العين الثالثة || ضياء الدين بلال

نادي العُراة…!

شارك الخبر

-١-
قبل عامين شاركتُ في مناقشة ورقةٍ عن مناهضة خطاب الكراهية في أجهزة الإعلام .
كان ذلك ضمن أنشطة قسم الحريات وحقوق الإنسان، بشبكة الجزيرة في الدوحة، الندوةُ كانت تحت عنوانٍ عريضٍ (حريةُ الرأي والتعبير في الوطن العربي، بين الواقعِ والطموح).
كان تركيزي في النقاش، على أن سؤال حرية الرأي والتعبير، بات مع ثورة المعلومات والإعلام البديل، من أسئلة التاريخ!
مثلَ الأسئلة التي كانت تطرحها ثقافةُ الحرب الباردة في القرن الماضي.
الآن كلُّ فرد في العالم عبر جهاز الموبايل وتطبيقات التواصل الاجتماعي يمتلكُ حقِّ التعبير والنشر، دون المرورِ بحارس البوابة في الإعلام القديم.
فالعالمُ أصبحَ بلا أسوارٍ وحواجز، وبالتالي لا حاجةَ فيه لوجودِ أبواب، ومن ثمَّ لا جدوى للرُقباء.

-٢-
في كلِّ يوم يمضي، تكتسب وسائطُ التواصل الاجتماعي مساحاتٍ جديدة وفضاءاتٍ أرحب.
صورةٌ أو مقطعٌ صوتي أو مادةٌ مكتوبةٌ متداولةٌ عبر الشبكة العنكبوتية بموبايلِ هاوٍ لم يتجاوز العشرين، قد تصنع كارثةً أو تُسهم في تشكِّل رأيٍ عام سالب أو إيجابي بفاعليةٍ وانتشارٍ لا تُحقِّقه وسائلُ الإعلام القديم.
مع ذلك لا يزال الإعلامُ من صحفٍ وإذاعاتٍ وفضائياتٍ ووكالاتِ أنباء يقوم بدوره في الفرز والتمييز بين الحقائقِ والشائعاتِ ويُوفر منصاتِ محترمةً للرأي والتحليل.

-٣-
ما يُثير التعجب ويرفع حواجبَ الدهشة أن تجد بعضَ قاصري التفكير محدودي القدرات الذهنية، يدعون الحكومة الانتقالية للسيطرة على أجهزة الإعلام حتى يحرموا الأعداء المُتوهَّمين من منافذِ الكيد!
الدعوةُ الهازلةُ أشبه بنداءِ متشنجٍ لتشديد الرقابة على بوابةِ منزلٍ أو مقرٍ هو في الأساسِ بلا أسوار!
من أراد بك شراً إعلامياً لا يحتاجُ إلى صحيفةٍ أو تلفازٍ؛ الفضاء أمامه مفتوحٌ، والعالمُ في متناول حركة أصابعه على أزرَّةِ جهازِ الموبايل!
وعلى صفحةٍ في الفيسبوك أدار تجمعُ المهنيين يومياتِ الثورة إلى سقوط النظام.

-٤-
ستفشل الحكومةُ الانتقالية في السيطرة على الإعلام والحدِّ من نفوذه، كما فشلت حكومةُ الإنقاذ بكل جبروتها الأمني !
حارب النظامُ السابقُ الصحفَ بالمصادرات والضرائب والاستدعاءات الأمنية، وحجَبِ الإعلان وأغلق منافذ البيع، ومنع بعضها من الصدور فعادت بأمرِ القضاء، وحُكم التاريخ.
قبل أشهرٍ من سقوط حكمه توعد البشيرُ الصحفَ بالعقاب وقال إنه سيتولى أمر الإعلام بنفسه، كان ذلك بعد أشهرٍ من قراره التاريخي بمصادرة ١٤ صحيفةً في يومٍ واحد!
سقط حكمُ البشير وظلت الصحافةُ واقفةَ تُعافر وتًقاتل كلَّ الظروف، الاقتصادية قبل السياسية، وتقاومُ عسفَ الحكام وحقدَ الفاشلين !
المعاركُ لن تتوقف من أجلِ البقاء والمساهمة في تمليك الحقائق للجماهير بدون تلوينٍ أو تزيين .
الصحفُ تخطئ وتصيبُ.. تتعثر وتستقيم، لكنها على الطريق تسير، تطارد ملفاتِ الفساد وتنتقد ضعفِ الأداء وتبشِّرُ بغدٍ أفضل.

-٥-
نعم.. توترُ وقلقُ الحكومات في كل العالم من الإعلام قديمٌ ومتجددٌ بغض النظر عن طبيعة الأنظمة السياسية (ديمقراطيةً أو شمولية)!
الرئيسُ الأمريكي دونالد ترمب منذ أيامه الأولى في الحكم، وضعَ نفسه في مُواجهة أجهزة الإعلام الأمريكية.
أطلقَ تصريحاتٍ “لاذعةً” في مواجهة إمبراطوريات إعلامية عريقة في الولايات المتحدة، مُتَّهماً إياها بالكذبِ والتزييفِ وتسريبِ التقارير والمعلومات الخاطئة لتضليل الشعب الأمريكي.
غالبُ الحكومات تُصاب بنوبات العطاس حين تُزعجها أخبار الصحف ومانشيتاتها الساخنة وتحقيقاتها الجريئة والمقالات النَّاقدة، خشيةَ تأثيرها على الرأي العام.

-٦-
هنالك قلةٌ فاشلةٌ منسوبةٌ إلى المهنة لم يُعرف لهم عطاءٌ صحفيٌّ ولا أداءٌ مهنيٌّ مُميز.
وليس لهم أرشيفٌ، تجدهم تحت الأشجارِ وظلالِ الحوائط، يتميزون غيظاً من نجاحِ غيرهم ، يريدون بيعَ حقدِهم للحكومة الانتقالية بالابتزاز والتهديد وتغطية فشلهم المهني لعلها تنتزعَ الصحف من أصحابها بيد السلطةِ والإجراءاتِ الاستثنائية وتُقدمها لهم على طبقٍ ثوريٍّ، فيسيل لعابُهم اللزجِ على صفحاتها!
سيوثق التاريخُ لهم فعلَهم الشنيع وقولَهم الفاضح وسيُزيل مساحيقَ الحرية وحقوقِ الإنسان من وجوههم القميئة.
التاريخ لم ينسَ أسماءً من الأمس قامت بتأميم الصحف ونزْعها من أصحابها، حينما وُئدت الديمقراطيةُ الثانيةُ على أيدي الشيوعيين والقوميين العرب .
ولن ينسى أقوالَ وأفعالَ من يُنادون اليوم بوضع يدِ الدولة الغليظة وحذائها الثقيلِ على أجهزة الإعلام !

-أخيراً-
سنتركهم يخلعون ثيابهم قطعةً قطعة، ويتخلصون من شعارتهم الزائفة واحداً بعد آخر، وحين تذهبُ السكرةُ وتحضُر الفكرة، سيجدون أنفسهم عراةً أمام عينِ التاريخ!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.