مفاوضات ملء سد النهضة.. المصالح تباعد المواقف

تقرير: محمد عبد العزيز

اختتمت بالخرطوم أمس السبت اجتماعات وزراء الري والموارد المائية لدول السودان ومصر وإثيوبيا دون التوصل لتفاهمات كبيرة في ترتيبات ملء وتخزين المياه في بحيرة سد النهضة، وبحسب مصادر مطلعة على سير المفاوضات تحدثت لـ(السوداني) –واشترطت عدم الكشف عن هويتها- فإن الدول الثلاث توافقت على عدم وجود ضرر ذي شأن عند ملء السد في السنوات ذات الإيراد العالي، واختلفت بشأن الملء أثناء السنوات الجافة وفترات الجفاف الممتد.

تفاصيل الاجتماعات
جاءت أجندة اجتماعات الخرطوم وفقا للتوجيهات الموقعة من قبل وزراء المياه في اجتماعهم الأخير بالقاهرة في 16 سبتمبر الماضي، وناقشت مخرجات الاجتماع الوزاري الثالث للجنة ومخرجات الاجتماع الوزاري الذي عُقد بأديس أبابا في سبتمبر من العام 2018.
وقامت المجموعة البحثية في كل دولة بتسليم وعرض مقترحاتها لكيفية ملء بحيرة السد وطريقة تشغيله، فيما اتفقت الأاطراف على مناقشة موضوعات محددة تجمع بين المقترحات الثلاثة في ضوء مبدأ التعاون والتكيف مع حجم المياه الواردة من الهضبة الإثيوبية بجانب برنامج الملء الأول للسد والذي يشمل التشغيل أثناء الملء الأول والتشغيل الدائم والتشغيل أثناء السنوات الجافة وفترات الجفاف الممتد.
وأضافت المصادر أن الخبراء الفنيين المصريين ذكروا خلال الاجتماعات أن الخطة الإثيوبية المعلنة التي تحدد المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد تستغرق عامين، وفي نهاية المطاف سيُملأ خزان السد في إثيوبيا إلى 595 متراً، وستصبح جميع توربينات الطاقة الكهرومائية في السدّ جاهزة للعمل، ما سيؤدي إلى تناقص منسوب المياه في بحيرة ناصر جنوبيّ السدّ العالي بنحو كبير، خصوصاً إذا انخفض منسوب الفيضان في العامين المقبلين، ليقلّ عن مستوى 170 متراً، ما يعني خسارة 12 ألف فدان من الأراضي القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد كمرحلة أولى، من إجمالي 200 ألف فدان تتوقع وزارة الموارد المائية والريّ المصرية خروجها نتيجة المدة الإجمالية للملء.

