العين الثالثة ||ضياء الدين بلال

(كنتاكي) والإرهاب!

شارك الخبر

-1-
في كُلِّ تصريحات المسؤولين الأمريكيين، أو المُقرَّبين من الدوائر الرسمية بواشنطن، عن تأخير رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لن تجد منطقاً مُقنعاً أو مُبرِّراً معقولاً، تُذعن له بالقبول أو ترضاه تفهّماً.
المنطق المُقابل بسيط ومُباشر: الاتهام بدعم الإرهاب كان مُوجَّهاً في الماضي لنظام مُحدَّد بحيثيات معلومة.
سقط النظام المعني بالاتهام قبل ستة أشهر، ورئيسه وكبار قادته في السجون، فما الذي يجعل الاتهام واقفاً على ساقيه والعقوبات مُستمرَّة؟!
أبرز مُبرِّر مُقدَّم: عملية رفع السودان من القائمة الأمريكية السوداء، تحتاج إلى وقتٍ ومراحل، تبدأ من المخابرات الأمريكية مروراً بالبيت الأبيض انتهاءً بالكونغرس؛ فلا يمكن تجاوز (البروسِّيس)!
لن تجد للتعليق على تلك الحُجَّة المُراوِغة، أفضل من المصطلح الشبابي الشعبي (حنك بيش)!

-2-
التجارب تقول إن أمريكا أن أرادت شيئاً فعلته، بغضِّ النظر عن ظرفَي الزمان والمكان.
أمريكا دولة براغماتية، تخضع قراراتها لمنطق الرِّبح والخسارة، وقانون الفائدة ودفع الضرر.
قبلَتْ بالاتفاق النووي مع إيران في عهد أوباما، حينما وجدت فيه مصلحةً لها ولحلفائها الأوروبيين.
تراجعت عنه في حكم ترمب، مُراعاةً لمخاوف حلفائها في المنطقة العربية وإسرائيل!
قرَّرَتْ بعد أكثر من نصف قرن، رفع العقوبات عن كوبا.
وانتقلت بسرعة البرق من مواجهة كوريا الشمالية للتفاهم معها.
في كُلِّ تلك الخطوات، لم تُخضِعْ أمريكا مواقفها السياسية وقراراتها المُهمَّة، لعامل الزمن وروتين دواليب الدولة!
المصالح كانت تتقدَّم على كلِّ شيء، وهي الأعلى على كُلِّ اعتبار.
كان بإمكان الإدارة الأمريكية بطبيعة النظام الرئاسي ذي الصلاحيات الواسعة، تسريع مُهمَّة رفع السودان من قائمة الإرهاب، عبر عدَّة طرق، طالما أن الخطوة لها قاعدة قبول واسعة داخل الكونغرس، وهنالك إرادة سياسية داعمة لها.

-3-
مع كُلِّ الزيارات واللقاءات التي أجراها قادة التغيير وقيادة الدولة في واشنطن، لم يتحرَّك الموقف الأمريكي أبعد من تقديم الوعود وبعد المُلطِّفات محدودة الأثر.
لم تتجاوز علاقات الحكومة الانتقالية مع المجتمع الدولي إطار الزيارات المُتبادلة والمجاملات المُثلَّجة والاحتفاءات المراسمية والتقاط الصور.
الدعم المالي الأوروبي شحيحٌ ومحدودٌ لا يحل أزمةً ولا يفرج كُربة.
وأوضح ملمحٌ عمليٌّ للتطبيع مع أمريكا، لم يتخطَّ التدشين لافتتاح مطاعم كنتاكي في الخرطوم!
-4-
في فترة النظام السابق، كانت تقارير الـ(سي آي إيه) تتحدث عن تعاون غير مسبوق ومعلومات مُهمَّة ومركزية تلقَّتها الوكالة من المخابرات السودانية.
بين خوفٍ وطمع، انتقل السودان بذلك التعاون السخي، من قائمة الدول الراعية للإرهاب إلى الدول الداعمة على محاربته.
ماذا كان مقابل ذلك؟!!
أجندة على طاولة مُتحرِّكة ووعود زئبقية يصعب الإمساك بها!
-5-
قبل سنوات، تلقَّت الخرطوم وعداً من الإدارة الأمريكية برفع العقوبات الاقتصادية، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بشرط التوقيع على اتفاقية سلام مع الحركة الشعبية.
تم توقيع اتفاقية السلام في 2005، مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، ولم تُنفِّذْ واشنطن ما وعدت به، وذهبت تبرُّعات المانحين في أوسلو مع الرياح!
مع ملاحقات الخرطوم اللاهثة، قلبت واشنطن الصفحة، وطالبت الخرطوم بالتوقيع على اتفاق سلام مع المتمردين في دارفور، مقابل رفع العقوبات.
وقَّعت الخرطوم على اتفاقٍ مع أقوى فصائل التمرد في دارفور، في العاصمة النيجيرية أبوجا، بحضور دوليٍّ كثيف، تقدَّمه ممثل الولايات المتحدة الأمريكية روبرت زوليك، ومع ذلك لم تفِ واشنطن بوعودها.
وعندما ألحَّت الخرطوم في المطالبة بتنفيذ الوعود المُعلَّقة، وأعربت عن غضبها واستيائها، رهنت واشنطن الأمر- للمرة الثالثة – بالتطبيق الكامل لاتفاقية نيفاشا وإجراء الاستفتاء.
ما الذي حدث؟!!
بعد الاستفتاء وانفصال الجنوب، تقدَّمت الخرطوم نحو الطاولة، فإذا بها تتحرَّك مرَّة أخرى إلى الوراء.
المفارقة الدِّرامية المُحبطة:
فُصِلَ الجنوب، واشتعلت فيه الحروب، ولم يُسحَبْ ملفُّ الخرطوم الأسود من الطاولة.
بل أُلزمت الخرطوم في تلك المرَّة بالعمل على استقرار الدولة الجديدة!

-6-
ربما أن الإدارة الأمريكية تُريد أن تتأكد من أن التغيير الذي حدث في السودان، سيصل إلى نهاياته ولن يرتدَّ إلى الوراء!
ما كان يجب أن يكون حاضراً في ذهنية مُتَّخذِ القرار في واشنطن أن الوضع الصحي للحكومة الانتقالية، لن يحتمل هذه المراقبة المختبرية الباردة، لدولة عملتها الوطنية في حالة نزف!
لن تستطيع حكومة حمدوك الاستمرار في السلطة لعام واحد مع تأزم الأوضاع الاقتصادية، وتجاوز الدولار حاجز المائة!
الاقتصاد هو الجنرال الذي أطاح بالبشير، لا ابن عوف وقوش، وهو كذلك قادرٌ على الإطاحة بغيرهم إذا ضاق الرزق وصَعُب العيش الكريم!
لن يتعافى جسد الاقتصاد السوداني طالما كرسترول العقوبات الأمريكية يُغلِقُ شرايين الحياة.

-أخيراً-
للتطبيع مع واشنطن الخرطوم في حاجة لافتتاح بنوك عالمية، لا في انتظار محال الدجاج المقلي والبيتزا الساخنة!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.