ما الذي ترغب فيه واشنطون من الخرطوم

ترجمة: سحر أحمد

سلط تقرير حديث بالمعهد الأطلنطي الضوء على زيارة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك للولايات المتحدة، وما يحمله من ملفات في حقيبته، وتناولت المؤسسة الفكرية الأمريكية التي لها تأثيرها في مجال الشئون الدولية، بالتشريح ما ترغب فيه واشنطون من حمدوك، وما عليه القيام به حتى يتمكن من إحداث اختراق في العلاقة مع الولايات المتحدة، معتبرة أن حمدوك هو رجل الساعة، وأن سلوكه الودي جعله مقبولا في الأوساط الدولية والشعبية.
أشار كبير باحثي المعهد الاطلنطي كاميرون هدسون في تقريره إلى أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك زار واشنطن بحثا عن خارطة طريق لإنهاء عقود من العقوبات على السودان. فمنذ تولي الرئيس المخلوع عمر البشير السلطة في العام 1989، أصبح السودان في قائمة الدول المنبوذة التي تضم إيران وكوريا الشمالية وسوريا. ولسبب اعتبره الكاتب وجيها، كان السودان خلال حكم البشير الطويل راعياً قوياً للإرهاب الدولي ومنتهكاً صارخاً لحقوق الإنسان.

مهمة صعبة:
وبعد ازالة البشير من سدة الحكم وقبل انقضاء أربعة أشهر على تولي حمدوك رئاسة الوزراء توجه إلى واشنطون يحمل عددا من الملفات التي تبدو صعبة بحسب التقرير. ومن بين الملفات التي يأمل حمدوك في احداث اختراق بها، ازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وإلغاء العقوبات الأخرى للكونجرس والعقوبات التنفيذية المتعلقة بالإبادة الجماعية في دارفور وانتهاكات حقوق الإنسان في أجزاء أخرى من السودان، اضافة إلى ايجاد مسار لتسديد المتأخرات المالية واستئناف تدفق المساعدات المالية الدولية، وتخفيف عبء الديون.
واعتبر الباحث الأمريكي أنه لا يمكن تحقيق أي من هذه الأشياء بسرعة من قبل أي من الجانبين. لكن حمدوك يحتاج إلى فهم واضح لما يجب القيام به والوقت الذي قد يستغرقه الأمر لالغاء هذه العقوبات التي تثقل كاهل الاقتصاد السوداني.

خارطة الطريق:
واعتبر هدسون أن ما قام به رئيس الوزراء حتى الآن يعتبر انجازا ضعيفا في إدارة التوقعات الضخمة لشعبه بالخروج من ظل نظام واشنطون العقابي. وأنه بالتأكيد سيصاب الكثيرون بخيبة أمل اذا رجع حمدوك إلى السودان دون أن ينجز أي من هذه المهام الكبيرة، مشددا على ضرورة الا يعود حمدوك خالي الوفاض، معتبرا أن كسب ثقة ادارة الرئيس ترامب، والفهم الواضح لما يتعين على الحكومة السودانية فعله للتخلص من العقوبات التي تضيِّق على الاقتصاد السوداني سيكون فوزًا كبيرًا.
و يرى هدسون أن بقاء حمدوك السياسي – ومصير الحكومة المدنية الجديدة – على المحك، لذلك لا ترغب الولايات المتحدة في الاسراف في الوعود، معتبر أنه بعد مضي أقل من أربعة أشهر من الحكم المدني، فإن واشنطن على حق في رغبتها في مزيد من الوضوح بشأن مستقبل السودان السياسي والخوف من احتمال أن يعيد الجيش تأكيد سلطته بمجرد رفع العقوبات، ويشدد الخبير الأمريكي على أن المواطنين السودانيين العاديين محتاجون إلى رؤية دليل على أن الحكومة المدنية قادرة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي ضحوا بأرواحهم من أجله.
ولكسر هذا الجمود، يرى هدسون أنه ينبغي على حمدوك إقناع واشنطن بأن الحكام المدنيين الجدد يعطون أولوية للمخاوف الأمريكية – وأنهم قادرون على إبقاء السلطات العسكرية القديمة في ذات النهج.
وسلط التقرير الضوء على عدد من القضايا التي يجب على الحكومة المدنية الجديدة التركيز عليها من بينها:

