العروة الوثقى د.أحمد التجاني محمد

تلخيص الدلالة عن الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة(2-2)!!

شارك الخبر

بالعودة لما سبق في تلخيص الدلالة عن الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة العامة للحج وانعكاستها وتبريراتها الواهية ودفعاً لإقامة مؤسسات خدمة مدنية حقيقية تسود فيها القيم الأخلاقية والشفافية وبصدد هذه الموبقات القاتلة يمكننا التساؤل عن التراجع والانحدار في الخدمات التي ظلت تقدم لحجاج ولاية الخرطوم الذين نالوا نصيباً وافراً من التعب والعنت خلال الموسم الماضي، فالإجابة واضحة وهي فقدان أهلية الأمين العام لمجلس الدعوة والإرشاد بعد انتهاء عقده مما جعله غير مؤهل لاتخاذ القرارات المصيرية، وثم عامل آخر وهو أن مدير الحج بولاية الخرطوم (كلفه المكلف) المنتهي عقده ومع ذلك تنقصه الخبرة الإدارية والقيادية فهو في درجة وظيفية لا تأهله لأن يتبوأ هذا المنصب لولا أن هناك جهات حملته على أكتافها لإيصاله لهذا الموقع من أجل إقامة تمكين جديد (رأسه من الشباب وأرجله من الكهول)، فمديرالحج الاتحادي رشح من يخلفه في ولاية الخرطوم بعد انتدابه للاتحادية وهو أيضاً جاء بترشيح من المدير الأسبق الذي يعد من أكثر المديرين جدلاً حتى أوصل البرلمان لحل قطاع المؤسسات التابعة للهيئة العامة للحج والعمرة هكذا أصبحت الوظائف الكبرى بالدولة تباص بين الشلليات والأصحاب، وسعادة الفريق حماد والي الخرطوم بعيد عما يدور في هذه المؤسسة المهمة، أما الأمين العام لحكومة ولاية الخرطوم فقد لزم الصمت ولم يقل صرفاً ولا عدلاً رغم صدور مذكرة من ديوان شؤون الخدمة بخصوص العقود المنتهية .
العمائر السكنية لحجاج ولاية الخرطوم هذا العام كانت بعيدة بعد أن كانت في مواقع استراتيجية على مقربة من الحرم ومشعر منى وصاحب ذلك ضيق في المخيمات بـ(منى) لأن المتعهد قام بتسليم المخيمات للبعثة بنقصٍ بلغ أكثر من 20% الأمر الذي خلق ضيقاً وحالة مأساوية بالمخيمات ونتج عن ذلك الافتراش بالممرات التي في أصلها تعاني من الضيق خلافاً لممرات الدول الأخرى ولم تقم البعثة بالمطالبة بتعويض النقص في مكان آخر ولو في المنطقة(ج) البعيدة ولم تطالب باسترجاع المبلغ الناتج عن النقص للحجاج في المخيمات ففي الأصل هذه الحزم خدمة مدفوعة الأجر، فإن تم كما يكون فمرحباً وإلا فالمطالبة باسترجاع المبلغ للحجاج أمر مشروع أما الوجبات المقدمة لحجاج الخرطوم بمشعر منى فلم تكن على ما يرام من خلال زيارتنا الميدانية.

