خطابات المولد هذا العام بين قوسي الدين والسياسة

الخرطوم: هبة علي

حالة من الترقب والقلق تغلب على مشهد الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف وسط تحذيرات من الجهات المعنية للالتزام بالضوابط الاحتفالية لجهة الجدل القديم بين بعض الجماعات فيما يختص بطريقة الاحتفال بالمولد، وأيضاً لجهة احتدام كثير من الجماعات والتيارات الإسلامية مع الأحزاب السياسية إبان حرب المنابر والمنصات الاجتماعية، الأمر الذي يدفع الكثيرين للاعتقاد بأن الخطاب الديني العقدي سيتحول إلى خطاب سياسي.

في الفترة الأخيرة وفي ظل التحول الديمقراطي طفى على السطح صدام حاد بين الإسلاميين وتوجهات الدولة المدنية بدءاً من قضية الداعية د. عبد الحي يوسف ووزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي على خلفية الانتماء الفكري والسياسي للأخيرة، وكذلك مهاجمة الجزء المخصص للفكر الجمهوري بمعرض الكتاب وأخيراً الجدل واللغط الذي يدور حول توقيع السودان لاتفاقية سيداو، كل هذه السوابق أدت لتولد رأي سياسي ديني.

إسلام سياسي
المحلل السياسي د. محمد نقد الله أكد لـ(السوداني) أن عدداً من المجموعات يمكن أن تحول الخطاب الديني في ساحات وميادين المولد إلى خطاب سياسي، معتبراً أن عدداً منها مجموعات إسلام سياسي لديها أغراض سياسية قبل أن تكون دعوية، وأن جزءاً كبيراً منها يكن العداء للفترة الانتقالية لجهة المصالح التي كانت تربطها مع النظام البائد.
وقطع نقد الله بأن النظام البائد كان يمثل غطاءً سياسياً لعدد من المجموعات الإسلامية ويمنحها التمكين، مشيراً إلى أنها نشأت على السيطرة والاستيلاء على رؤوس الأموال والاستثمارات وأنها متضررة من النظام الجديد وسياساته الإصلاحية واتباعه لمبدأ الشفافية والمؤسسية.

روح الثورة
خبير الجماعات الإسلامية الهادي محمد الأمين أكد لـ(السوداني) أن كل الطوائف والجماعات الدينية المشاركة في احتفالات البلاد بالمولد النبوي الشريف سواء كان في السجانة أو حوش الخليفة أو ساحة المزاد ببحري لو عمدوا إلى دخول المولد بنفس الروح الثورية بكل ما تحمل من قيم وأهداف لن يحدث صدام أو مواجهة أو عنف، مشيراً إلى أن المشاركة إذا أتت بنفس الروح التي كانت في حقبة النظام البائد يمكن أن يحدث اصطدام لجهة أنه في العام 2012 كانت هنالك مواجهة دموية بين الطرق الصوفية وجماعة أنصار السنة وحدثت فيها خسائر مادية من مكبرات الصوت والساوند سيستم وتحطيم الكراسي والصيوان وما إلى ذلك.
وقال الهادي: إن أغلب المشاركين هم الطرق الصوفية بطوائفها المختلفة (البرهانية، التجانية، السمانية، القادرية وغيرها) ، وعلى الصعيد الآخر تأتي مشاركة أنصار السنة بشقيها (المركز العام والإصلاح) وعلى المعتاد تهتم السلفية بأمور إصلاح العقيدة أكثر من القضايا السياسية ولا يشكل الراهن السياسي أولوية من قضايا الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية وما إلى ذلك وإن وجد حديث سياسي ففي الغالب سيكون اجتهادات أفراد وليس توجه الجماعة.
ورجح الهادي أن تكون هنالك أطراف خفية قد تحاول إشعال الفتنة الدينية، بيد أن جماعة أنصار السنة ستنتهج سياسة الخطاب الموزون ليمر الاحتفال بسلام، منوهاً إلى أن لهم تصديقاً من السلطات بموجبه يجب الالتزام بخطة وضوابط المولد.
وأضاف الهادي : إن لزمت جماعة أنصار السنة وجماعة الطرق الصوفية روح الثورة بالتعايش السلمي والتسامح وتقبل الآخر وكل منها تقدم بضاعتها في ميدان المولد بالوسائل التي تحقق أهدافها دون أن تلحق الضرر بالطرف الآخر سيكون هذا بمثابة التغيير الحقيقي وسيجد المتلقي حظه من اختيار ما يناسبه. وشدد على أن الناشطين سياسياً من جماعة تيار النصرة والشريعة يلقون خطاباتهم من منابرهم وبوسائلهم ولا يعتبرون ميادين المولد من وسائلهم.