مكافحة الارهاب:
يشير التقرير إلى أن السودان لم يعد راعيا للإرهاب الدولي. وفقًا لتقرير الولايات المتحدة السنوي الأخير عن الإرهاب، الذي صدر قبل أن يغادر البشير منصبه، الذي قال أنه “على الرغم من تاريخه، أصبحت مكافحة الإرهاب اليوم من أولويات الأمن القومي للسودان، والسودان شريك متعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، على الرغم من استمرار وجوده على قائمة الدول الراعية للإرهاب. ”
ويقول هدسون إنه على الرغم من هذه الحقيقة الأساسية، الا أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بمخاوف مشروعة. من بينها، أولا: أولاً، منذ سقوط النظام السابق، أجهزة الاستخبارات الوطنية السودانية، الوكالة المسؤولة عن مكافحة الإرهاب داخلياً والتعاون مع الولايات المتحدة، مرت باضطرابات كبيرة، فرئيسها السابق يخضع لعقوبات أمريكية وقد يكون للوكالة قوى إسلامية قوية خَلَّفَها النظام السابق تقوض جهود الإصلاح داخلياً. أيضا ليس من الواضح ما إذا كان جهاز الأمن والمخابرات الوطني يخضع بالكامل لسيطرة الحكومة المدنية الجديدة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال السودان موطنًا لعدد من الإرهابيين الدوليين المعروفين والمجموعات المتمردة من الدول المجاورة، التي تستخدم معظمها المساحة الصحراوية الكبيرة غير الخاضعة للحكم من البحر الأحمر إلى ليبيا كملجأ واسع للاختباء.
واعتبر هدسون أن التعاون في مجال الاستخبارات سيحدد مدى إدراك قوات الأمن السودانية لهذه الأنشطة، وما الذي تفعله لمنعها وردعها، وما إذا كانت هناك رغبة سودانية في التعاون الكامل مع الوكالات الأمريكية لوقف هذه النشاطات.
ويرى الخبير الأمريكي أن من مصلحة واشنطون أن يكون لديها شريك في مكافحة الإرهاب يمكنها الوثوق به، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن رئيس الوزراء قد اتخذ بالفعل خطوات مهمة لاقتلاع جيوب النفوذ الخبيثة وتثبيت قيادة جديدة، إلا أنه يجب عليه استخدام رحلته للحصول على الدعم الفني من مكتب مدير وكالة الاستخبارات الوطنية والمخابرات المركزية. لمزيد من الإصلاح وإعادة تنظيم جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
أخيرًا، عندما رغبت الولايات المتحدة تحت إدارة أوباما في شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، كانت هناك نقاط شائكة إضافية لا يزال جزء منها دون حل. أولاً، تخلي النظام عن دعمه لحركة حماس وحزب الله، والتي ما زالت الأخيرة تحتفظ بمكتب سياسي في الخرطوم. مع إغلاق هذا المكتب وتغيير الطبيعة الأساسية للنظام الإسلامي في السودان، ينبغي الآن أن تكون الخرطوم في وضع أفضل لتلبية هذا الاهتمام الأمريكي.
ويرى هدسون أن القضايا الأكثر تحديًا هي الأحكام القانونية الأمريكية ضد الحكومة السودانية لدعمها للتفجيرات الإرهابية التي قامت بها المدمرة الأمريكية كول في العام 2000م وتفجيرات السفارة الأمريكية في نيروبي وكينيا ودار السلام في تنزانيا في العام 1998. والسودان له تمثيل قانوني مناسب في الولايات المتحدة، ولكن كذلك أسر الضحايا الذين استمروا في الضغط على إدارة ترامب لاتخاذ موقف متشدد بشأن إنفاذ هذه الأحكام. في حين أن الخرطوم ليس لديها المال المتاح لتسوية نهائية اليوم ، يجب أن يكون حمدوك مستعدًا للاعتراف بهذه المسألة والعمل مع السلطات وجماعات الضحايا للبحث عن تسوية.
العدالة والمساءلة:
نبه هدسون إلى أن السودان خضع لعدة أحكام وعقوبات بسبب حملة الفظائع التي ارتكبها النظام السابق، بمساعدة من ميليشياته في دارفور وجنوب السودان. حيث يتمتع حاليا العديد من الضباط الذين ارتكبوا هذه الجرائم بسلطة قيادية في الخرطوم، وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل اليوم محاسبة هؤلاء الأفراد بسبب خطر إسقاط الحكومة الانتقالية الهشة، لكن التهديد بمحاكمة مستقبلية محتملة يمكن أن يساعد في إبقاء هؤلاء القادة متوافقين مع النظام المدني الجديد.
