الأستاذة الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه مديراً لجامعة الخرطوم

أحمد إبراهيم أبوشوك

تُعْدُّ الأستاذة الدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه أول امرأة تعتلي منصب مدير جامعة الخرطوم، الجامعة التي شَكّلت نواتها الأولى كلية غردون التذكارية، تخليداً لذكرى الجنرال تشارلس غردون، حاكم السودان (1844 – 1885م) في العهد التركي المصري (1821 – 1885م)، والذي وضعت قُوّات المهدية حدّاً لحياته العَامِرة بالبطولات في سراياه بالخرطوم في 26 يناير 1885م. اِفتتح البريطانيون الكلية في 8 نوفمبر 1902م، وبعد مُضي عقدين ونيفٍ من الزمان (1926م) أُلحقت بها مدرسة كتشنر للعلوم الطبية، وتبعتها مدرسة القانون، والزراعة والبيطرة عام 1938م، ثُمّ مدرستا العلوم والهندسة عام 1939م. وأخيراً تُوِّج هذا التّطوُّر الأكاديمي بإنشاء مدرسة الآداب عام 1940م، التي جَمَعَت في رحابها الآداب والاقتصاد والقانون. وبعد الحرب العالمية الثانية (1945) جُمعت هذه المدارس في هيئة أكاديمية سُميت بكلية الخرطوم الجامعية، وذلك باستثناء مدرسة الطب التي أُلحقت بكلية الخرطوم الجامعية عام 1951م. وفي ذلك العهد كَانت لكلية الخرطوم الجامعية علاقة وطيدة مع جامعة لندن، من حيث الاعتماد الأكاديمي للدرجات العلمية التي كانت تُمنح لخريجيها، وبرامج التوأمة بين الجامعتين، والمناهج الدراسية. وفي تلك الفترة كَانت كلية الخرطوم الجامعة تُعد من أرقى مُؤسّسات التعليم العالي في أفريقيا والوطن العربي. ولذلك أُطلق عليها مجازاً “الجميلة المُستحيلة”، فحقاً كانت جميلة شكلاً ومضموناً، ومستحيلة لأنّها كانت حِكراً على الطلبة المُتفوِّقين من أبناء وبنات السودان النُّجباء.
وببزُوغ فجر الاستقلال عام 1956م، أُعدل اسم كلية الخرطوم الجامعية إلى جامعة الخرطوم، وصُمِّم لها شعارٌ مُتميِّزٌ يُليق بِوضعها الجديد. ويقول البروفيسور النذير دفع الله عَن فِكرة تَصميم الشِّعار: “أخذتُ أفكِّر بتأنٍ، مشركاً معي الفنان إبراهيم الصَلحي. جال فكري على مَرّ الأيام حول ثلاثة معالم هي:-
1. المعرفة المُتفتِّحة، يُرمز إليها بالكتاب المفتوح.
2. خُصُوبة أرضنا وكرم أهلها ومَهد حَضارتنا، يُرمز إليها بالنيل وفرعيه، النيل الأزرق والنيل الأبيض.
3. نَهضة التّعليم الحَديث في السُّودان، الذي يتمثل في قيام أوّل مدرسةٍ حديثةٍ، تطوّرت بمُـرُور الأيام، لتصبح مجمع المدارس العليا، ثُمّ الكلية الجامعة، ثُمّ الجامعة.
4/ شعار في كلمات تتضمّن غاية الغايات، وهي: معرفة الله سبحانه وتعالى، والحقيقة التي تمثل الوسيلة، والتي بتسخيرها يُبنى الوطن، وتُسهم في تقدُّم الإنسانية، هكذا: الله – الحقيقة – الوطن – الإنسانية”. ويسترسل النذير قائلاً: “بعد أن قام الأستاذ الصلحي بتجهيز النماذج التي اتّفقنا عليها، دعوت إلى منزلي عُمداء الكليات، والمُشرف على شُؤون الطلاب، ومُشرف الداخليات، وأعضاء لجنة اِتّحاد الطلبة، وعرضت عليهم النماذج الأربعة. ولكن واحداً من المُجتمعين، وهو الأخ الدكتور عثمان سيدأ حمد إسماعيل أبدى تحفُّظاً في غاية الواجهة، وهو أنّ كُلّ النّماذج أتَت خُلُوّاً من شَكلٍ يُرمز لحضارتنا السُّودانية الأصيلة”. وكانت هذه المُلاحظة الدّافع للبحث عن مَعْلَمٍ يُشير إلى الحضارة المروية، وفي هذا يقول النذير: “وجدت شكلاً للوحة من الحجر عليها كتابة بالحروف المروية، اللوحة مُستطيلة الشكل، وقَد قدَّمها أحد أفراد الشعب هدية إلى الإله إيزيس أم الأجيال، التي تزداد حكمتها بتعاقُب ما تَنجب من أجيال (فكرة الجامعة). إيزيس في صورة كبش نفرتيتي. أكفيتُ بكتاب خ. ر. ط. م. وهي الأربع علامات في نص اللوحة، لترمز لجامعة الخرطوم من جهة، ولتبرز التحدي الذي تُواجهه الجامعة في إماطة اللثام عن حضارة سُودانية عريقة، مَا زالت لُغتها مجهولة. واكتمل التصميم في ديسمبر 1966م. ثُمّ طُبع الشعار، وأُنتج بواسطة الفنان مجذوب ربَّاح”. وهذه قصة شعار جامعة الخرطوم، الذي أضحى يتكوّن من أربع كلمات: الله، والحقيقة، والوطن، والإنسانية، كُتبت بخطٍ أقرب إلى الخط الديواني، على صفحة كتاب مفتوح، يُرمز للمعرفة بفروعها المُتنوِّعة، ويحتل الكتاب الجُزء الأعلى من الشعار، ويقسّم صفحة الكتاب عمودياً، خطان مُتوازيان، الخط الأيمن أزرق اللون، والأيسر أبيض اللون، ويمثل نهر النيل، والخَطّان المَائلان يُمثلان النيل الأزرق والنيل الأبيض، يمنة ويسرة على التّوالي، وما بين النيلين صُورة لمبنى الجامعة، تنبعث منها خُطُوط برتقالية ممثلة شعلة العَلَم، ومُبدِّدة ظلامات الجهل المُجَسّدة في الخلفية السوداء للوحة، وتمثل اللوحة المُستطيلة في الجُزء الأيسر من الشعار حضارة مروي القديمة، وبداخله أحرف مُنفصلة عن بعضها (خ. ر. ط. م)، تُرمز من طَرفٍ إلى اِسم الجامعة، ومِن طَرفٍ آخر إلى طلاسم اللغة المروية التي لم تُكتشف بعد.
مديرو جامعة الخرطوم
بعد عامين من استقلال السودان (1958م)، عُيِّن السيد نصر الحاج علي أول مدير سُوداني لجامعة الخرطوم، وظل في منصبه حتى عام 1962م. وفي الفترة من 1962 حتى 2019م شغل منصب مدير الجامعة عددٌ من علماء السودان البارزين. ونذكر الذين تولوا هذا المنصب تباعاً حسب التسلسل الآتي:-
• بروفيسور النذير دفع الله يوليو، 1962 – يوليو 1968م.
• بروفيسور عمر محمد عثمان، يوليو 1968 – أغسطس 1971م.
• بروفيسور مصطفى حسن إسحق، أغسطس 1971 – يوليو 1974م.
• بروفيسور عبد الله الطيب المجذوب، يوليو 1974 – نوفمبر 1975م.
• بروفيسور عبد الله أحمد عبد الله، نوفمبر 1975 – فبراير 1977م.
• بروفيسور علي محمد فضل، فبراير 1977 – فبراير 1981م.
• بروفيسور عمر محمد بليل، فبراير 1981 – أبريل 1985م.
• بروفيسور يوسف فضل حسن، أبريل 1985 – أبريل 1990م.
• بروفيسور مدثر الدرديري التنقاري، أبريل 1990 – يناير 1992م.
• بروفيسور مأمون محمد علي حمّيدة، يناير 1992 – يناير 1994م.
• بروفيسور هاشم محمد الهادي، يناير 1994 – مارس 1998م.
• بروفيسور الزبير بشير طه نصر: مارس 1998 – يناير 2000م.
• بروفيسور عبد الملك محمد عبد الرحمن، يناير2000 – أبريل 2004م.
• بروفيسور إبراهيم أحمد غندور، أبريل 2004 – يناير 2005م.
• بروفيسور محمد أحمد علي الشيخ، يناير 2005 – مارس 2009م.
• بروفيسور مصطفي إدريس، مارس 2009 – فبراير 2011م.
• بروفيسور الصديق أحمد المصطفى حياتي، مارس 2011 – فبراير 2015م.
• بروفيسور أحمد محمد سليمان، فبراير 2015 – أكتوبر 2019م.
• بروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه، أكتوبر 2019م.

