الطريق الثالث – بكري المدني

حنبنيهو -كيف مع الكراهية ؟!

أمس كانت المواقع تنشر خبر صنع دولة رواندا لأول هاتف ذكي في إفريقيا -تصنيع وليس تجميع والفرق واضح وربما ما كان للمواقع أن تحتفي بهذا الخبر على أهميته لو لا ارتباطه بدولة رواندا والتي استبدلت الصورة الذهنية السيئة لها في مخيلة الناس نتيجة مذابح الهوتو والتوتسي في التسعينيات بصورة جديدة ملؤها الإنجاز والتجويد والإتقان والجمال في كل شيء من النفوس وإلى الأعمال.
طبعاً من الأخبار المعروفة للناس الريادة الرواندية في الكثير من المجالات من السياحة للنظافة وحتى الطيران وذلك على مستوى العالم وليس (ماما أفريكا) فحسب والمؤكد أن حدوث كل ذلك وأكثر في غضون سنوات قليلة لم يكن بفضل تفوق رواندا على دول القارة والكثير من دول العالم بالموارد الطبيعية بل العكس فرواندا دولة فقيرة من حيث الموارد الطبيعية.
لم تتقدم رواندا أيضاً على الآخرين لأن سكانها مميزون من حيث الطاقات البدنية أو الذهنية ولم تتقدم رواندا لأن حكومتها مثلاً انتهجت سياسة معينة مثل التركيز على التعليم أو الصحة أو ما إلى ذلك من السياسات الحكومية .
نجحت رواندا -سادتي الكرام -لأن شعبها استطاع أن يتجاوز مشاعر البغض والكراهية ورفض الآخر ولقد جرب الروانديون هذي المشاعر من قبل وترجموها في أشكال المذابح التي عدت الأفظع في تاريخ البشرية الجاري.
ما كان للروانديين أن يكونوا ما عليه اليوم لو أنهم حملوا مشاعر الأمس لليوم وللغد ولكنهم تساموا وتسامحوا وتصافوا ومسكوا أيدي بعضهم البعض وساروا نحو مجد تليد .
مهما بلغت الأحداث في السودان في الماضي القريب أو الحاضر المعاش فإنها لم تبلغ بحال ما كان عليه الحال بين الهوتو والتوتسي في رواندا ومع ذلك يقيني إننا لن نستطيع بناء هذا الوطن على النحو المطلوب فليس بالغناء تبنى الأوطان ويستحيل البناء مع الكراهية!
ها هي ذكرى ثورة أكتوبر المجيدة تعانق حاضر ثورة إبريل الوليدة وسوف يصدح وردي بصوته الجهور ملء السماء (ح نبنيهو البنحلم بيهو يوماتي /وطن شامخ وطن عاتي)لكن ذكرى أكتوبر سوف تمر والثورة التي بين أيدينا سوف تهرم دون أن نكون قد أضفنا للبناء القديم (طوبة)أو حافظنا على (الطوب)القديم !
إن شرط بناء الأوطان الأول هو ليس في الوصفة الجافة (قبول الآخر) وذلك لأن القبول يمكن مع النفور ولكن شرط البناء هو حب الآخر بل وتقديمه على النفس أيضاً في إيثار وتضحية مطلوبة.
لن نمضي للأمام خطوة وبعضنا يحمل مشاعر سالبة للبعض الآخر ولن نمضي للأمام خطوة ما لم نقم الآن وقبل فوات الأوان نسامح بعضنا البعض من القلب للقلب -جلابة وغرابة/عرب وزرقة/بجا وبحر /(كيزان) وآخرين!ـ
إن البناء الصحيح للأوطان يبدأ ببناء النفوس على نحو صحيح وأتمنى أن تكون احتفالات أكتوبر هذا العام مناسبة للمحبة والتسامح والسمو فوق الجراح.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.