الجديد شنو؟ عبدالقادر باكاش

المسكوت عنه في جراح الشرق

شارك الخبر

(1)
اتهمت وزارة الإعلام الاريترية الخميس قبل الماضي دولة قطر بالسعي لمخطط تخريبي في شرق السودان من خلال تأجيج المواجهات العرقية في بورتسودان، باستخدام عناصر من جماعة الإخوان المسلمين ووعدت اريتريا بكشف تفاصيل الخطة الكاملة التي يجري تنفيذها في شرق السودان وتهدف الى إثارة الفوضى. ورغم ما انطوى عليه البيان من مخاطر اتهامات وتدخل في شؤوننا السودانية فقد واجهت الحكومة الأمر بالسكوت المطبق. ما كنت أحسب أن الحكومة السودانية ستسكت على الأمر بهذا الشكل المريب فقد سكت حتى الإعلام السوداني عن تحليل وقراءة وتفنيد ما جاء في البيان الاريتري بالنفي أو الإثبات ، تواصلت يومها عبر تطبيقات الواتس آب مع الناطق باسم المجلس السيادي الأخ الأستاذ محمد الفكي سليمان ووعدني بإصدار بيان مفصل بعد التشاور مع الجهات ذات الصلة، الأمر الذي لم يحدث حتى تاريخه.، فقط قام نائب رئيس مجلس السيادة الفريق حميدتي بزيارة الي اسمرا استغرقت يوماً واحداً ولم تعلن تفاصيلها بعد. ولم يعرف ما اذا كانت حول مخاطبة القضايا الجوهرية المتعلقة بأمن الحدود ام كانت لأغراض سياسية اخرى. عموماً هي زيارة تأتي وتقرأ ضمن سلسلة من الزيارات المتبادلة بين البلدين.

 (2)
تحدثت مع عدد من الساسة السودانيين حول بيان وزارة الاعلام الاريترية وجدتهم جميعهم واثقين ومقتنعين أن وراء المشكلات القبلية التي توالت في ولاية البحر الأحمر أطراف أخرى تؤججها لان مسببات النزاعات القبلية الأخيرة غير مقنعة للجميع ومن غير المستبعد وجود جهات أخرى تزكي الصراعات وتهدف لإثارة وتأزيم الإقليم الشرقي الجاذب لكل الراغبين والباحثين عن السلم والاستقرار والعيش الكريم فقد استضاف اهل الشرق جميع الوافدين إليهم من مختلف جنسياتهم وتصاهروا وعاشوا معهم مئات السنين لم تنشب بين ايٍ منهم اي نزاعات أو صراعات حول ادعاءات في الجغرافيا والتاريخ، فعاش الجميع كلٌّ بمقدار عطائه في نسيج اجتماعي متماسك، ترى ما الذي يدفع البعض لمحاولة نسف الاستقرار وخلخلة النسيج الاجتماعي وتغذية النعرات القبلية والدعوة للتصارع حول قضايا ثانوية؟ 

