أقاصي الدنيا || محمد محمد خير

قابلت حمدوك

شارك الخبر

بيني وبينه همزة وصل لها أرجل وكبرياء اخوة وتذكارات وأشجان وإن أحبه الناس هذا الحب القاسي الذي بات من العصي شفاء الشعب منه فأنا يعود لي الفضل بأنني أحببته محبة تعادل هذا الحب القومي قبل أن يعرفه الناس. إنها اخوة الثلج، ثلج كندا الهتون الذي لا تتدفأ فيه إلا بمحبة الآخر فكل تعبير صداقة (بطانية) وكل نأمة مدفأة. علمتني المشاوير أن المحبة العميقة بين الناس يزكيها ظرف المكان ومن ذلك السجن والمنفى فأعمق صداقاتي التي جرت على خطوط المحبة نبعت من هذين. ظرف المكان الموحش شبيه بالموت المؤقت والمحبة هي المهماز الأوحد لإنعاش الموت وانتزاع الحياة من داخله، ومن السجن أصبت محبة التجاني الطيب الذي لولا جنوني وتقلباتي وأحزابي العديدة لظنني (الأممية الثالثة) كادرا سريا. رحمه الله وغفر لبعض أحبابه سوء ظنهم بي لأنني أحب هذا البلد أكثر من عاشقيه.
أكاد أجزم أنني ربما الوحيد الذي لم يقابل حمدوك طلبا لوظيفه لأن ظروفي اقتضت أن أقضي نصف عام في كندا متنقلا بين المستشفيات والمستوصفات دراءً للاحتمال الراجح لعودة السرطان، ويشرف على هذا الترتيب صهر حمدوك الطبيب الماهر غانم إدريس. ثم إني أصبت ريع بيع (الشية) وأصبحت (تريانا) ولي قط لا يأكل إلا الشواء ولو تهافتُّ على وظيفة لن استطيع الوفاء بمستلزمات قطي الذي أصبح قبلة ( الكوادس) الإناث .
الكوادس هو اللفظ العربي الفصيح للقطط كما ورد في سيرة الشاعر الشمومق الذي كان يربي الكوادس.
قابلت حمدوك لأنني أشفق عليه من محبة جارفة لم يجدها زعيم سياسي منذ عهود السلطنة الزرقاء. قابلته لأواسيه من تلك المحبة التي ربما يتحول نثيثها لسعير يحرقنا جميعا والسد عال شامخ وأنا قصير.
حمدوك يرى أن أزمة السودان هي أزمة خارجية في المقام الأول وأمريكية على وجه الخصوص لذا فهو يعكف على حل تلك العقدة بالشعاع وهذا أمر ينعقد على التبصر لا الهتاف والسعة لا الضيق الذي ينفجر من داخل نفسه. أثناء حديثنا الذي امتد لساعتين نقلت الفضائيات أن وزير الخارجية الأمريكي أعلن رفع اسم السودان من كل ما يثير القلق الديني فاستبنت لماذا ضم حمدوك وزير الشؤون الدينية لوفده وسط استنكار الجميع .
حمدوك موظف أممي مرموق أتاحت له وظيفته معرفة طبيعة الغرب وأمريكا معرفة لا تتاح لكل السياسيين فهو يقطف من الجوف والسياسيون يطوفون على الهوامش. وهو يريد في ضوء هذه المعرفة البراغماتية أن يخرج ببلده نحو شاطئ بلا مدى.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.