د/ عادل عبد العزيز الفكي

سياسة التحرير الاقتصادي المفترى عليها

شارك الخبر

يعاني المواطنون في السودان من غلاء طاحن، حيث لا تتوافق دخولهم مع أسعار السلع الأساسية الحياتية. وعند تناول هذه المشكلة في ورش العمل والاجتماعات واللقاءات ينبري البعض من المسؤولين والإعلاميين وغيرهم، ليقرروا، بطريقة جازمة، أن سياسات التحرير الاقتصادي هي السبب وهي المشكلة، ويجب العدول عنها لتنخفض الأسعار، ويهدأ السوق. بالطبع فإن هذا الكلام غير حقيقي، وينطوي على قدر كبير من التحليل الخاطئ، وهو في الغالب يصدر عن أشخاص غير متخصصين في الاقتصاد، لهذا يأتي حديثهم مرسلاً وعاطفياً، غير مستند لأسس علمية.
في الحقيقة إن سياسة السوق الحر هي نتاج الفكر الاقتصادي البشري على مر العصور، فبعد أن جربت البشرية نظام الإقطاع، ثم الشيوعية، فالاشتراكية، وغيرها توصلت إلى أن الاقتصاد الحر هو الطريق الأمثل للنمو الاقتصادي، وزيادة الإنتاج وتحقيق الوفرة، لأن هذا النمط من الاقتصاد هو الذي يتماشى مع طبيعة البشر في النزوع لإنتاج ما يريدون فيجتهدون فيه، ولاستهلاك ما يحبون فيستمتعون به.
لكن بطبيعة الحال فإن تبني أي دولة لسياسة السوق الحر لا يعني تركها الحبل على الغارب للناس، لأنه في هذه الحالة سوف تظهر الصفات السيئة والشريرة في البشر، من جشع وطمع ورغبة في جمع المال كيفما اتفق. لهذا تضع الدولة قوانين المواصفات والمقاييس والمعايير لما يُنتج ويُستهلك، كما تضع قوانين لرعاية المنافسة ومنع الاحتكار، وتضع قوانين كذلك لرعاية حقوق المستهلك في الحصول على المعرفة مثل معرفة مكونات المنتج الصناعي ليتفادي ما يضره، ومعرفة مكونات أي خدمة مقدمة وهل تلبي احتياجه أم لا.
إذا طبقنا ما نقول على واقعنا في السودان نجد أن سياسة التحرير الاقتصادي قد حركت جمود الاقتصاد، لأنها شجعت المبادرة الفردية، والرغبة الكامنة في الإنسان نحو تحقيق الربح ومن ثم الرفاهية لشخصه وأسرته، فزاد الناتج المحلي الإجمالي، وزاد بالتالي نصيب الفرد من هذا الناتج. غير أن الدولة فشلت فشلاً ذريعاً في تنفيذ القوانين الخاصة بردع هوى النفس البشرية وجشعها.
وعلى هذا نتوصل إلى أن سياسة التحرير الاقتصادي كنموذج اقتصادي لا غبار عليها، وتتبعها في الوقت الحالي كل دول العالم تقريباً، حتى الصين التي تعتبر قلعة الشيوعية في الوقت الحالي. ولكن فشلنا في وضع وتنفيذ القوانين الضابطة هو المشكلة، وهو المتسبب في الغلاء الفاحش.
على سبيل المثال فإن إلزام كل تاجر بالبيع بالفاتورة لسلعته يضمن سداد هذا التاجر لضريبته التي تستخدمها الدولة لترقية الخدمات، ويضمن من ناحية ثانية مسؤوليته عن السلعة فإذا سببت ضرراً للمستهلك عاد عليه بالتعويض، ويضمن من ناحية ثالثة بيعه السلعة بأقل ربح ممكن حتى لا تزيد ضريبة أرباح الأعمال عليه فيدخل في فئة أعلى.
أما إلزام التاجر أوالمصنِّع أو المورِّد بتوضيح سعر البيع للمستهلك على الرف، أو على السلعة نفسها، فإنه يضمن عدالة المنافسة، وحق المستهلك في المعرفة. بينما وجود هيئة قوية لمنع الاحتكار يضمن وصول السلع بأسعار معقولة للمستهلكين. والله الموفق.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.