(3)
 ليس سراً أن السودان آوى خلال فترة الإنقاذ الحركات الإسلامية المناوئة للحكومة الارترية وأن اغلب هذه الحركات كانت تمول وتزود بالسلاح وتفتح لها المعسكرات ويقيم قادتها وزعماؤها داخل مدن الإقليم الشرقي وجميعهم معروفون للسلطات السودانية بجانب أن كثيرا من منسوبيها ذابوا في المجتمعات المحلية وأصبحوا جزءا من مكونات الشرق لدرجة أن قادة ارتريا كانوا يعتبرون تجنيس وإيواء واستضافة السودان لمسلمي ارتريا شكلا من أشكال التغيير الديمغرافي للإقليم بتذويب الاريتريين في قبائل الشرق وهو زعم مردود لان السودان لم يذهب إليهم وإنما أتوه لاجئين فارين من ويلات الحرب وتمت استضافتهم وإيوائهم وإكرامهم والتعايش معهم انطلاقاً من كرم وسماحة السودانيين ولم ينظر احد للظلال السياسية لهذا الوجود الذي بات يتجذر ويتوطد ويتمدد ويتهدد مستقبل الشرق ولولا اختلاط ومحاولة تماهي بعضهم في النسيج الاجتماعي بل وادعائهم بطولات وتأريخ زائف لما طلبنا النظر في أمرهم، فوجودهم صار عبئا على السودان وبات يهدد علاقاتنا الخارجية ومصالحنا الاستراتيجية ولا بد من استئصالهم وتقنين وجودهم وتمييزهم عن المجتمعات المحلية وحصر مشاركتهم وفقاً لوضعهم وحجمهم الطبيعيين، طبعاً اعلم أن البعض سيظنني اقصد وجود قبائل البني عامر والحباب في الشرق لذا أجد نفسي مضطراً لتأكيد المؤكد في أن الحباب والبني عامر جزء ومكون رئيس في شرق السودان وهم قبائل معروفة ولها إسهامها التاريخي والآني والمستقبلي في المنطقة ولا علاقة لهم بالدخلاء الجدد.
 لكل ما سبق أرى أن على الحكومة السودانية إعادة النظر في ملف الحركات الاريترية بالشرق حفظاً لجوار آمن مع الجارة الصديقة ارتريا ولتحقيق الاستقرار في الإقليم الاستراتيجي الحيوي، يكفي أن الحكومة الارترية حققت انجازا واحدا من انجح الاتفاقيات ( اتفاقية الشرق ) التي لم تُطلق بعدها طلقة واحدة في الحدود رغم ما اعترتها من عثرات في التنفيذ نتيجة لأسباب داخلية كما إنني أثق أن حكومة ثورة ديسمبر حادبة على تأسيس علاقة خارجية تقوم على احترام الجيران وبناء جسور التواصل معهم خاصة مع الجارة إريتريا التي كان لها السبق في دعم التغيير وتهنئة الشعب السوداني بنجاح ثورته فقد كان وزير الخارجية الاريتري عثمان صالح محمد من اوائل زوار السودان إذ وصل في مايو الماضي مرتين ثم في يونيو بوفد عالي المستوى ومن ثم كانت زيارة الرئيس اسياسي افورقي للخرطوم منتصف سبتمبر الماضي كل ذلك يؤكد حرص الجارة إريتريا على تمتين علاقتها بالشعب السوداني.

(4) 
شغل البعض بالجانب السياسي في الأزمة القبلية الأخيرة وتوزعوا الى فريقين، الفريق الأول يدعم مسار الشرق في مفاوضات جوبا والذي يأتي ضمن مسارات التفاوض بالتوزيع الجغرافي في جوبا شأنه شأن بقية الأقاليم إضافة الى أن قضية الشرق في جوبا لا تمثل أولوية لدى المتفاوضين ولا لدى الوساطة لأنها لا تمثل أهمية سياسية أو أمنية فممثلو الشرق ليسوا حملة سلاح كبقية الحركات المتفاوضة وليسوا على قلب رجل واحد ولا تسندهم قواعد حزبية إنما شخصيات مصنوعة من قبل قادة الحركات كشكل من أشكال تزيين و تلبيس الحركة عينها بزي قومي.
الفريق الآخر  يدعم استكمال نواقص اتفاق سلام الشرق الموقع في اسمرا ١٤ أكتوبر ٢٠٠٦ هو الآخر فشل في الفترة الفائتة في إلزام الحكومة السابقة بتطبيق الاتفاق واستخدم سياسة مرنة في التعايش مع النظام البائد لضرورات مرحلية واستراتيجية.
اعتقد أن الفريقين غفلا عن معرفة حقيقة اسباب وطبيعة النزاع القبلي الاخير بين البداوييت والتقراييت فقد وضح لي من خلال الرصد الدقيق أن الازمة أعمق مما يتصورها الساسة وأتباعهم فالحملة الاسفيرية التي نظمها أبناء الطرفين تسببت في نكء جراحات وشحن النفوس وبث معلومات خاطئة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.