العين الثالثة…ضياء الدين بلال

لماذا لا يصعد (الدولار)؟!!

-1-
ما أن قمنا بنشر قصة المُستثمر السعودي الكبير بالولاية الشماليَّة، وما تعرَّض له من مُضايقات مُفتعلة وبلاغات كيدية، وصلت إلى حد فتح بلاغ ضده بسرقة درداقة، حتى وجد الموضوع انتشاراً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي.
المقال مصحوباً بالخبر، تجاوز حدود السودان ليُصبح قضيَّةً إعلاميَّةً مركزيَّةً بالمملكة العربية السعودية، حيث أفردت له الصحيفة الأوسع انتشاراً (عكاظ) مساحة كبيرة، وكذلك فعلت المواقع الإلكترونية السعودية.
تلقَّيت رسالة كريمة من سعادة السفير السعودي علي بن حسن جعفر، فهو من تدخَّل بحكمة، مع الجهات العليا بالدولة لحل المشكلة وإخراج المُستثمر من الحراسة.
كذلك علمت من صاحب القضية، الذي استغاث بالسلطات عبر منبرنا، أنه تلقَّى اتصالاً من الغرفة التجارية السعودية، لمعرفة تفاصيل ما حدث.

-2-
تلك كانت بعض ردود أفعال الجانب السعودي الرسمي والإعلامي والتجاري، فماذا عن السودان مسرح الواقعة والمتضرر الأكبر ممَّا حدث؟!
لم تتدخَّل أيَّة جهة رسمية ولو بالاستسفار، لتتأكَّد من صحَّة ما نُشِر، وتعمل على تصحيح الأوضاع، أو تُقدِّم وجهة نظر أخرى لرواية المُستثمر، تُبرِّر ما اتُّخذ من إجراءات!
من الواضح أن أجهزة الدولة مشغولةٌ وملهيّةٌ بما هو أهم لديها من الجوانب الاقتصادية: مثل جذب الاستثمار أو الحفاظ على ما تحقَّق منه، فلا يهمُّها ارتفاع الدولار أو هبوطه، ولا هروب المستثمرين!

-3-
رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك في أوَّل تصريحاته، تحدَّث بثقة ووضوح عن عزم الحكومة الانتقالية على عدم الاعتماد على الهبات والمُساعدات، وأنها ستُركِّز على الإنتاج وجذب المستثمرين.
ذلك ما قيل ولكن ماذا حدث؟!!
من يُصدِّق أنه إلى الآن، لا توجد أي جهة مسؤولة بحقٍّ عن الاستثمار وحل مشاكل المستثمرين، لتستمع لشكوى السعودي أبو رائد وتحمي استثمارات الراجحي؟!
المجلس الأعلى للاستثمار الذي كان وزارة قبل سقوط النظام السابق، هو الآن في حالة توهانٍ يبحث عن هوية وعنوان.
المجلس بلا مسؤول رفيع يُدير أمره، ولا يُعرف على وجه الجزم، إلى أيِّ جهةٍ يتبع، لرئاسة الجمهورية أم لمجلس الوزراء؟!!
المُوظَّفون بلا عمل أو مهام، لا توجد أموالٌ للتسيير الإداري، التلفونات مقطوعة، والمستثمرون يأتون فيجدون الوضع بذلك البؤس، ولا مجيب عن السؤال!

-4-
بحسب الأمين العام لغرفة الماشية واللحوم د. خالد المقبول، فإن حجم التقديرات الأولية للخسائر غير المباشرة لتوقف صادر الماشية يبلغ (3) مليارات دولار.
كيف سيُدار الاقتصاد ويستقر الدولار بلا مُساعدات وهبات، وماكينات الإنتاج مُتوقِّفة، والمستثمرون يعانون الكيد ويكابدون المضايقات، ولا يجدون حمايةً من أيِّ جهة ولا حتى آذان تسمع صراخهم؟!!
كيف سيُدار الاقتصاد ولا يعلو الدولار، وأهم صادر ثابت ومستقر (الثروة الحيوانية) ممنوعٌ من العبور إلى خارج الحدود، والعائد من البحر إلى الأسواق والمراعي مدحوراً، يَنْفَق ويُقبَرُ في المدافن الجماعية، دون بواكٍ عليه؟!

-5-
بأيِّ خطاب ولغة ومنطق، بإمكاننا جذب المستثمرين، وهم يسمعون قصصاً شاذَّة وغريبةً لا تحدث في جمهوريات الموز، ممَّن سبقهم إلى السودان؟!
استراحات الشيخ الجليل الراجحي تستباح نهاراً جهاراً، والمشروع الكبير تُحاصره أنفاس العداء، ومكائد صغار المُوظَّفين، ومستثمر همام مثل أبو رائد، يُنفِقُ ملايين الدولارات، يُحبَس بسبب درداقة، لا يتجاوز سعرها خمسين دولاراً؟!!
صحيح حكومة حمدوك ورثت من النظام السابق كثيراً من فواتير الأخطاء المُرحَّلة.
وليس بإمكانها إصلاح الحال المائل بعصا سحرية، ولكن من واجبها على وجه الفرض، إسراع الخطى لتوقيف نزيف العملة والسمعة، واستعادة الهيبة والفاعلية لأجهزة الدولة.
الوقت قصيرٌ والمطلوبات الضرورية كثيرة، والعوائق لا تُعَد، ولا يوجد فائضُ وقتٍ ولا طاقة جهد، لخوض معارك مع أشباح الماضي وطواحين الهواء!

-أخيراً-
اجعلوها فترة للانتقال لا للانتقام، وللتعافي الوطني لا لاجترار المرارات، لعلَّنا نُحافظ على ما هو متاح، قبل أن نستعيد ما مضى.
والمثل الشعبي البراغماتي، يضعها حكمةً ناصعةً أمام أعينكم: (الجفلن خلَّهن أقرع الواقفات)!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.