إليكم… الطاهر ساتي

(السُلحفائية)

شارك الخبر

:: ومن وقائع عهد نميري، عندما شرعت محاكم العدالة الناجزة في (قطع الأيدي)، كان بطرف البعض فلنكات وأعمدة تلفونات قديمة وغير صالحة، وكان جمعوها من الشوارع والفيافي بعد إحلالها بفلنكات وأعمدة جديدة، واستخدموها في سقوفات منازلهم وحظائر أنعامهم.. ورغم أنها قديمة وتالفة وغير صالحة للاستخدام، سارعوا إلى فك سقوفات منازلهم وحظائرهم، ثم إرجاع الفلنكات والأعمدة إلى حيث كانت، أي إلى الشوارع والفيافي.. فعلوا ذلك طوعاً واختياراً وبلسان حال قائل: (كمان جابت ليها قطع أيدي؟)..!!
:: فالعدالة الناجزة هي التي تُكسب الحكومات هيبتها والسلطات سطوتها والدولة والمجتمعات أمنها وسلامها.. وما لم تُكن العدالة ناجزة، أي ما لم تتمتع بعنصري الدقة والسُرعة، فهي نوع من الظُلم.. وللأسف خُطى العدالة في بلادنا كانت – ولاتزال – سُلحفائية، وذلك بتغييبها لعُنصر (السرعة).. ومع الثورة كان الظن بأن يتم تشكيل محاكم العدالة الناجزة، بحيث لا تتواصل جلسات المحاكم لحد (الملل) أو لكي لا تحرج الحكومة الثوار – ومبادئ ثورتهم – بتجديد الطوارئ لإبقاء السُجناء في سجنونهم لحين المحاكمة ولو بعد خمس سنوات.!!
:: ويوم الثلاثاء الفائت، عندما ناقش مولانا نصر الدين عبد الباري وزير العدل ومولانا تاج السر علي الحبر النائب العام، عندما ناقشا تعديل قانون مفوضية مكافحة الفساد، تمنيت أن يشمل النقاش أهمية العدالة الناجزة في مكافحة كل أنواع الجرائم، بما فيها الفساد.. لا نشك في دقة تحريات وحيثيات ما قبل الأحكام العادلة، ولكن غياب عنصر السرعة يُحول ما بين العدالة ووصفها بالناجزة.. أي ليست بعدالة ناجزة أن تمتد جلسات قضية واحدة عاماً وآخر وثالث.. وكذلك ليست بعدالة ناجزة أن تسترد المحاكم الأموال بعد أن تفقد قيمتها.!!
:: فمع تخصيص محاكم لمكافحة الفساد، يجب أن يشمل تعديل القانون المادة (25).. ولعلكم تذكرون بأن برلمان النظام المخلوع أضعف هذه المادة لحماية سلاطين الفساد، وكانت تقُرأ: (على الرغم من أي نص قانون آخر لا يتمتع أي شخص بأي حصانة في أي إجراءات تحقيق تتخذ بواسطة المفوضية)، ولقد تم إضعاف النص بان تلتزم المفوضية بإخطار الجهة التي يتبع لها المطلوب للتحقيق، وفي حال تخلفه عن المثول تُحال نتائج التحقيق إلى الجهة المختصة لتباشر إجراءات (رفع الحصانة)..!!
:: لا حصانة في الفساد.. وليس بمدهش في الدول ذات النهج السياسي الرشيد أن يطرق الشرطي باب مكتب رئيس الوزراء بغرض التحري.. وكذلك ليس بمدهش في تلك الدول أن يستدعي الشرطي وزيراً إلى مكتبه – فى أية لحظة – بغرض التحري حول قضية فساد.. هكذا آليات المساءلة فى تلك الدول التي يحكمها الأقوياء الأمناء (فعلاً) وليس شعاراً.. فالتحري لغرض الوصول إلى النتائج أهم وأقوى من الحصانة.!!
:: وليس في بلادنا فحسب، فالحصانة كانت – ولاتزال – أكبر عائق لتنفيذ العدالة في الكثير من دول العالم الثالث.. علماً بأن المتهم في قضايا المال العام دائماً ما يكون أحد المتدثرين بالحصانة، وليس المواطن.. ولذلك، يجب أن يتساوى الجميع – الحاكم والمحكوم – أمام قانون المفوضية وسلطات نياباتها وشرطتها ومحاكمها.. وليس من العدل حماية المسؤول بأي نوع من أنواع الحصانة، وتجريد المواطن من ذات الحصانة..!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.