ممنوع بالقانون
القانوني محمود الشيخ يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى أن النظام السابق كان يشجع على خطاب الكراهية والتطرف والعصبية الدينية والفكرية لجهة أن الجماعات الإسلامية بمختلف أشكالها من متطرفة ومعتدلة كانت نصيرة للنظام البائد وشكلت قاعدة له، مشيراً إلى أن النظام البائد خلق توازنات معينة وسط كل الجماعات الإسلامية بالإبقاء عليها كقاعدة.
ويرى الشيخ أنه في الوقت الحالي وفي ظل الحكومة الانتقالية بات خطاب الكراهية محظوراً قانوناً ودستوراً لأنه يؤدي للفتنة، مشيراً إلى أنه يجب على مجلس الوزراء والسيادة والجهات القانونية التنبيه لهذا الأمر ليحتفظ المولد النبوي الشريف بقدسيته بعيداً عن الهتر والمجادلات التي تؤدي للكراهية الدينية والعصبية الفكرية .
وقطع الشيخ بأن القانون يمنع مثل هذه الممارسات وأنه يجب تفعيل النصوص القانونية التي تمنع هذه الممارسات، منوهاً إلى أن هذه النصوص كانت معطلة إبان النظام البائد للأسباب المذكورة آنفاً.
وأضاف الشيخ : يتم اتخاذ الإجراءات المعينة من المحليات وهي التي تخاطب الجماعات الموجودة في دائرتها الجغرافية تمنعها عن طريق الشرطة و وكلاء النيابة كتحذيرات في شكل منشورات من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على باعتبار أنها مرجعية لهذا ويجب عليها حظر كل ما يثير الكراهية والتطرف والعصبية والفكرية.

ضوابط للاحتفال
اللجنة العليا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف دشنت انطلاقة زفة المولد النبوي الشريف أمس من أمام قسم شرطة ودنوباوي شمال في تمام الساعة الثالثة والنصف عصراً بمشاركة الطرق الصوفية والفعاليات والقطاعات المختلفة والشرطة والقوات النظامية ومواطني المحلية، وجابت الزفة طرق المحلية حتى ساحة مسجد الخليفة بأم درمان.
في السياق، أصدرت محلية الخرطوم حزمة من الضوابط الخاصة بتأمين المولد النبوي الشريف، حيث تقرر الالتزام بالضوابط الممنوحة لجميع الطرق الصوفية والجماعات الإسلامية المشاركة داخل ساحة المولد والتي تشمل البعد عن الغلو والتطرف والخطاب الحاد والتراشق بالكلمات التي تمس عظم المناسبة مع الالتزام باستخدام مكبرات الصوت في حدود المواقع المصرح بها حتى لا تؤثر على المناشط في الخيام الأخرى، فضلاً عن عدم مزاولة المهن غير المنظمة داخل الساحة وفقاً للاشتراطات الصحية والبيئية وحظر استخدام المفرقعات والألعاب النارية وكل ما يهدد السلامة العامة.
وشددت المحلية على جميع المشاركين بالانصياع لتوجيهات الأجهزة المختصة في الدخول والخروج من الساحة وأي توجيهات أخرى تصدر في حينها.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.