انفلات الدولار.. سوق خارج السيطرة!!

الخرطوم: اليسع أحمد

عثمان أحد العاملين بسوق الدولار والعارفين بكل تفاصيله، قال لـ (السوداني) إن سوقهم يتم تحديد السعر فيه (إلكترونياً) وذلك بالتواصل عبر حوالي (10) قروبات واتساب، مشيراً إلى أنهم بحسب إلمامهم بالسياسة والاقتصاد أصبحوا قادرين على قراءة مؤشرات السوق في الراهن والمستقبل، وأكد أن تحديد السعر يكون دائما بعد العاشرة من صباح كل يوم لذلك عندما تأتي طلبيات كبيرة نخبر الزبون أن يتصل بنا بعد الحادية عشر صباحاً، مؤكداً أن عددا من التجار في السوق يفوق الـ (300) تاجر للعملات في العاصمة والولايات ويتم ربطهم بالسعر الرئيسي منذ افتتاحية اليوم وحتى نهايته، نافياً قول الحكومة السابقة السابقة إن سوق الدولار يسيطر عليه (10) أشخاص فقط، منوهاً إلى أن عدد الـ (10) أشخاص هم من ينتمون للحكومة نفسها من وزراء وغيرهم بحيث أنه تعامل معهم ويعرف كل تفاصيلهم.

(أُم فكُّو!!)
ويقول عثمان إن بعض النافذين من الحكومة السابقة يديرون عمليات البيع والشراء من داخل مكاتبهم بحيث يقومون بحماية منتسبيهم من (الكشات) وإطلاق سراحهم إذا تم القبض عليهم ليرجعوا مجدداً لممارسة عملهم أكثر نشاطاً وحيوية، موضحاً أنه تعامل مع أحد النافذين بالعهد البائد في توفير مبلغ (مليون دولار)، مردفاً أن الحكومة قبل سقوطها اجتمعت بعدد كبير من تجار الدولار الذين ينتمون لقبيلة بعينها لإيقاف المضاربات في الدولار والاتفاق على سعر يرضي الطرفين الحكومة والتجار وفي ذات الوقت لا يؤثر على معاش المواطنين، لكن كان رد تلك الفئة بشرط وهو تعيين أحد أبنائهم وزيراً للمالية أو وكيلاً للوزارة ذاتها الأمر الذي رفضته الحكومة وبعدها توالت زيادة أسعار الدولار يوماً تلو الآخر. وقارن عثمان ما بين الحكومتين السابقة والحالية بأن الحكومة الحالية مكشوفة، وحسب قوله (قاعدة أم فكو) ليس لها سياسة توقف جماح الدولار بحيث لا توجد صادرات للخارج ولا ودائع للداخل، أما الحكومة السابقة فهي تنشط في خفضهِ إذا كانت هناك حاجة ماسة للشراء وهي تعمل على تصريح في وسائل الإعلام تزامناً مع إحدى زيارات البشير للخارج بأن وديعة من دولة كذا تصل البنك المركزي، وبعد تداول الأخبار بالسوق تشتري ما يكفي حاجتها، كاشفاً أنهم يدخلون في تنافس معها في الشراء لأنهم حسب خبرتهم يدركون أنها (فخ) بحيث نشتري بكل ما نملك لنطرحه بعد أسبوع أو (10) أيام بزيادة أعلى من السعر الذي تراجع عنه.
وقال عثمان إن الزيادة التي تسيطر على السوق الآن سببها الرئيسي هو دخول شركات كبيرة تقوم بشراء كميات هائلة لجلب إسبيرات ومعدات صيانة تكلفتها ملايين الدولارت، إضافة لوجود فائض سيولة (كاش) بعد انفراجها من البنوك قام أصحابها بشراء كميات من الدولار بغرض حفظ قيمتها من التآكُل.

