مديرة قسم إفريقيا بـ”هيومن رايتس” تتحدث عن “الثورة السودانية”:- لم أعتقد أبداً أنني سأشهد تنحي البشير يوماً

ترجمة: سحر أحمد

أجري هذا الحوار مع جيهان هنري المديرة المشاركة في قسم إفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش حول الشأن السوداني عقب صدور قرار المنظمة الدولية بشأن أحداث فض الاعتصام، ونشر بموقع المنظمة، حيث تحدثت هنري مع الصحفية أودري وابوير عن تقرير هيومن رايتس ووتش الجديد الذي يوثق للعنف ضد المتظاهرين، وأهمية العدالة، والقوة الكامنة وراء ثورة السودان.

لقد ظل الناس يحتجون في السودان لسنوات، ما الذي جعل الاحتجاجات الأخيرة منظمة للغاية؟
تظاهر السودانيون احتجاجاً على ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتدهور الخدمات الاجتماعية، والحروب المستمرة في بعض الولايات، والفساد المتفشي في حكومة عمر البشير إلا أنه خلال هذا العام، ساعد تجمع المهنيين السودانيين، الذي يضم معلمين وأطباء وممرضات وغيرهم من الفئات، على حشد المهنيين في جميع أنحاء البلاد، في حين حشد قادة المجتمع المدني والمجموعات النسائية على المستوى الشعبي في الأحياء للانضمام إليه.
لقد وثقت لانتهاكات البشير لفترة طويلة، بما في ذلك الصراع في دارفور. ما الذي كنتِ تفكرين به عندما تنحى البشير أخيرًا؟
لم أعتقد أبداً أنني سأشهد تنحي البشير يوماً. على الرغم من الاتهامات التي يواجهها من قبل محكمة الجنايات الدولية ، فقد كان يحكم سيطرته على السلطة والمال لفترة طويلة، كنا نعتقد أن هذا اليوم لن يأتي. كان زملائي السودانيين يشعرون بالغبطة، معتبرين أنه يمثل فجرًا جديدًا في غياب البشير. كان الاحتفال من موقع الاعتصام معديًا، لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يصبح المتظاهرون متشككين، في ظل تساؤلات بمدي استجابة المجلس العسكري لمطالب المحتجين؟ وهل سيتعاملون مع الانتهاكات التي أبلغنا عنها؟.
لقد قامت العديد من المؤسسات الإخبارية بتحليل أحداث الإطاحة بالبشير، لماذا وثقت هذه الاحتجاجات أيضًا؟
كان الناس في السودان يتصلون بنا لدعوتنا لمواصلة الضغط من أجل العدالة والمساءلة، ظللنا نتابع ما يدور في السودان منذ بدء الاحتجاجات في ديسمبر من العام 2018، كان من الواضح أن الحكومة كانت تستخدم أساليب مألوفة من العنف ضد المتظاهرين – إطلاق الأعيرة النارية واحتجازهم دون تهمة. لقد رأينا هذا القمع في العام 2013 عندما قتلت قوات الأمن بالرصاص نحو 200 متظاهر بدم بارد ، ولم يتم تقديم أي عدالة حتى الآن.أردنا أن ندافع من أجل العدالة ضد العنف والقتل، صحيح أن البشير يحاكم في السودان ولكن فقط للجرائم الاقتصادية وليس للجرائم ضد الإنسانية التي يتهم بها. لا نزال نحث الحكومة السودانية على تسليمه إلى محكمة الجنايات الدولية لأن العدالة لكثير من القضايا التاريخية كانت بعيدة المنال في السودان.

