*المعلوماتية والاتصال..تواصل الأجيال!* م.أسامة محمد طالب الله

فى العقد الأخير من الألفية الأولى قلصت المانيا الاتحادية ميزانية البحث العلمي لحقل تقنية المعلومات والاتصال بسبب سياسة التقشف التي تضمنتها الخطة الخمسيّة للدورة التشريعية، ما ترتب عنه؟
خمس سنين من التخلف فى هذا الحقل!
تراجع التصنيف العالمي لألمانيا! و التي ما زالت تلهث وراء دول أخرى مثل الهند، لتستجدي بخبرائها دون جدوى وتفتح لهم باب الهجرة لأول مرة فى تاريخها منذ إعادة إعمارها عن طريق مشروع مارشال الأمريكي!

وقد تم تجاوز هذا الخلل لاحقاً برفع ميزانية البحث العلمي فى هذا الحقل واستجداء خريجي الجامعات الألمانية الأجانب بالبقاء.. وقد طالب بعض السياسيين بزيادة المواليد لمقابلة النظير الهندي فى عدد خبراء هذا الحقل.. وتجسد هذا فى شعار الحملة الانتخابية لـ(روتغرز ) لرئاسة وزراء ولاية (فستفاليا) عام ألفين وكان محتواه – Kinder statt Inder – ما معناه.. أنجبوا أطفالاً ليصبحوا خبراء بدلاً من جلب خبراء الهنود! و تحدث الكثيرون عن أهمية نقل المعرفة بواسطة آلية تواصل الأجيال!
وقلت فى نفسي مثلكم أيها القراء الكرام..و ما شأني بكل ذلك!!

والآٓن بعد عشرين عاما أجد نفسي فى العقد السادس من العمر وأعني أوائل الخمسين..و أحسب نفسي رجلا شابا ناضجا ومكتمل الخبرة! وما زال الأمر لا يعنيني البتة! ولكن!
وقبل رحلتي من برلين للخرطوم أول شهر ديسمبر ٢٠١٩ اتصل بي في أمر مستعجل من جنيفا البروف صلاح حسين منديل عالم المعلوماتية والتيلماتيك والخبير الأممي فى مجال الاستراتجيات القومية فى مجال الصحة الالكترونية ورئيس مجلس العلماء والخبراء السودانيين بالخارج
..وكان منزعجاً وهو يشرح لي ضرورة عقد لقاءات تنويرية مع المعنيين فى السودان لتوضيح أهمية التفريق بين نمذجة البيانات الإحصائية الثانوية – modelled secondary data – والبيانات الرئيسية الخام – primary raw data – وطرق جمعها ومعالجتها واستخداماتها للحصول على معلومات إحصائية سليمة وتحليلات بيانية دقيقة لتطوير الإدارات وتحسين الأداء بالمؤسسات المختلفة! وتذكرت أهمية نقل المعرفة بواسطة آلية تواصل الأجيال وذلك حين قال لي: أسامة هذه أمانة في عنق الشباب!!
وقبل عودتى من الخرطوم آخر الشهر نفسه اتصل بي البروف محمد طالب الله الشيخ عالم هندسة المواد وأستاذ الهندسة الكيميائية وكان يؤلف مقدمتين باللغة العربية عن ميكانيكية الكم – Quantum mechanics – وتقنية النانو – nanotechnology – طالباً حضورى الفوري..ليحدثني بعض الشيء عن الـ Material Modeling وأن أبحاث النانو الحديثة فى الصين أزعجت الأمريكان فقد أفرزت مواد جديدة على البشرية وبشكل متسارع، لم تعرف من قبل ولم تحصر استخداماتها بعد ولا يعرف تأثيرها ومضاعفاتها على المدى البعيد! وهذا أيضاً يماثل فى المعلوماتية نمذجة البيانات، تشكيلها وتمثيلها في نماذج وقوالب أخرى – data modelling – يجب أن تنتبهوا لذلك!
تذكرت حديث البروف منديل عن تشويه/ معالجة البيانات بشكل آخَر – data manipulation – وتأثيرها علي الأمن القومي وعملية التنمية المستدامة..! أحسست بالغيرة الحميدة..وسألت البروف العجوز لماذا ترهقون أنفسكم هكذا؟ فقال لي: ألم تسمع قول الله تعالى .. {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)} سورة يس.. خذوا ما عندنا قبل أن يتفلت!

ومن هنا نحذر: فالقضية في لُبْ السيادة الوطنية! فهذه الخبرات التراكمية لهذا الجيل من العلماء السودانيين هي ثروة معرفة قومية يجب الحفاظ عليها وتدويرها وإعادة إنتاجها عن طريق آلية تواصل الأجيال!
وهذا يجب أن يحدث الآن وفوراً بين مجلس الخبراء والعلماء السودانيين بالخارج وهو الكيان الاستشاري القومي الوحيد المعترف به لنقل وتوطين المعرفة وله نظام أساسي ولائحة عمل ولجنة تنفيذية و٢٣ فعالية في السنوات الثلاث من عمره وبين إدارة نقل المعرفة التابعة لجهاز المغتربين وتحت مظلة رئاسة الوزراء مباشرةً!

ومن هنا أيضاً نتساءل!
أين هي تلك البرامج وخطط العمل القيمة لعام ٢٠١٩/٢٠٢٠م والتي سلمتها إدارة مجلس الخبراء لبرنامج نقل المعرفة بجهاز المغتربين؟
وأين هي تلك الميزانيات الموعودة والمعدة لتمويل هذه الفعاليات والأنشطة؟

نحن فى الانتظار وتحت الأنظار ! والزمن ليس فى صالح السودان!

(وللحديث بقية!)

*رئيس قطاع تقنية المعلومات والاتصالات بمجلس الخبراء والعلماء السودانيين بالخارج، مهندس نظم ومطور تقنيات الويب وخبير التجارة الالكترونية واستراتجية التسويق بواسطة محركات البحث بمدينة برلين الألمانية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.