(زنقة حكومة)
أحد دهاقنة سوق الدولار قال لـ(السوداني) – طالبا حجب اسمه – إنَّ الحكومة السابقة في آخر أيامها وصلت مرحلة جعلت التجار يعرفون جُلّ أسرارها وعندما يعلمون أن عددا من البواخر محملة بالقمح والوقود وفي انتظار أموال الشراء يقومون – أي التجار – بزيادة سعر الدولار لعلمهم بأن الحكومة مُضطرة لشرائه بأي سعر لتغطية سعر تلك البواخر القادة، جازماً بأن الحكومة السابقة أدت مع تجار العملة دور المتسوِّل مع التجار لأنها إذا أعطوها مديونية تعاطفت معهم (رخت لهم الحبل)، وإذا رفضوا ضيقت عليهم الخناق بالمطاردات مما يحدث ندرة في السوق ويرتفع لا إرادياً الدولار.

أنواع الدولار
وفي ذات الاتجاه يمضي شيخ إدريس – تاجر عملة – قائلاً لـ (السوداني) إن سوق الدولار به كثير من التقاطعات بدءاً من أنواعه، مضيفاً أن الدولار (خشم بيوت) وله عدة أنواع وصفات يتميز بها عن غيره، مشيراً إلى وجود ما يسمى بالرأس الصغير وهو الطبعة منذ العام (1988م) وحتى العام (2000م) وهي يتم شراؤها بفارق سعر كبير بحيث لو سعر الدولار (78) جنيها يتم شراؤها بقيمة (58) جنيها، منوهاً إلى أنه يتم بيعها في دول شرق آسيا ويوجد تجار متخصصون في هذه الطبعات وشرائها وبيعها داخل البلاد وخارجها، بعدها النوع الثاني يطلق عليه دولار (2006) وهو من طبعة العام (2000) وحتى العام (2006م) ويوجد فارق سعر جنيهين ما بينه وسعر السوق الرسمي نسبة لمضي عدة سنوات على طباعتهِ، ثالثاً دولار (2008) وهو الذي تمت طباعته من العام (2006) إلى (2008م) وينقص في عمليات البيع والشراء جنيهاً عن السعر الحقيقي، وأخيراً ما يسمى بالرأس الكبير ويطلق عليهِ أوباما، وهو الطبعات منذ العام (2009م) وحتى آخر طبعة للعام (2013م)، وهو يُعتبر المسيطر في السوق والأغلى سعراً والمعتمد في بيع الجملة، موضحاً أسماءه الحركية مثل (الكبير، أبو صلعة، أوباما) وغيرها من الأسماء التي يحظى بها للتمويه في البيع والشراء عند الجلوس في المقاهي والأسواق.

(سعر بايت)
وقال شيخ إدريس إن سوق الدولار يتم تحديد الأسعار عادة عند الساعة الحادية عشرة صباحاً وأن ما يُشاع عن تحديد الأسعار يتم منذ الصباح الباكر غير صحيح، منوهاً إلى أن السعر المتداول عند الصباح يعتبر سعر (بايت) بمعنى سعر البارحة، لافتاً إلى أن تحديد السعر يتم وفق قراءة للسوق عبر السريحة بحيث كل تاجر لديه رحط من السريحة تتم استشارتهم عن كميات العرض والطلب في مدن العاصمة الثلاث بعدها يتم تحديد السعر من قبل التجار فيما بينهم بعد مشورة مطولة واتصالات، مبيناً أن السوق الموازي في الأيام الماضية ارتفعت فيه أسعار الشراء، لأن بعض الأجانب يشترون الدولار تزامناً مع معرض الكتاب الدولي، بحيث تم شراء كميات هائلة ليرتفع الدولار من (71) إلى (75) للأجانب، مؤكداً أن الدولار وصل إلى (79) بسبب شراء كميات للأجانب هذه الأيام مجدداً، وأنه باع لهم كميات مقدرة منه، متوقعاً وصول الدولار إلى (100) جنيه في الشهرين القادمين.