أصبح الثالث من يونيو من هذا العام يومًا “مشؤوماً” في السودان. ماذا حدث؟
لم تتوقف الاحتجاجات حتى بعد الإطاحة بالبشير في 11 إبريل. وفي كل يوم، كان ينضم المزيد من المتظاهرين إلى ساحة الاعتصام في الخرطوم، مما زاد الضغط على المجلس العسكري الجديد لتسليم السلطة إلى المدنيين والمطالبة بالعدالة على جرائم الماضي.كان الثالث من يونيو عشية العيد، وآخر يوم لشهر رمضان، حيث يلتئم شمل العائلة وتستعد لإنهاء شهر الصوم. كانت ليلة مظلمة ممطرة، غادر العديد من المحتجين ساحة الاعتصام للانضمام إلى عائلاتهم في العيد. لكن بقي المئات عند الفجر، هاجم الجنود معسكر الاعتصام. أطلقوا النار وقتلوا المتظاهرين، وضربوا واغتصبوا الآخرين. قُتل ما لا يقل عن مائة شخص في الهجوم وفي الأيام التي تلت ذلك. قال بعض شهود العيان إنهم رأوا الجنود يقتلون المتظاهرين ويلقون الجثث في النيل.
حدثيني عن النساء اللائي قادن المظاهرات، وعن الاعتداء الذي واجهوه. لماذا كان للنساء دور مهم في هذه الثورة؟
كانت المرأة السودانية منذ الاستقلال قائدة شغوفة للاحتجاجات العامة. يتركز نشاطهن ضد القوانين التمييزية التي تتعلق بملابس النساء وتحد من حركتهن وممتلكاتهن وحقوق الحضانة. لم أفاجأ برؤية المجموعات النسائية تلعب هذا الدور الرائد في الاعتصام. بالنسبة لهن، كان الاحتجاج وسيلة أخرى للتعبير عن رغبتهن في مجتمع حر. ولقد واصلن الاحتجاج للمطالبة بمزيد من التمثيل المتساوي في الحكومة الانتقالية.
بعد سنوات من الممارسات التي تنتهجها قوات الأمن بما في ذلك قتل المتظاهرين، لماذا قرر الشباب المخاطرة بحياتهم والاحتجاج مرة أخرى؟
تحدثنا إلى العديد من الشباب في العشرين من العمر حول هذا الموضوع، كان أحد الأسباب وراء الاحتجاجات هو ارتفاع الأسعار والمصاعب الاقتصادية، لكن المتظاهرين أصيبوا بالإحباط بسبب ثلاثة عقود من القمع وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى دعوات لتغيير النظام، أخبرني شاب من بحري، شمال الخرطوم، أن شقيقه “وليد” كان منظمًا. وبما أن قوات الأمن كانت تستهدف المنظمين والقادة، فإن عائلته كانت تخشى عليه. الا أنه رفض التوقف عن التنظيم، وكان يرى أن هذا أفضل شيء يمكن أن يفعله في حياته، إلا أنه قُتل على أيدي قوات الأمن.
جذب الاعتصام في الخرطوم شباباً من جميع أنحاء البلاد. بما في ذلك قطار عطبرة الذي استقله مئات المتظاهرين، بينما كانت الحافلات تنقل الناس من مناطق أخرى من البلاد. وصف الاعتصام بأنه مهرجان للأفكار حيث غنى الشباب، وعقدوا جلسات شعرية، وعرضت أفلام وثائقية، وألقى الشباب خطابات حول تجاربهم الحية وآمالهم، معتبرين أنها تجربة تستحق الحماية. حتى حطم الهجوم من قبل القوات في 3 يونيو هذه التجربة.
كيف حصلتم على هذه المعلومات؟ ألا تزال البلاد مغلقة أمام مجموعات حقوق الإنسان؟
تحدثنا إلى المتظاهرين والشهود وأفراد عائلات الذين قُتلوا والزعماء السياسيين وقادة الرأي والأكاديميون والصحفيين داخل البلاد وخارجها.أجرينا البحوث داخل وخارج البلاد. أثناء وجودنا داخل البلد، كنا حذرين لأن الحكومة السودانية لم ترحب بعد علناً بمجموعات حقوق الإنسان، لكننا ما زلنا نتمكن من التحرك ومقابلة الشهود الرئيسيين. على الرغم من أننا لم نقم بمقابلة القادة العسكريين أثناء وجودنا في البلاد، فقد أرسلنا خطابًا إلى الحكومة نطرح فيه أسئلة رئيسية عن بحثنا. لقد كنا على اتصال بالقادة المدنيين المعينين حديثًا. ومن المشجع رؤية الكثير من حلفائنا في الحكومة.
لم يمنح السودان إذنًا لجماعات حقوق الإنسان. في ظل نظام البشير كان يتم اعتقال أو ترحيل الناشطين في مجال حقوق الإنسان. وعلى الرغم من أننا متفائلون بشأن الارتباطات المستقبلية، إلا أننا لم نر حتى الآن كيف ستتعامل هذه الحكومة الجديدة مع العاملين في مجال حقوق الإنسان.
بعد أشهر من المفاوضات بين الجيش والمعارضة، هناك حكومة انتقالية قائمة. هل الشعب السوداني يأمل في هذه الخطوات؟
حقق الاعتصام إنجازاً هائلاً وما زال يلهم الناس في السودان لمواصلة المطالبة بالعدالة من قادتهم. هناك شعور بالارتياح لأن البشير لم يعد في السلطة، لكن على الحكام الجدد تأكيد التزامهم بإصلاحات ملموسة لقيادة السودان نحو التغيير الحقيقي. الناس متفائلون، لكنهم يراقبون العملية الانتقالية عن كثب، حتى الآن، كان هناك الكثير من التأخير في الجداول الزمنية الانتقالية المتفق عليها. شكلت الحكومة اللجنة الموعودة للتحقيق في الهجوم الذي وقع في الثالث من يونيو، لكن لا تبدوهذه اللجنة مستقلة لأنها تضم أعضاء من وزارتي الداخلية والدفاع، وكان بعضهم قد أمر بالهجوم. لا تضم المجموعة الحالية لهذه اللجنة الحاسمة أي نساء في عضويتها، يجب أن تصغي السلطات السودانية إلى ما يطلبه المواطنون، خاصة العائلات التي لم ترَ عدالة لأفرادها الأعزاء الذين تعرضوا للهجوم أو الاغتصاب أو القتل متفائلة بإجراء تحقيقات موثوقة. يجب على الحكومة الانتقالية ألا تخذلهم.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.