حج الخدمات الخاصة حدث ولا حرج كثير من الوكالات نالت حصتها مجاملة ومن دون تأهيل على حساب الوكالات المؤهلة أما الحج المميز فليس فيه ما يميزه هذا العام سوى الاسم وكاد أن يتساوى في الخدمات مع الوكالات العامة خاصة في مشعر منى؛ رغم الفارق في السعر، حجم البعثة الإدارية لمعالجة مشكلات حج الخدمات الخاصة كشف لنا الأزمة مكانا وين!! وما يلفت الانتباه أن الدولة دفعت مبلغ 60 مليون دولار لتغطية تكلفة الحج ثم تبين الأمر.. أن هذا المبلغ لا يشمل حج الخدمات الخاصة (القطاع السياحي) وبالتالي كانت المفاجأة أن الحج السياحي الذي لم تلتزم الدولة بتحويلاته المالية بالسعر التحفيزي أقل تكلفة من الحج العام الذي دفعت الدولة تحويلاته المالية بالعملة الصعبة.
إعادة هيكلة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وإداراتها التابعة لها أمر في غاية الأهمية، وقد اعترف المدير العام للحج والعمرة السيد عمر مصطفى عقب تسلمه مهامه في مايو الماضي في (تصريح حصري) بعدم كفاءة الكثيرين من موظفي الإدارة وكشف عن الاجتماع الموسع الذي عقده مع موظفي إدارته وأبلغهم أنه غير راضٍ عن أداء الإدارات بما في ذلك الإعلام وأنه بصدد التغيير والهيكلة.
(داخل كبينة الإدارة العامة للحج والعمرة) عقب الفراغ من أعمال موسم حج 1440هـ مباشرة القى باللائمة على المدير السابق السيد علي شمس العلا بالتأخير في إجراء التقييم الذاتي والقيام بالإصلاح المنشود.
أما بخصوص المنسقية العامة للحج والعمرة فقد كشف السيد مصطفى عن عزمه تسمية منسق جديد عقب الفراغ من الموسم معللاً بأن فترة المنسق المقيم بجدة سوف تنتهي في شهر أكتوبر وألمح إلى تسمية شخص جديد بعد أن أبدى عدم رغبته في استمرارية المنسق الحالي.
ولطالما أن هذه هي قناعة المدير العام فإن النتيجة الكبرى تكمن في الأفعال وليس الأقوال لكنه سيؤجر على نيته هذه؛ اليوم أصبح القوس في يد وزير الأوقاف ولا سلطة تعلو فوق سلطته. زيادة مرتبات الموظفين والعاملين وإزالة الفوارق بين أهل الوزارة والإدارة تعد مطلباً منطقياً ولكني أرى في الأول أن توحد المرتبات على مستوى كل درجة وظيفية ومن ثم يتم تعديل المرتبات وإلا فإن الظلم سيكون مستمراً. فالموظفون بالوزارة كانوا ينظمون شؤون الحج قبل قيام الهيئة العامة للحج والعمرة في العام 1996م ثم حلت بالقرار رقم(6) في العام 2012 وجعلت منها إدارة تابعة لوزارة الأوقاف وكان من المفترض أن يرجع المهام والاختصاص لموظفي الوزارة باعتبارها إدارة من ضمن إدارات الوزارة الخاضعة لسلطة الوكيل وليست لها أي خصوصية أخرى لكن هناك من تلاعبوا على القرار لخدمة أهدافهم الخاصة وهكذا عادت الهيئة في ثوب الإدارة (يقولون إدارة والله يعلم أنها ليست إدارة بل هيئة خرجت بالباب وعادت بالشباك) ولا رابط لها بالوزارة سوى اللافتة التي تحملها !! والأدلة والشواهد الدالة على ذلك كثيرة فقد ظلت الإدارة محتفظة بميزانيتها وأموالها بعيدة عن الشؤون المالية والإدارية بالوزارة، وموظفوها غير خاضعين لإدارة شؤون الخدمة بل كانت لهم إداراتهم الخاصة بالشؤون المالية والإدارية والإعلام والمراسم التي كانت ترعى خارج قيودها وتنسق مع الجهات السيادية مباشرة ومن دون التشاور مع الإدارة الكبرى بالوزارة.
وفي سبيل إصلاح هذا الاختلال المشار إليه بالحج والعمرة دفع الدكتور عبد الجابر مرعي وكيل وزارة الأوقاف الأسبق ثمن إصراره على معالجة هذه التشوهات وضبطها وجعلها إدارة حقيقية من غير أي تميز فبدأ بسحب السيارات الفائضة من الإدارة كما قام بوضع حجر الأساس لتشييد مقر الوزارة بالإدارة العامة للحج والعمرة بل كان يريد نقل الوزارة إلى هناك لتذويب إدارات الحج والعمرة داخل إدارات الوزارة المؤهلة والاستفادة من المبالغ التي ظلت تصرف شهرياً بالدولار في ايجار مقر الوزارة لتشييد برجها إلا أن اللوبي المنتفع الذي كان يعمل لصالح كباتن الحج والعمرة سارع وأقال الدكتور عبد الجابر مرعي وكيل الوزارة في العام 2014م.