وتطرق هدسون إلى الخطوات الايجابية التي قام بها حمدوك في اطار جهود تحقيق السلام بالمنطقتين ودارفور ورحلته إلى المعسكرات. والتزامه بخطة لاعادة توطين النازحين وعودتهم إلى قراهم. اضافة إلى جهود انهاء الصراعات الداخلية ومحادثات السلام مع حملة السلاح.
محكمة الجنايات الدولية:
يرى هدسون أن التعامل مع البشير ونقله إلى محكمة الجنايات الدولية أمر حاسم، وفيه معالجة لقضايا مناطق الصراعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وفيه معالجة لآلام هؤلاء الذين فقدوا الكثير من الضحايا، وكذلك فيه تحذير لقيادات الجيش، لامكانية وصولهم لذات المصير. الا أنه يرى أنه أمر شائك وينطوي على مخاطر في ذات الوقت، لأنه قد يؤدي إلى مواجهات عسكرية مع نافذين في الجيش متورطين في هذه الجرائم أيضا.
إصلاح القوات الأمنية
ربما يلوح إصلاح قطاع الأمن السوداني المتضخم في أذهان المسؤولين الأميركيين في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أن مسؤولية تنفيذ الإصلاح تقع على عاتق وزير الدفاع الذي يتم تعيينه من قبل الجيش ولا يخضع حاليًا للسيطرة المدنية، الا إن مسألة إصلاح المؤسسة الأمنية السودانية تمس كل مخاوف الولايات المتحدة تقريبًا، بما في ذلك السيطرة على الميزانية والعدالة والمساءلة عن حقوق الإنسان. وشدد هدسون على أن واشنطن ترغب في أن تسمع من حمدوك عن أي خطط جديدة للبدء في معالجة هذه المهمة الضخمة والحساسة للغاية، بما في تقليص حجم القوات المسلحة، وإدماج مختلف الجماعات المسلحة في الجيش، ومصير قوات قوات الدعم السريع الذي يعتبر من المسائل الهيكلية الضخمة التي يجب على الحكومة أن تبدأ في معالجتها إذا كانت تأمل في تقليل الدور الذي يلعبه الجيش في السياسة السودانية وإقامة حكم مدني دائم.
ويرى هدسون أن واشنطون ستترقب أي مؤشرات لتتحقق من أن الجيش شريك مخلص وراغب في الديمقراطية، الا أن للأسف لا يوجد حتى الآن أي أدلة على اعادة هيكلة داخل الجيش، على الرغم من وجود تقارير أولية إيجابية عن إقصاء الإسلاميين المتشددين من الرتب العليا. كذلك يشير هدسون إلى أنه ينبغي على حمدوك أن يفكر في أن يجلب معه مسؤولاً عسكرياً رفيع المستوى إلى واشنطن يمكن أن تتحدث إليه واشنطن مباشرة ويمكنه نقل توقعات الإدارة إلى الجيش وفقا للتسلسل الهرمي العسكري.
كذلك يسلط هدسون الضوء على الحرية الدينية وحقوق الإنسان وضرورة تركيز حمدوك على هذين الاتجاهين.
الميزانية والتمويل:
ويقول التقرير انه في حين أن الوفد السوداني مهتم بالحصول على خريطة طريق واضحة من واشنطن حول كيفية إزالة العقوبات الأمريكية كوسيلة لإنعاش الاقتصاد المحلي للسودان، سيرغب المسؤولون الأمريكيون في سماع المحادثات الصعبة التي أجراها حمدوك ووزرائه في الخرطوم مع الأجهزة الأمنية والمواطنين للتصدي للتحويل والتخصيص غير الفعال لموارد الدولة. فقد ساهم سوء استخدام موارد الدولة بشكل كبير في تدهور الاقتصاد إلى جانب العقوبات الأمريكية.
ونبه هدسون إلى أنه ينبغي على حمدوك التحدث بصراحة خلال زيارته الحالية لواشنطون عن رؤيته للبلاد، وإنجازاته حتى الآن، والتحديات الداخلية التي يواجهها من الفصائل المتنافسة داخل البلاد بما في ذلك الجيش، وتحالف قوى الحرية والتغيير، والإسلاميين، وبقايا نظام البشير، معتبرا أنه يمكن لواشنطن أن تساعد في تحييد القوى السلبية وتعزيز أجندة حمدوك، لكن فقط إذا تم إدراجها في خططه، مشيرا إلى أن إيجاد الثقة في قيادته والشراكة في أجندة مشتركة سوف يفتح العوائق التي تقف في طريق حمدوك في تجديد العلاقة مع واشنطن، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي للبلاد في نهاية المطاف.
ويرى هدسون أن الأمر يحتاج صبرا ومثابرة، وكفاحا من أجل إبقاء السودان على جدول الأعمال خاصة في عام الانتخابات، معتبرا أن حمدوك هو رجل الساعة. خاصة وأن سلوكه الودي وأوراق اعتماده الجليلة وسمعته غير الملوثة جعلته مقبولا في الأوساط الدولية وبين شعبه، وعلى الرغم من أن تحدياته كبيرة ووسائله محدودة الا أن لدى السودان فرصة للقتال.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.