أقاصي الدنيا || محمد محمد خير

زيارة حمدوك سراب أم أمل؟

شارك الخبر

لمحمود درويش نثراً شاعرياً ضمته كتابته في يوميات الحزن العادي التي جاء فيها ما يطابق حالة بلادنا، حين كتب درويش (لقد انحنيت حتى صار ظهري قوساً فمتى تطلقين سهمك)!!
ظل السودان طوال سني الإنقاذ منحنيا لأمريكا فرغم (لن نذل ولن نهان ولن نطيع الأمريكان) إلا أن السودان أنجز في طواعية نادرة كل ما تريده أمريكا في مكافحة الإرهاب وفصل الجنوب وترتيب المنطقة وفقاً لما يخدم مصالح أمريكا. ولم تكن أمريكا سخية وممتنة، بل بادلت هذه الخدمات بعقوبات أشد وبقانون سلام دارفور وقائمة الإرهاب والحظر والتضييق المالي، وكانت كلما تقسو، يزداد السودان استعدادا لتقديم خدماته المجانية بدأب حير أمريكا نفسها فظلت تضن وتلتهم الوجبات المجانية المقدمة لها من السودان دون أن تضيف بهاراً (فعدس الوابل لا يحتاج إلى توابل)!!
وفي غمار هذا، ظلت أمريكا تصدر منشورات من سفارتها وتعيق السلام، بل خفضت تمثيلها الدبلوماسي، وكان هذا بمثابة الشكر على العطايا المتهدلة.
كان ذلك يقابل بارتياح من السودانيين المقيمين في أمريكا الذين حصلوا على الجنسية الأمريكية وهم من لعبوا الدور المفصلي في تلك العقوبات، وهم من شكلوا حائط صد لرفعها وهم من كانوا يتظاهرون أمام السفارة السودانية والبيت الأبيض وساحة الحرية، وهم من تجمهروا في وجه مهدي إبراهيم وألحقوه بإبراهيم أحمد عمر ووفد الإدارة الأهلية، وهم من اجتذبوا الممثلين الأمريكيين وعتاة الكونغرس وذلك ما أربك الإدارة الأمريكية وجعلها حائرة بين حكومة تقدم كل شيء في سبيل التطبيع، وبين شرائح من شعبها تأمرك ونال الجنسية وأصبح في عداد الأهل والعشيرة!
هذه الشريحة الأهم خرجت بأجمعها لملاقاة حمدوك، وتحولت من خانة العداء لمخيم المناداة برفع العقوبات وذلك هو النجاح الأهم. كانوا فيما مضى ضد رفع العقوبات وأصبحوا الآن في صف رفعها. وفي تقديري أن تلك هي رافعة حمدوك الأولى وإسطرلابه الذي سيسافر.
وما يجعلني متيقناً بأن المسعى السوداني الحالي سينعقد له لواء النصر، أن الإدارة الأمريكية الآن متخففة من الضغوط الأمريكية الشعبية التي يشكل الأمريكيون من أصل سوداني عقلها وفؤادها، ولابد لها في نهاية الأمر أن تستجيب.
المعضلة الأساسية في هذا المسعى، هو قانون سلام دارفور الذي توافق عليه الحزبان بأغلبية ساحقة وأجازه الكونغرس وأصبح قانوناً لن يتجمد إلا بدفء السلام، فما لم يتحقق السلام على النحو المرضي لأطرافه ويحال القانون للكونغرس لتجميده، لن تستطيع أية إدارة أمريكية تجاوز هذا القانون لأن تجميده ليس في طاعتها بل هو اختصاص كونغرسي لا شريك له .
السلام العادل بكل مطلوباته هو المرشد لفهم إشعار أمريكا. علينا أن نجعل السلام أولوية وأن ننحني لمطلوباته وأن ننجزه ونجعله واقعاً وأن نثبت للكونغرس أننا أهل سلم، مثلما أثبت أردول أنه من (معدن) أصيل.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.