البروفيسور فدوى.. التحديات والآفاق
لا جدال في أنَّ البروفيسور فدوى عبد الرحمن علي طه، قد تمَّ تعيينها في هذا المنصب استناداً إلى مُؤهّلاتها العلمية وخبرتها الأكاديمية. يضع هذا الاختيار على كاهلها جُملةً من التحديات التي يجب أن تنظر إليها بعينٍ فاحصةٍ ومُستأنسة برؤية الأستاذ العقاد: “إنَّ أجمل ما في الحياة الدنيا هو أسوأ ما فيها، وأسوأ ما فيها تحدياتها؛ لأن تقدم الشعوب والأفراد يُقاس بمَدَى قُدرتهم على فهم التّحديات ووضع الحلول المُناسبة لها”. ومن ضمن التحديات مَا ذكره البروفيسور الشيخ محجوب جعفر في رسالة تهنئته إلى البروفيسور انتصار الزين صغيرون، بمُناسبة تعيينها وزيراً للتعليم العالي، ويُقرأ نص الرسالة هكذا:
“أولاً، التهنئة لوزيرة التعليم العالي مُتمنين لها التوفيق. جميل أن يبدأ الحوار عن قضايا التعليم العالي وحل مشاكله، دعونا أولاً أن نَتَعرّف على المَشاكل ومُحاولة وضع أسبقيات لها، إذ قد لا يتيسّر حَل المَشاكل كلها في وقتٍ واحدٍ، وأوجز المشاكل في الآتي:-
1) البنية التحتية غير كافية وغير لائقة، فقد أنشئت جامعات في مدارس ومعاهد قديمة ومنازل إيجار.
2) توسُّع وانتشار جُغرافي لإرضاء توجهات إقليمية وقبلية.. دُون استعدادٍ إداري، أو بشري، أو مالي.
3) نتج عنه تَرهُّل إداريٌّ أساسه التمكين للحزب الحاكم.
4) صاحب القبول للجامعات خَلَلٌ في زيادة أعداد كبيرة بغرض الربح دُون مُراعاة نسبة النجاح في الشهادة الثانوية، وشاركت في ذلك جامعات حكومية وأهلية.
5) مُحاولة التدخُّل في نتائج الامتحانات وحَق المُلحق لمن سمُوا بكتائب المُجاهدين.
6) عدم تسهيل مُمارسة نشاط لا صفي خُصُوصَاً الرياضي وعلى الأخص للطالبات.
7) نتيجة للتّوسُّع، برز نقصٌ حادٌ في أعضاء هيئة التدريس فسمح لحَمَلَة الماجستير وما دونها لتولي مسؤولية التعليم والتعلم والتدريب، أكثر من (80%) من أعضاء هيئة التدريس من هذه الفئة واختفى حملة الدكتوراة؟
إدخال نظام الكورسات قصيرة الزمن من بعض الأساتذة الذين يتنقّلون من كلية إلى أخرى ومن بلد إلى بلد.
8) هجرة الأساتذة.. من فُصلوا للتمكين وهاجر بسبب الضائقة الاقتصادية والإغراءات شرق البحر الأحمر.
9) التّساهُل في لجان الترقيات بغرض التّمكين والمُجاملة دُون النظر في اللوائح ومُستوى الأوراق العلمية المُقدّمة للترقي.
10) عدم الاهتمام بالبحث العلمي، فليست هنالك ميزانيات لإجراء البُحوث أو المُشاركة في المُؤتمرات العلمية.. وقد كان ذلك من الثوابت في جامعة الخرطوم، حيث كَانت هُنالك لجنة بُحُوث مركزية ولجان بحوث في الكليات لديها ميزانيات مُعتبرة ماذا كانت نتيجة المشاكل سالفة الذكر؟
‌أ. تدهور مُستوى الخريج وعدم مقدرته على مُواصلة الدراسات العليا.
‌ب. التّرتيب المُتدني للجامعات السودانية في القائمة العالمية للجامعات.
‌ج. عدم وجود أيِّ أثر إيجابي إصلاحي في نواحي الخدمة المدنية أو الفكرية أو البحثية. من السّهل أن نقول إنّنا سوف نقلب الجوانب السالبة هنا إلى ظواهر إيجابية ليتم الإصلاح. ولربما أفضل أن يتم التّداوُل بشكل علمي من الجميع مع وزارة التعليم العالي.
لعمري أنّ التحديات المُشار إليها تشمل جامعة الخرطوم والجامعات الأخرى، وتُؤكِّد أنّ أجندة الأستاذة فدوى ستكون أطول من ذلك بكثيرٍ، وفضاء الإصلاح والتّطوير والتحديث أمامها يتّسع؛ فلذلك نتمنّى لها التوفيق والسداد في عصر اقتصاد المَعرفة (Knowledge-Based Economy) الذي يُعتبر التعليم فيه أهم مصادر تَعزيز التنافُس الدولي ومفتاح المُرور لدخُول عصر الثورة الصناعية الرابعة، وتطوير المُجتمعات من خلال تَنمية حَقيقيّة لرأس المال البشري، الذي هو محور العمليّة التّعليميّة، لأنّه مُرتبطٌ بمفهوم مُجتمع التعليم الذي يُتيح فُرصاً للفرد، ليتعلّم من أجل المعرفة، ومن أجل العمل (الوظيفة)، ومن أجل تحقيق الذات، ومن أجل العيش الكريم والتّواصُل الإيجابي مع الآخر.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.