الطريق الثالث – بكري المدني

سجن سجن - غرامة غرامة

من المتوقع بل من المؤكد أن يواجه عدد من قيادات المؤتمر الوطني (الحاكم سابقاً) والحركة الإسلامية في الفترة المقبلة استدعاءات من النيابة العامة وربما اعتقالات ومحاكمات وهذا شيء مفهوم بل ومطلوب إن ما قام على القانون والعدل.
غير المقبول أبداً أن يخفي أي قيادي إسلامي مطلوب للعدالة نفسه أبداً أو أن يحاول الخروج من البلاد حتى وإن توجس من غياب العدالة في التحقيق معه أو محاكمته والأفضل له ولسيرته ولأسرته ولمن قدموه طوال السنوات الماضية قيادة وقدوة أن يواجه مصيره بصدر مفتوح ووجه مفتوح.
الأفضل -في رأيي-لأي قيادي من العهد السابق يشتبه فيه، أن يكون ظاهراً يحيا بين الناس ويمشي على الطرقات ويغشى الأسواق، وإن طلب للمحاكمة وحوكم بالبراءة نال فضل الثبات حتى الممات، وإن سجن فإن سجن المحكمة حتى وإن غابت العدالة أكرم من العيش تحت ظل الاتهامات والمطاردات.
ليس في تاريخ الإسلاميين في السودان على مختلف أحزابهم رجلاً في قيمة وأهمية الشيخ حسن الترابي يرحمه الله وإن كان لهم فيه قدوة في السياسة والحياة فلقد كان للرجل شجاعة حد الغرابة في مواجهة الأقدار والسجون.
أكثر من عشر سنوات من عمر الترابي قضاها في السجون والمعتقلات لم يتخف يوماً ولم يتنكر ولم يخرج من السودان في أحلك الظروف السياسية بل كان ينتظر تنفيذ قرار الاعتقال دائماً في كامل الجاهزية.
لم يخرج الترابي من السودان أبداً لا عبر الجو ولا عبر البر رغم المهددات التي واجهته في حكم النميري يرحمه الله، وفي فترة الأحزاب خلال الديمقراطية الثالثة، ولا حتى في عهد البشير، ولقد رفض أيام المفاصلة مقترح الهجرة والإقامة في (الدوحة) بل سخر من ذلك وفضل البقاء في السجن (حبيساً).
عند اعتلال صحته ما كان الترابي يفضل السفر للعلاج بالخارج ..ومراجعته للأطباء في قطر والتي اكتشف فيها ضعفاً في قلبه.. إنما جاءت على هامش زيارة عمل له للدوحة..ولقد عاد وانهمك في أعمال الحوار الوطني ورفض السفر مجدداً لمعاودة الطبيب حتى أسلم الروح على كرسي مكتبه .
حدثنا بعض ممن سجنوا مع الترابي يرحمه الله في أوقات وظروف مختلفة أنه كان أكثر المسجونين صبراً وثباتاً وكان يحول فترة سجنه دائماً إلى فترة إنتاج فكري وأغلب مؤلفاته في السياسة والدين خرجت من بين جدران السجون.
قبل أن يفكر أي قيادي من قيادات الإسلاميين اليوم في الخروج من السودان لأي ظرف كان وإن كان صحياً طارئاً أو مزمناً عليه مراجعة السلطات لمعرفة إن كان مطلوباً أو لا أما إن فعل غير ذلك أو تعلل بالمرض للخروج وعدم مواجهة الاتهامات ودرء الشبهات فليس له من تبعية شيخ حسن إلا الاسم!
أعتقد أيضاً أنه من الأسلم لأي من قيادات الإسلاميين الذين خرجوا من البلاد بعد سقوط الحكومة العودة للسودان والبقاء فيه رهناً لطلب السلطات القضائية ودرءاً لأي اتهامات بالهروب.
لله درء القائل في مثل هذه الأوقات والأحوال -أبو ملاذ (سجن سجن غرامة غرامة )!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.