات الجزئية بالمدارس المتأثرة بالسيول والأمطار والعمل على معالجة التأثيرات الكلية باستيعاب التلاميذ والطلاب في المدارس المجاورة، مؤكدا التزام الولاية بإكمال جميع نواقص التعليم في مجال الإجلاس والكتاب المدرسي والفصول وصيانة الإجلاس، وموجها بمراجعة حمامات المدارس وسقوفات الفصول والأسوار للتأكد من سلامة التلاميذ.
ودعا خلال الوقوف على ضربة بداية استئناف العام الدراسي بمدرسة الأنفال النموذجية بنات الحارة ١٣ بمحلية أمبدة إلى تضافر الجهود لاستقرار ونجاح العام الدراسي والانتهاء في الزمن المحدد وفق التقويم التربوي، مشيدا بروح الجدية من المعلمين والتلاميذ لمقابلة استئناف العام الدراسي.

جبل أولياء
ومن محلية جبل أولياء أكد المعتمد اللواء حسام الدين محمد الأمين خلال جولة ميدانية برفقة مدير عام وزارة التربية والتعليم والمدير التنفيذي لمحلية جبل أولياء محمد علي شريف ولفيف من التربويين والإداريين بالوزارة والمحلية بغرض الوقوف والاطمئنان على سير الدراسة بعدد من المؤسسات التعليمية بالأساس والثانوي والتعليم قبل المدرسي بقطاع الأزهري.
وأكد المعتمد أن العام الدراسي سيتواصل وفقا لما هو مخطط، قاطعا بأن الجاهزية وإن لم تصل لنسبة 100% فهي تمكن من استمرارية العام الدراسي، معتبرا أن ضربة البداية لاستئناف الدراسة كانت موفقة، لأن كل المدارس افتتحت واستقبلت التلاميذ والطلاب والأطفال، معلنا استمرار المعالجات للمرافق بالمدارس المتأثرة بالأمطار والسيول والفيضانات، مؤكدا أن جهود المحلية ستتواصل متزامنة مع بداية الدراسة، موضحا قيامهم بتوفير المعينات وتأمين المسائل الأساسية اللازمة لمعالجة وردم المرافق المنهارة والمتصدعة من حمامات وأسوار وفصول، وأضاف: “آلينا على أنفسنا أن نؤدي رسالتنا على الوجه الأكمل وبما يجنب حدوث خسائر أيا كان نوعها”.

ماذا قال مدير التعليم؟
من جانبه أوضح مدير عام وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم عبد الله محمد نصر، أن الجولة الميدانية بجبل أولياء، كشفت أن الأمطار التي هطلت مؤخرا قد أحدثت أضرارا بالمؤسسات التعليمية وأن مدارس الأساس هي الأكثر تضررا، مبينا أن الأضرار تركزت بالمدارس التي تمت زيارتها، في دورات المياه التى ستتم متابعتها ومعالجتها من قبل المحلية.
وأعلن نصر أن الوزارة قررت أن تعمل هذه المدارس المتضررة بنظام الدورتين أو الاكتفاء بالأربع حصص الأولى على أن يعاود التلاميذ المجيء في صباح اليوم التالي لحين إكمال المحلية تشييد الدورات.
وتعهد نصر بالعمل على تكملة كل النواقص حتى يسير العام الدراسي بالصورة التي ترضي التلاميذ والأسر، معربا عن ثقته بقدرة المعلمين على تغطية وتعويض الحصص المؤجلة.
وفي سياق متصل، وصف نصر الأضرار بمدرسة الإنقاذ الجغرافية الثانوية التي شملتها الجولة، بغير المزعجة وأن هناك انهيارا في حمامات قديمة ستعالج بردميات وبإشراف مسؤولي التعليم والمهندسين بالمحلية حتى لا تشكل خطرا على الطلاب، مضيفا أن المدرسة بها حمامات سايفون تعمل بكفاءة عالية، لافتا إلى أن الوزارة أوفدت تيما لمنطقة الجيلي بمحلية بحري لتفقد الأوضاع.
وأكدت مدير التعليم بقطاع الأزهري منى يوسف ضيف الله، أن كل المدارس استأنفت الدراسة اليوم وأن المعلمين يعملون بحماس لتعويض الفاقد الزمني، وصولا بنهاية العام الدراسي لنتائج مشرفة.
من جهته أعلن رئيس الاتحاد المهني للمعلمين بمحلية جبل أولياء عبد الله آدم عبد الملك، قيامهم بحصر المعلمين والعمال المتضررين جراء الأمطار، داعيا إلى الوقوف بجانب المعلمين وبضرورة تكثيف الجهود لاستكمال المعالجات الجارية بالمدارس.