وأوضحت مصادر صحفية أن الفريق المصري اقترح على الإثيوبيين أن يتم إيقاف عملية الملء إذا انخفض منسوب بحيرة ناصر عن 165 متراً، باعتبار أن هذا المنسوب هو الذي يضمن عدم خروج الأراضي الزراعية المصرية من الخدمة، وأن يكون هذا الرقم هو المؤشر الذي يُحدَّد من خلاله استئناف الملء من عدمه، الأمر الذي أثار استهجان الإثيوبيين الذين تمسكوا بأن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر قد يؤدي إلى حرمان بلادهم إمكانية الملء لأشهر عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي فإنهم يعتقدون أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.
وأضافت المصادر أن الفريق السوداني سعى لتقديم بعض الحلول التوافقية من أرضية فنية بحتة، التي ستعرض على اجتماع الوزراء، لكن الجانب الإثيوبي ما زال متمسكاً بأن يكون قرار الملء والإيقاف والاستئناف محليّاً صرفاً، “حفاظاً على السيادة الوطنية دون تدخل طرف رابع”.
من الواضح أن السودان وإثيوبيا يرفضان دخول وسيط رابع في المباحثات الثلاثية بشأن سد النهضة الإثيوبي، استنادا على تجارب سابقة في الملف، فيما طالبت الدولتين بمنح اللجان الفنية البحثية زمنا إضافيا للوصول إلى اتفاق حول النقاط مثار الخلاف وذلك بناءً على النجاح الذي أحرزته هذه اللجنة.
وزير الري والموارد المائية الإثيوبي سليشي بيكلي قال في مؤتمر صحفي، إن المصريين تقدموا بمقترح يستحيل تنفيذه مؤكدا أنهم طالبوا بـ 40 مليار متر مكعب في السنة في حين أن مخزون إثيوبيا حوالي 20 مليار متر مما يعني أن إثيوبيا تعطي مصر من مخزونها من المياه بجانب ضمانات.
وأضاف بيكلي: “لا أحد يمكنه تقديم ضمانات في هذا الشأن إلا الله فالأمر مرتبط بمنسوب الخريف كل عام”.
ولفت الوزير الإثيوبي إلى أن السودان تقدم بمقترح 35 مليار متر مكعب، كاشفا عن أن إثيوبيا ليس لديها مانع في مقترح تعبيئة السد خلال 7 سنوات وفقا لأسس علمية وتقديرات فنية.
مواقف وتصريحات
طالب وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس اليوم السبت بمزيد من الوقت للجنة الفنية البحثية لحل تعقيدات الفنية بشأن الملء دون أضرار بمصالح أحد.
وأقر زير الري والموارد المائية السوداني في تصريحات صحفية في ختام اجتماع وزراء مياه السودان وإثيوبيا ومصر بوجود خلافات بشأن الملء والتشغيل في حال السنوات الجافة، وطالب بإعطاء مزيد من الوقت للجنة الفنية البحثية لحل التعقيدات، وأضاف: لا بد من استمرار هذه اللجنة لمعالجة النقاط الفنية لحين توصل الدول الثلاث لتفاهمات بشأن الملء دون أضرار لأحد، مؤكدا أن خبراء الدول الثلاث قادرين على إكمال مهمتهم بنجاح دون الحاجة لوسيط رابع.
وقال عباس إن الاجتماع الوزاري ناقش خطوات ملء السد، مشيرا إلى أن عدد سنين ملء البحيرة قد يستغرق من ٤ إلى سبع سنوات اعتمادا على كون السنة شحيحة الإيراد أم مطيرة مضيفا: “بناء السد الإثيوبي يتم على مراحل في كل مرحلة يزيد ارتفاع السد ويتم التخزين والتوليد الكهربائي”.
في الأثناء قالت وزارة الموارد المائية والري المصرية في بيان صحفي، إن مفاوضات سد النهضة وصلت إلى طريق مسدود نتيجة لتشدد الجانب الإثيوبي ورفضه كل المقترحات التي تراعي مصالح مصر المائية مطالبة بتنفيذ المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ بمشاركة طرف دولي في مفاوضات سد النهضة للتوسط بين الدول الثلاث وتقريب وجهات النظر والمساعدة على التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الدول.
وقال المتحدث باسم وزارة الري محمد السباعي في بيان صحفي، إن إثيوبيا قدمت خلال جولة المفاوضات مقترحا جديدا يعد بمثابة ردة عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل حيث خلا من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوي من سد النهضة والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد التي قد تقع في المستقبل كما رفضت إثيوبيا مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015، مما يتعارض مع الأعراف المتبعة دوليا للتعاون في بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة.
من جانبه أعلن وزير الري والموارد المائية الإثيوبي سليشي بيكلي في مؤتمر صحفي منفصل رفضهم أية وساطة من أية جهة، مؤكدا أن التفاوض سيستمر بين البلدان الثلاثة من أجل الوصول إلى اتفاق.
وقال الوزير الإثيوبي، إن الخبراء من إثيوبيا والسودان ومصر قدموا بعض المقترحات مما يعني أن المفاوضات لم تصل لطريق مسدود.
مضيفا: “أن المصريين تقدموا بمقترح مستحيل تنفيذه”، مؤكدا أنهم طالبوا بـ”ضمان مرور 40 مليار متر مكعب في السنة وهو ما لم يمكن تحقيقه باعتبار أن ذلك الرقم أعلى من إنتاج النيل الأزرق والأنهار الأخرى، والتي تقدر بنحو 20 مليار متر مكعب مما يعني أن إثيوبيا ستعطي مصر من مخزونها من المياه”.
وتريد مصر ألا يقل منسوب خزان السد العالي خلال سنوات ملء سد النهضة عن 165 متراً، لأنها تخشى أن تتزامن المرحلة الأولى لملء السد مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق في إثيوبيا، على غرار ما حدث في 1979 و1987.
وحدثت الأزمة خلال سبع سنوات (1980 إلى عام 1987)، حيث انخفض تدفق النيل الأزرق في تلك الفترة إلى مستوى تدفق السنوات العجاف والذي يقدر بنحو 20 إلى 25 مليار متر مكعب، وهو ما انعكس على تدفق المياه لنهر النيل، إلا أن السد العالي حد من تعرض مصر لأزمة كبيرة إثر انخفاض تدفق المياه من النيل الأزرق.
وأُعلن عن سد النهضة الإثيوبي الذي تبلغ تكلفته أربعة مليارات دولار في عام 2011، وتم تصميمه ليكون حجر الزاوية في مساعي إثيوبيا لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في إفريقيا من خلال توليد كهرباء تصل إلى أكثر من 6000 ميغاواط.
وتتخوف مصر من تأثير سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق على حصتها السنوية من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب، بينما يؤكد الجانب الإثيوبي أن سد النهضة سيمثل نفعا في مجال توليد الطاقة وأنه لن يمثل ضررا على السودان ومصر.
ويقع سد النهضة على النيل الأزرق على بعد حوالي 20 كلم من الحدود السودانية وتبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.