منظمة الشفافية السودانية عقدت مؤتمراً صحفياً قبل موسم الحج كشفت خلاله عن حجم البعثة الإدارية وعددها والاستحقاقات المالية والتعاقد على حزم خدمات الإسكان، الإطعام، الترحيل ومستلزمات الحاج، والخدمات الإضافية وأبانت حجم الاختلال بهذه الإدارة؛ ما أشارت إليه منظمة الشفافية هو جوهر ما ظللنا ننادي به منذ سنوات.
واليوم نطالب الوزير أن يكشف للرأي العام هذه الأمور (لأن زمن الغتغته انتهى وما عاد الطلس يحجب الحقائق).
ولاية الخرطوم أيضاً مطالبة بالإفصاح عن الحصة وآلية توزيعها وما هي الاحترازات التي وضعت للحيلولة دون التلاعب بها في السوق كما نطالب الولاية بالكشف عن النقل الجوي وكيف رسا العطاء على شركة طيران ناس، والوكيل، والوكالة المنفذة لكل هذه الأمور ظلت طي الكتمان لا يعلم عنها إلا القليل.
الأجدر بوزير الأوقاف أن يضع أولى بصماته بالمطالبة بملء إقرارات الذمة من موظفي وزارته ومن ثم ينظر في تقرير المراجع العام الذي نشرته صحيفة الجريدة بخصوص مبالغ آلية الهدي لأننا اليوم نلحظ هرولة غير مسبوقة لتسديد المبلغ المشار إليه بعد أن أشهر المراجع سيفه في وجه المخالفين وأصدر مذكرات أمر قبض لملاحقة (آكلي مال الله)!!.
وعلى أي حال فإن هذه القضية تعد فضيحة مخجلة تكشف مدى السرطان المنتشر في الخدمة المدنية، وقد أشار الخبراء إلى أن هذه المسألة تعد من الأمور التي قد ترتقي إلى الفصل من الخدمة المدنيةً مع السجن.
الزكاة ظلت تغرد في غير مكانها حتى كونت لنفسها امبراطورية ونأمل أن يسعى وزير الأوقاف لإرجاع هذا الشارد إلى حظيرته لأن الزكاة أمر ديني يجب أن يعود إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية كما كان في السابق وهي من الإسقاطات والترضيات التي ابتدعت سابقاً وطالبنا كثيراً بمعالجة هذا الاختلال الواضح.
المجلس العسكري عزف على ذات الوتر المتبع سابقاً ثم صادر حق تعيين المدير العام من الوزير أو الأمين العام السابق وعين مديراً جديداً للحج والعمرة من دون التقيد بالدرجة الوظيفية داخل الوزارة ولمعالجة هذا الخطأ كان يتحتم على الأمين العام المكلف السيد الفاتح مختار القيام برئاسة بعثة الحج غير أن اللجنة الاجتماعية كانت تريد غير ذلك وفي خضم هذا الغياب أصبح المدير العام يضع الخطة ويجيزها بنفسه ويصدق المكافآت والحوافز ويجيزها بنفسه لنفسه، وما لم يعد حق التعيين والإعفاء للوزير ستظل صلاحيته منقوصة وهيبته مهزوزة بين الوزراء القابضين على الزناد.
تلك كانت شهادة عن ذلك الانزلاق المشار إليه بالإدارة وإذا أمكن للبعض أن يجد تبريراً مناسباً في هذا السلوك وما يبرره ويضفي عليه مشرعيته فليأتنا به لنهتدي من ظلمات الجهل، وأخيراً فإن النتيجة التي نظن أننا قد استطعنا توضيحها من خلال هذا السرد لا تمثل إلا القليل في عمق أغوار هذه الإدارة المحصنة بالألغام بعد أن صارت هذه رغبة في التوفيق والجمع بين المتقابلات المتناقضة سلوكاً مشيناً في بلاط وزراء الأوقاف والشؤون الدينية المتعاقبين.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.