معوقات اقتصادية
الخبير الاقتصادي حسن بشير يوضح لـ(السوداني) أن الزيادة المتوالية لسعر الدولار هو تجديد العقوبات الأمريكية على البلاد ما انعكس على المقاصة الدولية التي تدار بالنظام النقدي الأمريكي مما يؤثر على تدفقات التحويلات من وإلى السودان للعملات الأجنبية، مشيراً إلى أن الحكومة الجديدة حتى الآن لم تتحصل قروض أو منح تنعش الأسواق، مؤكداً أن أكبر المعوقات الاقتصادية التي تقف حجر عثرة للتقدم الاقتصادي بالبلاد هي العقوبات الأمريكية الأحادية، الديون الخارجية التي تفوق الناتج المحلي الإجمالي، بقاء البلاد ضمن الدول الراعية للإرهاب.
منوهاً إلى تداول أخبار بأن البنك الدولي رهن المنح والقروض للسودان إلا بعد سداد مبلغ (15) مليار دولار يؤثر معنوياً على سوق الدولار، لافتاً إلى بنك السودان المركزي لم يوفر نقدا أجنبيا للتجار وغيرهم مما زاد الطلب على الدولار بالسوق الموازي وكلما زاد الطلب ارتفع السعر، مبيناً أن الفرق شاسع ما بين السعر الرسمي بالبنك وسعر السوق الموازي الذي تجاوز ثلاثة أرباع السعر الرسمي بالبنك، بحيث أن سعر البنك (47.5) جنيه وسعر السوق الموازي (80) جنيها، مبيناً أن الحل الجذري لهذه المعضلة تتمثل في الدعم الأجنبي سواء عن طريق القروض أو المنح والمشروعات لمعالجة العجز الذي أصاب الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

عدم جدوى
وكيل وزارة المالية الأسبق، ورئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني حسن أحمد طه قال لـ (السوداني): “منذ (1996م) وحتى العام (1999م) قامت الحكومة بوضع معالجات صارمة بين وزارة المالية وبنك السودان المركزي وتمت السيطرة على الدولار مقابل الجنيه السوداني”، مشيراً إلى أن تدفق النفط في تلك الفترة أدى إلى تحسين الموقف وانعكس على جانب المدفوعات ليستقر حينها الجنيه السوداني، مبيناً أن أول صدمة للجنيه كانت في العام (2005م) إبان اتفاقية نيفاشا مما أدى إلى مناصفة الحصة بين الشمال والجنوب، لتحل بعدها في العام (2008م) الأزمة المالية العالمية وما صاحبها من انخفاض قيمة أسعار البترول عالمياً مما قلل من الطلب العالمي على البترول. وحسب قوله فإن (الطامة الكبرى) في العام (2011م) وهي فقدان البلاد (75%) من عائدات البترول مما أدى إلى تصاعد الدولار وتراجع قيمة الجنيه ولم تفلح كل الإجراءات الاقتصادية في إيقاف نزف الجنيه. وقال طه إن زيادة الدولار هذه الأيام واقترابه من الـ (80) جنيهاً هو عدم جدوى زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لفرنسا والولايات المتحدة وعدم التعاون والدعم من قبل الاتحاد الدولي مع الحكومة الجديدة، واصفاً زيارة وزير المالية بأنها لم تحقق أهدافها ولم يجد التعاطف والدعم الأوروبي بحجم المشكلة التي تعاني منها البلاد، منوهاً إلى أن منذ الانتفاضة التي أزاحت النظام السابق لم يصل السودان سوى دعم مؤقت من دولتي السعودية والإمارات والذي أسهم مؤقتاً في حل أزمة الوقود والخبز واستقرار قيمة الجنيه لعدة أشهر، لافتاً إلى غياب الدعم الأوروبي وحديث وزير المالية عن قيام مؤتمر المانحين في أبريل القادم لمنح السودان دعماً، ودراسة مشروعات استثمارية أحدث فجوة وساعد التجار على قراءة الأسواق زيادة الدولار.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.