صديق نقد الله المحامي

تعيين رئيس القضاء والنائب العام جدل لم ينته

شارك الخبر

السلطة القضائية سلطة مستقلة عن الجهاز التشريعي والتنفيذي ومستقلة ماليا وإداريا وكذلك النيابة العامة.
الوثيقة الدستورية احترمت هذه الاستقلالية وذلك بتحديدها كيفية تعيين رئيس القضاء الذي يرشحه مجلس القضاء العالي ويعتمده المجلس السيادي، وكذلك النائب العام الذي يرشحه المجلس الأعلى للنيابة ويعتمده المجلس السيادي.
قبل توقيع الوثيقة الدستورية، عيَّن المجلس العسكري الانتقالي رئيس القضاء والنائب العام، بعد ذلك ظهرت المطالبة من قوى إعلان الحرية والتغيير بإعفاء رئيس القضاء والنائب العام وتعيين بديلين لهما وسيروا المسيرات المليونية في سبيل ذلك، بل وقاموا بترشيح الأسماء البديلة، وقوى الحرية والتغيير تُعدُّ بمثابة الحزب الحاكم وتدخلها في أمر تعيين رئيس القضاء والنائب العام يتنافى ومبدأ الاستقلالية الذي احترمته الوثيقة، بل ينسفه تماما.
رغم تحفظنا على هذا السلوك، كان الأجدى أن تتم المطالبة بذلك قبل توقيع الوثيقة الدستورية، حيث كان ذلك ممكنا، ولكن بعد توقيع الوثيقة الدستورية يجب الالتزام بها واحترامها.
إن أردنا تعيين رئيس قضاء ونائب عام في هذا الوقت وقبل تشكيل مجلس القضاء العالي ومراجعة قانون النيابة العامة يكون الأمر كالتالي :
*في حالة تعيين رئيس القضاء إذ إنه حسب الوثيقة الدستورية في الفصل الأول المادة 2 الفقرة (ا) تقول: يلغى العمل بدستور السودان الانتقالي والدساتير الولائية علي أن تظل القوانين الصادرة بموجبها سارية المفعول ما لم تعدل أو تُلغَ.
وفي الفصل الثامن المادة 8 (1) ينشأ مجلس القضاء العالي، يحل محل المفوضية القومية للخدمة القضائية ويتولى مهامها.
يتضح من ذلك أن المفوضية القومية للخدمة القضائية قائمة وباقية وتحل فور تشكيل مجلس القضاء العالي، كما أن قانونها أيضًا باقٍ ولم يلغ أو يعدل، فحسب قانون المفوضية القومية للخدمة القضائية لسنة 2005 المادة 5 الفقرة (1)، فإن مهام المفوضية واختصاصتها، تعطي المفوضية الحق في التوصية بتعيين رئيس القضاء ونوابه، وعليه وطالما المفوضية القومية للخدمة القضائية قائمة وكذلك قانونها، فإنها هي الجهة الوحيدة التي توصي وترشح لتعيين رئيس القضاء.
* في حالة تعيين النائب العام والذي حسب الوثيقة، يتم عبر الترشيح من المجلس الأعلى للنيابة؛ فالمجلس الأعلى للنيابة قائم وموجود بموجب قانون النيابة العامة لسنة 2017 والذي لم يعدل أو يلغَ، حيث جاء في فصله الثاني المادة (4): ينشأ مجلس يسمى المجلس الأعلى للنيابة العامة.
بالتالي هو الجهة المناط بها ترشيح النائب العام دون سواها كما ذكرت الوثيقة الدستورية والتي تسود أحكامها.
هنالك حديث عن تعديل الوثيقة الدستورية قبل التوقيع النهائي؛ بموجبه يعطى الحق للمجلس السيادي بتعيين رئيس القضاء والنائب العام، وإنني أتساءل إن كان هذا الأمر حقيقة؛ لماذا لم يصدر مجلس السيادة قرارًا بالتعيين مباشرة، أسوة بقرار تعيين المجلس السيادي ومجلس الوزراء؟؟ وهل كان الأمر يحتاج لفتوى من وزير العدل؟ رغم تحفظنا من حيث الاختصاص أو المحكمة الدستورية؟
وأيضًا هناك حديث عن إمكانية تعديل الوثيقة الدستورية بما يسمح للمجلس السيادي بتعيين رئيس القضاء والنائب العام وذلك استنادًا على الوثيقة الدستورية في المادة 24 الفقرة (3) والتي تقول إلى حين تشكيل المجلس التشريعي تؤول سلطات المجلس لأعضاء مجلس السيادة والوزراء يمارسونها في اجتماع مشترك وتتخذ قراراته بالتوافق بأغلبية الثلثين.
بالرجوع للوثيقة الدستورية في المادة (24) اختصاصات المجلس التشريعي وسلطاته، لم يرد نص يشير إلى إمكانية التعديل، وبذلك يتضح أن ذلك لا يسعف والإيفاءَ بالغرض.
الوثيقة الدستورية في فصلها السادس أحكام متنوعة المادة 70 الفقرة (7) وضعت متاريس وحصونًا عالية جعلت مرور أي تعديل أو إلغاء لهذه الوثيقة غير ممكن إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي، وهذا الحق أُعطي للمجلس التشريعي وحده وبهذه الأغلبية الكبيرة حفاظًا على الوثيقة من التعديلات المتكررة إن تم التساهل في كيفية التعديل.
أرى أن يظل الوضع كما هو عليه إلى حين تشكيل مجلس القضاء العالي ومراجعة قانون النيابة العامة ونترك العبث بالوثيقة الدستورية والمحافظة على هيبتها واحترامها.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.