صورة مختلفة
مدير مدرسة الثورة الحارة التاسعة يقدم صورة مختلفة عن حالة الحماس تلك، ويقول إن قرار إلغاء عطلة السبت يمثل ضغطا نفسيا وجسديا إضافيا على المعلمين خاصة وأن ذلك يتم والمعلمين يعانون من ظروف مادية مؤلمة، قبل أن يضيف: “الأمر الأكثر إيلاما هو استمرار عناصر النظام السابقة التي أذلت المعلمين في إدارة العملية التعليمية حتى الآن”.

مدارس منهارة
وكشفت وزارة التربية والتعليم عن أن انهيار 450 مدرسة جراء السيول والفيضانات وهو ما يعادل 2% من جملة 19 ألف مدرسة. وقال رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك في تصريحات صحفية، إن فقدان العام الدراسي أمر صعب، مضيفا سنقوم بإجراء معالجات للمدارس المتضررة حتى لا نفقد العام الدراسي كاملاً.
وأكدت وزارة التربية والتعليم في تصريحات صحفية اكتمال الاستعدادات لبدء العام الدراسي وتجهيزات خاصة للمدارس المتضررة من خلال توفير فصول ومرافق مؤقتة. وأصدرت الوزارة قرارا بإلغاء امتحانات وعطلة الفترة الأولى على أن يستعاض عنها بالاختبارات الشهرية كما تم إلغاء عطلة السبت لتعويض الأيام المهدرة.
وكانت لجنة المعلمين -أحد الأجسام التابعة لتجمع المهنيين الذي قاد الاحتجاجات- قد دفعت بجملة من المطالب لتحسين البيئة التعليمية. ورهنت الحكومة استئناف الدراسة في البلاد بتوفير الاحتياجات المدرسية بشكل عاجل بتنسيق بين وزارتي المالية والتعليم.
وقال وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح، في أول مؤتمر صحفي للحكومة، إن وزير التربية والتعليم كشف عن إشكالات في توفر الكتاب المدرسي وعملية الإجلاس في بعض الولايات ووجه بفك أموال مجمدة لمعالجة وصول الكتاب المدرسي وعملية الإجلاس.
مدير مدرسة الثورة الحارة التاسعة يقول إن كل ذلك لم يحدث، وإن الكتب التي تم توفيرها لم تتجاوز نسبة 60% في حين أن البعض لم يُوفَّر أصلا. ويشير البلال لحال مدرسته بحماماتها المنهارة وفصولها المتصدعة ويقول: “على إدارة التعليم لن تتحمل المسؤولية إزاء أي كارثة تحدث بعد أن قرروا أن تفتح المدرسة”.

تركة ثقيلة
وتواجه العملية التعليمية في السودان تحديات كبيرة تسببت في ضعف البنية التحتية للتعليم والرواتب، بعد أن غير نظام المخلوع من سياسة مجانية التعليم وخفض من الإنفاق على قطاع التعليم لما بين 1 إلى 1.4% من الناتج الإجمالي المحلي للدولة، بينما الإنفاق المتعارف علية عالمياً بالنسبة للدول النامية يجب أن يكون في حدود 5% من الناتج الإجمالي المحلي.
ووضعت آخر موازنة للنظام السابق نحو 2.9 مليار جنيه للتعليم -تعادل بسعر الصرف وقتها 116 مليون دولار- أي نحو 2.2% من اعتمادات الموازنة العامة التي تبلغ 136.9 مليار جنيه – 5.5 مليار دولار بسعر الصرف وقتها -.

تحفظات لجنة المعلمين
ويقول مسؤول الإعلام في لجنة المعلمين والمتحدث باسمها سامي الباقر، إنهم أبدوا تحفظات على استئناف العام الدراسي قبل التأكد من سلامة البيئة التعليمية وقد دفعوا بجملة من المطالب في هذا الصدد على رأسها تأهيل المدارس ورفع رواتب المعلمين التي لا تتجاوز لمن هم في الدرجة الثانية -بعد نحو 30 سنة خدمة- ما يعادل 40 دولاراً.
المتحدث باسم لجنة المعلمين يشير إلى أن رئيس الوزراء أبدى تجاوبا مع مطالبهم بعد أن دعا لعدم فتح المدارس المتضررة التي يمكن أن تهدد سلامة الطلاب والمعلمين.
الباقر أشار إلى أن رئيس الوزراء وعد بإعادة ترتيب أولويات الموازنة بعد تحقيق السلام في الفترة الأولى من الفترة الانتقالية، وأعادة صرف نحو 75% من الموازنة التي كانت تخصص للجوانب العسكرية والأمنية لصالح الخدمات والإنتاج.
وأكد حمدوك للجنة المعلمين أن التعليم يمثل أولوية بالنسبة له باعتباره القاطرة الرئيسية للنهضة كما حدث في دول مثل اليابان وسنغافورة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.